وكم من حمار صار من الشطّار
كتب: جعفر عباس
.
جامي أوليفر مليونير بريطاني، وجمع ملايينه من ممارسة الطبخ، ويقدم برامج طبخ تلفزيونية نالت إعجاب الملايين في أوربا والولايات المتحدة، لسهولة إعداد الوجبات التي يقدمها ولأنه ودود ودمث الأخلاق وبشوش، وقام بتأليف أكثر من عشرين كتابا عن فنون الطبخ، وصار مسؤولا عن إعداد وجبات صحية لعيال المدارس في عموم بريطانيا لأنه متخصص في الأكلات الصحية التي لا تسبب تمدد الكروش وانسداد الأوعية الدموية، أوليفر هذا فاجأ وسائل الإعلام في بريطانيا بأنه قرأ أول كتاب في حياته من الغلاف إلى الغلاف وهو Catching Fire من تأليف سوزان كولينز وعمره 38 سنة، وهللت لذلك الصحافة البريطانية أكثر من تهليلها للكتب العشرين التي ألفها، والسر في ذلك أن أوليفر يعاني من الديسلكسيا، وهو نوع من الاضطراب يجعل المصابين به عاجزين عن القراءة والكتابة السليمة والحساب، وتقول دراسات أجريت في العديد من بلاد العالم المعنية بجودة التعليم ولديها أساليب تربوية تحترم قدرات التلاميذ منذ مرحلة الحضانة، أن نحو 10% من البشر يعانون من الديسلكسيا، وفي بريطانيا وامريكا مثلا يسمون من يعاني منها “ديسلكسيك”، أما نحن فنسميه “حمار/ بغل/ ثور”، وكم من طفل يظلم في بلداننا ويوصم بالبلادة والغباء لأنه يعجز عن القراءة وهو في الصف الرابع الابتدائي ولا يخطر ببال أحد أنه بحاجة الى مساعدة طبية متخصصة.
وبداهة فإن جامي أوليفر الذي أعلن بكل فخر إكماله لقراءة كتابه الأول وهو في ال38، أكمل تعليمه الثانوي بالعافية، فقد كان بمعاييرنا بليدا وغبيا، ولكن الأدلة العملية أثبتت أنه ذكي جدا في مجال معين وصار أشهر طباخ بين الشعوب التي توصف بالبياض، ومليونيرا. ريتشارد برانسون الذي لا تخطئ عين زائر للندن وكبريات مدن بريطانيا محلات فيرجن المملوكة له، ومكاتب شركة فيرجن للطيران، كان أيضا بالمعايير التربوية العربية حمار الشيخ في كل عقبة خلال سني الدراسة، لأنه أيضا كان يعاني من الديسلكسيا، وغادر المؤسسة المدرسية مثل أوليفر وهو لا يحمل سوى شهادة تطعيم ضد شلل الأطفال والدفتريا والحصبة الألمانية، ولأن من يعاني من صعوبات التعلم ليس حمارا أو ثورا فإن برانسون ورغم رسوبه المتكرر يحتل مكانا مرموقا في قائمة أثرى أثرياء العالم.
وأنا في الصف الثالث من المرحلة المتوسطة بدأت مشكلتي الحقيقية مع الرياضيات مع دروس الجبر، وقرر مدرس تلك المادة ان أبا الجعافر حمار، وكان إذا رفعت يدي لأجيب على سؤال من نوع 2+2 يصيح: نزل ايدك يا حمار، وحمار في حمار كرهت ذلك المدرس وكرهت الرياضيات وسنين الرياضيات وكدت أصدق انني فعلا حمار.
المهم يا جماعة لا تظلموا عيالكم وتصموهم بالغباء إذا اتضح أنهم لا يستوعبون أبجديات القراءة والكتابة برغم الزجر والضرب والمدرسين الخصوصيين… أخضعوهم للتقييم لدى مختصين ليتلقوا التعليم على أيدي مختصين في مجال التربية الخاصة.. وإذا لم تفلح هذه الخطوة فليس معنى هذا أن هذا الطفل أو ذاك ذو دماغ مصفح، ولا رجاء فيه أو منه، بل ساعده في المضي قدما في مجال ينال إعجابه وسترى كيف يصبح “الحمار” ذكيا وناجحا ومتفوقا في مجاله.