حسم الشعب السوداني أمره بقراره: لا شراكة لا تفاوض لا مساومة مع العسكر
تعليقات في السياسة الداخلية
سليمان حامد الحاج
.
طريق جهنم يا حمدوك أن تختار طريقاً لا يمشيه الشعب، إنك من وراء ظهر الشعب السوداني ودون تفويض من أي جهة أو قوى وطنية، ولا حتى التشاور مع وزراء حكومتك قبل تقديم استقالاتهم، وقعت شراكة جديدة مع الفريق عبد الفتاح البرهان بوصفه القائد العام للقوات المسلحة دون تكليف من قواعدها، تفعل ذلك رغم الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب والوطن. حمدوك والبرهان جعلا من نفسيهما أوصياء على الشعب السوداني يقرران في حاضره ومستقبله دون استشارته أو إشراكه في تقرير مصيره وكأنه شعباً قاصراً وليس الشعب العظيم الذي قام بثورة ذات مثال نادر في تأريخ الشعوب، ونموذجاَ تحتذي به ونتوسل بممارساتها السلمية وتروسها واشعال اطاراتها وصمود شبابها وشاباتها وفتح صدورهم تحدياً للرصاص الغادر، وتقديمها مئات الشهداء، في نضالهم ضد حكامها الطغاة اصراراً على المضي بالثورة إلى الأمام.
توقيع حمدوك على هذا الإتفاق المخزي يعني:
أولاً: التقاضي عن الإنقلاب العسكري الذي قام به البرهان وإضفاء شرعية زائفة عليه، بل وحماية من قاموا به من المساءلة وتقديمهم للمحاكمة، بل حتى عدم الإقرار بأنه جريمة في حق الشعب والوطن.
ثانياً: إعفاء البرهان من الجرائم التي اتهم بإرتكابها نظامه منذ قيامه بإنقلابه ومن بينها قتل ما يزيد عن أربعين شابةً وشاباً وطفلاً بالرصاص الحي وإخفاء الكثيرين بعد خطفهم وتعذيبهم ، وجرح المئات واصابتهم اصابات بعضها خطيرة قد تؤدي إلى موت العديد منهم لاحقاً.
ثالثاً: يضفي الإتفاق السياسي شرعية على البرهان ليظل في منصبه رئيساً لمجلس السيادة في الوقت الذي كان من المفترض أخلاءه للمدنيين في 17 نوفمبر 2021م وفقاً للوثيقة الدستورية، التي تم تعديلها عن قصد ومع سبق الإصرار والترصد بهذا الغرض-التشبث بالحكم.
رابعاً: يسهم الإتفاق في تأخير تسليم البرهان للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للجرائم التي أرتكبها في دارفور وفقاً لأقوال كوشيب التي كشف فيها أمام التحقيق (أنه إذا قتل مائة فالبرهان قتل ألف) لأنه كان رئيسه المباشر وأمره بإرتكاب تلك الجرائم كما قال.
خامساً: الإفلات من العقاب على الجرائم التي تمثلت في المجزرة البشعة في ساحة رئاسة القوات المسلحة والتي أعلن الكباشي في المؤتمر الصحفي الشهير، بعد المجزرة أن المجلس العسكري برئاسة البرهان هو الذي أمر بفض الاعتصام بتلك الصورة المأساوية.
سادساً: الإتفاق أيضاً يتقاضي عن إلغاء القرارات العديدة التي أتخذها وأصدرها عبدالفتاح البرهان وعلى رأسها تجميد النقابات والاتحادات المهنية المختلفة وهو يعلم دورها في ثورة ديسمبر المجيدة، وهو قرار يتنافى مع الحقوق الديمقراطية وحرية التنظيم والعمل التي يتمشدقون بها كذباً وتضليلاً للجماهير.
سابعاً: الإتفاق يضفي شرعية على مراجعة عمل اللجنة التي تحقق في جرائم قيادات النظام الطفيلي بما يثير الكثير من الشكوك وما هو مستبطن. ومن حق شعب السودان أن يستنتج أن القرار هو تمهيد لوقف التحقيقات كلية أو إلغاؤها، بل أبعد من ذلك من حقنا أن نستنتج أيضاً أنه مقدمة لإطلاق سراحهم دون أية محاكمة على الجرائم التي ارتكبوها وعلى رأسها جريمة الإنقلاب الذي قاموا به ضد حكومة شرعية منتخبة ديمقراطياً، أياً كان رأينا فيها، وهو إجراء مضمر لا يستبعد من شخص قام بإنقلاب ثم نكره قائلاً أنه ليس انقلاباً بل (تصحيح للمسار) ماداً لسانه على طوله للشعب السوداني وللعالم أجمع، الذي أدان ما فعله البرهان وأكد أنه انقلاب كامل الأركان.
المدهش حقاً أن لا يثير حمدوك ولا يشير من بعيد أو قريب ولو بكلمة وهو يوقع على الإتفاق مع البرهان، أن ما حدث انقلاب رغم اطاحته به وبحكومته ووصفها بالفشل وعدم التعاون، ورغم اعتقال حمدوك بصورة غير لائقة برئيس وزراء واعتقال معظم وزرائه، لم يطالب حمدوك أو يسجل في الإتفاق السياسي أن ما حدث انقلاب ضد الديمقراطية. بل وقع على البند الرابع عشر من الاتفاق المبرم الذي جاء فيه (بالتوقيع على هذا الاتفاق السياسي يلغي قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الإنتقالي.) ولم يشر القرار أعلاه إلى ما هو الموقف من القرارات الأخرى التي أصدرها قائد الإنقلاب العسكري، وليس بوصفه فقط قائداً للقوات المسلحة!؟. ليس ذلك غريباً على البرهان الذي أنكر انقلابه العسكري البائس واليائس مغالطاً شعب السودان والعالم أجمع.
إن ما جاء في الإتفاق السياسي يؤكد الإقرار بفشل الإنقلاب العسكري في حل الأزمة السياسية عندما يقر بالحرف (أن الأزمة في جوهرها أزمة سياسية تتطلب قدراً من الحكمة واستشعاراً للمسؤولية الوطنية) وليس عبر الإنقلاب.
ما يدعو للعجب حقاً هو قول حمدوك أنه (وقع على هذا الإتفاق حقناً لدماء السودانيين.) (وللمحافظة على الإنجازات الاقتصادية التي حققها.) وهما تبريران يفضحهما الواقع المعاش.
فالواقع يقول إن الوضع الاقتصادي يسير يومياً من سيء إلى أسوأ في كل مناحي الحياة. غلاء غير مسبوق في اسعار السلع الضرورية، إنهيار في قيمة العملة السودانية مقابل العملات الأجنبية الأخرى إلى 453 جنيهاً سودانياً للدولار، وهناك عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وقفز التضخم من 269% في 12/1/2021م إلى 386% في نوفمبر 2021م. وسيحدث أبشع من ذلك إذا أصَّر حمدوك على اتباع ذات السياسة الاقتصادية التي تجسد التبعية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ورضوخه لشروطهما المدمرة.
كان من الممكن أن إنقاذ الاقتصاد السوداني من التبعية والإنهيار لو أن حمدوك نفذ ما توصل إليه المؤتمر القومي الاقتصادي الذي أسهمت فيه اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير بجهد علمي واقعي الذي كان من الممكن أن يضع حداً للإنهيار والتسول والإعتماد على القروض والمنح والإستدانة. إلا أن حمدوك رفض ذلك كله معرضاً وجهه لسياسة الاعتماد على الذات استناداً على مقدرات السودان الإنتاجية وتفجير الإمكانات الهائلة والوافرة في بلادنا.
لقد حدد تفجير اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير نهجاً واقعياً للسياسات الاقتصادية المستدامة التي تنحو منحاً وطنياً يجعل السودان بلداً منتجاً يعتمد على ذاته وطاقات شعبه بما يقطع الطريق على أي قوى أجنبية تعمل على بقائه بلداً فقيراً يعتمد على الغير وسوقاً للشركات الرأسمالية وفاقداً لقراره.
حمدوك يعلم تمام العلم مصير البلدان التي انتهجت سياسة التبعية للبنك الدولي وشروطه القاصدة افقاره ليتواصل اعتمادها عليه. ويعلم أيضاً موقف تلك البلدان التي رفضت الركوع تحت أقدام الرأسمالية العالمية ومؤسساتها. وأبرز مثال لتلك الدول ما قامت به حكومة بوليفيا بقيادة ايقو موراليس القائد لحزب الحركة الإشتراكية، فقد قررت حكومته الجديدة المنتخبة إعادة قرض بقيمة 350 مليون دولار (ثلاثمائة وخمسين مليون دولاراً) إلى صندوق النقد الدولي حسب وكالة رويترز للأخبار.
وقرر البنك المركزي في بوليفيا إعادة 346 مليون دولار بما في ذلك 4,7 مليون دولار من الفوائد والعملات لصندوق النقد الدولي لتفادي إرهاق اقتصادها بالديون والتكاليف دون داع لذلك.
وقال البنك أيضاً أنه سيبدأ إجراءات إدارية ومدنية وجنائية ضد المسؤولين عن التفاوض على هذا القرض مع صندوق النقد الدولي.
هذا هو الفرق بين حكومة منحازة للشعب وقلبها على الوطن ومستقبله وبين حكومة تدير ظهرها للشعب والوطن وتضع يدها في يد السفاحين والقتلة الفاسدين.
أما تبرير حمدوك القائل بأنه وقع على ذلك الإتفاق حقناً للدماء، فتدحضه حقيقة أن شاباً قد قتل في مدينة أم درمان، بعد توقيعه على الإتفاق ليرتفع عدد القتلى إلى 41 شهيداً من الشابات والشباب والأطفال. ولم يطلب حمدوك أن ينص الإتفاق على تقديم من قاموا بهذه الجرائم للعدالة.
إن أخطر ما في هذا الإتفاق السياسي رغم أنه ذكر في البند (رابعاً) والذي جاء فيه (أن يكون مجلس السيادة الإنتقالي مشرفاً على تنفيذ مهام الفترة الإنتقالية الواردة في البند (من الوثيقة الدستورية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي) ، هو أنه لم يلغي قرار البرهان الذي أتخذه بعد انقلابه بتكوين مجلس السيادة وحدد سلطاته في أن لديه كل السلطات التشريعية والتنفيذية. وهذا يدحض ما جاء في الإتفاق عن سلطات مجلس السيادة.
فمجلس السيادة المكون من العسكريين الخمسة اضافة إلى مالك عقار والهادي إدريس والطاهر حجر ووزراء اتفاق جوبا في مواقعهم لازال قائماً وبذات السلطات التي كون بها.
نحن في الحزب الشيوعي السوداني ظللنا ومازلنا نرفض أي حكم للعسكر استناداً على تجاربنا السابقة المريرة مع الأنظمة العسكرية، لقد أكد المكتب السياسي لحزبنا ذلك في البيان الذي أصدره في 21 نوفمبر 2021م والذي جاء فيه رفض هذا الإتفاق الذي يعزز سلطة العسكر ويعيد شراكة الدم، وهو يبقى على الوثيقة الدستورية الشائهة والتي كانت عنصراً اساسياً في جر البلاد إلى ما وصلت إليه خلال العامين الماضيين. أنه يدعو جماهير شعبنا للوقوف بصلابة في وجه الإتفاق والتمسك بكافة أشكال النضال السلمي لإسقاط النظام الذي يتأسس عليه وإقامة حكومة مدنية من وطنيين ثوريين منحازين لثورة ديسمبر المجيدة ووفاءً لشهدائها البواسل.