*ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة..*

0 75

كتب: الفريق مالك عقار 

.

عندما وقعنا إتفاقية جوبا لسلام السودان في الثالث من أكتوبر 2020م؛ كانت امامنا عدة تذاكر للعودة للخرطوم، منها تذكرة ثورة ديسمبر المجيدة التى ساهمت في جعل السلام ممكناً، و هي محطة الوصول في رحلة نضال طويلة وعلامة فارقة في تاريخ النضال الوطني للشعب السوداني الذي قدم تضحيات عظيمة في سبيل الحرية والسلام والعدالة، ودفع ثمناً غالياً من أرواح ودماء بناته وأبنائه الذين مهدوا طريق الحرية وعطروا ثراه وعبدوه بالاقدام والاستعداد العالي للتضحية والفداء في ميادين النضال المتعددة.

 

لقد اختار السودانيون في ثورة ديسمبر المجيدة طريقا واحدا لا ثاني له؛ هو من أهداف الحركة الشعبية وهو طريق الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة بلا تمييز؛ الدولة التى تسودها الحرية والسلام والعدالة وسيادة حكم القانون، وهو طريق سلكناه منذ أربعين عاماً، قاتلنا فيها بشرف وشراسة من أجل ذات الأهداف، وقدم فيه جنودنا تضحيات جسام خلفت أرتالا من الشهداء وملايين النازحين واللاجئين.

 

لقد وقعنا إتفاقية السلام بروح وطنية وإرادة صادقة لإستكمال مسيرة الثورة السودانية وتحقيق التحول الديمقراطي؛ ولا سيما ان السلام هو ركن من أركان الثورة: حيث برهنت تجربة ما بعد الاستقلال استحالة تحقيق السلام في ظل الدكتاتورية وبمعزل عن الحرية والديمقراطية او تحقيق التحول الديمقراطي في ظل الحرب وبمعزل عن السلام.

 

لقد وضعت إتفاقية السلام حلولا عادلة لمعظم المشاكل السودانية، وناقشت قضايا لم تناقش في إتفاقيات السلام السودانية السابقة؛ مثالا وليس حصرا قضايا الرعاة والرحل والحواكير والمزارعين وقضايا الحكم والعدالة الإنتقالية، وهى الوثيقة الوحيدة التى وضعت رؤية واضحة للترتيبات الامنية وقضية اعادة هيكلة القطاع الأمني ومعالجة مشكلة تعدد الجيوش والمليشيات في البلاد، وان كآفة بنود إتفاقية السلام هي أدوات لتغيير وإستقرار السودان وتحقيق التحول المدني الديمقراطي.

 

هنالك تحديات صاحبت تنفيذ إتفاقية السلام منها للمثال تقاصر الإرادة وعدم الجدية في تنفيذ العديد من البنود والإلتزامات، وكذلك الترتيبات الأمنية وعودة النازحين واللاجئين وكلا منا يتحمل مسؤوليته في ذلك، ونحن لا زلنا نتمسك بقيم السلام وهو الخيار الأوحد لإستقرار السودان.

 

ان الأزمة السياسية الراهنة في بلادنا اليوم هي نتاج لتراكم أخطاء عديدة ارتكبت خلال الفترة الإنتقالية من قبل العسكريين والمدنيين وطريقة إدارة الشراكة بينهما، وهى تفرض علينا جميعاً وعلى قوى الثورة والتغيير أن نعيد ترتيب القضايا وندفع بالعاجلة في قمة الاولويات، ونضع كآفة الخلافات في مواضعها الصحيحة دون تخوين اي من الأطراف، وإدارتها بأساليب أكثر حكمة ونضجاً ومسؤولية وتسخير كآفة الإمكانيات للوصول إلى حدٍّ أدنى من الإلتئام لضمان إعادة وضع البلاد في طريق التحول المدني الديمقراطي وإكمال مهام الفترة الانتقالية وضمان إستقرار البلاد ومنعها من الإنزلاق.

 

تقليدياً إن تجارب الإنتقال صعبة ومعقدة، ولا أحد يزعم أنه يستطيع إحتكارها وتحقيقها منفرداً، وهي تحتاج إلى مشاركة كآفة القوى الفعالة من مدنيين وعسكريين، وأحزاب سياسية وتنظيمات مجتمع مدني ومهنيين ولجان المقاومة، وان نحسن إدارة الخلافات لما فيه مصلحة وأمن البلاد، ولا سيما ان اجتماع السواعد يبني الوطن، واجتماع القلوب يخفف المحن، وهنالك دول إنهارت نسبة لعدم قدرة مكوناتها على حسن إدارة الحوار والإختلاف.

 

إن الأوطان لا تبنى بالغبن والإنفعالات الشخصية، وإنما بإحترام إرادة الشعوب والقوانين وتقديم التنازلات التى تمكننا من خلق أرضيات مشتركة للعمل معاً دون التقليل من شأن أحد من أجل إستقرار وبناء البلاد.

 

لا زالت هناك مساحة أمل لتحقيق ممكنات التغيير، تحتاج الترفع عن الصراعات البينية والحسابات الصغرى والعواطف السياسية التى تلحق الضرر بقضايا التحول الديمقراطي، وأن نعتمد الحوار الصادق طريقاً لتجاوز الأزمة وإشكاليات العمل المشترك لتحقيق التحول المدني الديموقراطي.

 

ان إرادة لجان المقاومة والنساء والشباب تجسدت في مليونيات ومواكب السودانيين الراغبين في الحرية والسلام والحكم المدني، والتى أثبتت إيمانهم العميق بالتحول المدني الديمقراطي، ورسالتنا لهم أننا متمسكون وملتزمون بتحقيق الإنتقال المدني الديمقراطي بالسُبل السلمية والمحافظة علي المنشآت ومؤسسات الدولة وإحترامها، ولن نغفر ونسامح أنفسنا إن لم نحقق شعارات الثورة “حرية، سلام والعدالة” ونصل بها إلى غاياتها المرجوة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.