لابد من قيادة جديدة ورؤية جديدة

0 85

كتب: جعفر عباس

.

على عظمة ملاحم ثورة ديسمبر 2018 إلا أن ما أعاق تحقيق أهدافها هو أن الملايين التي شاركت فيها كانت معنية فقط ب”تسقط بس”، ولم تكن للكيان الذي تصدى لقيادتها رؤية محددة لما بعد السقوط، فكان ان شهدنا “حيكومات تجي وحيكومات تغور/ تحكم بالحجي بالدجل.. الكجور/ ومرّه العسكري كسار الجبور – رحم الله حميد”، خلال العامين الماضيين، وشهدنا ثلاث تشكيلات وزارية كل واحدة منها أكثر سجما ورمادا من التي قبلها
ثم جاء انقلاب 25 أكتوبر وتفجرت براكين الغضب مجددا، وهدرت الملايين في الشوارع مجددا، وكان موكب الأحد 19 ديسمبر الجاري غير المسبوق من حيث حجم المشاركة إعلانا بليغا بأن قوى الثورة ازدادت عنفوانا وقوة، وفي مساء ذلك اليوم استجاب كثيرون لدعوات نادت بأن تعتصم الجماهير في ساحة القصر الجمهوري، وكان ما كان من أمر الهجوم الشرس من قوات الاحتياطي المركزي على المحتشدين امام القصر وتفريقهم (وثبت خلال كل ذلك ان شرائح من قوات حفظ الأمن هي من نفس طينة الجنجويد من حيث الممارسات الوحشية والسلوك غير المنضبط مهنيا أو أخلاقيا)
الدعوة لاعتصام 19 ديسمبر كانت مرتجلة وغير متوافق عليها من كافة لجان المقاومة التي تولت ببسالة وقدرات تنظيمية عالية ضبط إيقاع المواكب منذ حدوث الانقلاب، ولا بأس و”خيرها في غيرها”، ولكن المهم هو أن تكون لقوى الثورة الحية وفي طليعتها لجان المقاومة رؤية واضحة حول اليوم التالي، أي ما بعد السقوط الحتمي والكامل للانقلاب: كيف يتم تشكيل الحكومة الجديدة بمجلسيها السيادي والوزاري وما هو برنامجها، هل يتم استبعاد العسكر تماما من المشهد ام يكون لهم تمثيل رمزي في المجلس السيادي؟ وما هو الجدول الزمني لتشكيل مفوضيات السلام والانتخابات والعدالة الانتقالية والمجلس التشريعي وكيف يتم تخصيص المقاعد في المجلس، إلخ، إلخ.
ويستدعي ذلك وجود جسم مركزي “جديد” يتولى تلك المهمة، وكي يأتي هذا الجسم صلبا لابد من مشاورات مكثفة حول برنامج العمل ومانفستو الحكم الانتقالي بين القواعد الشعبية العريضة التي تمثلها لجان المقاومة والكيانات السياسية المنحازة للثورة، ويتطلب ذلك النظر في أمر تحالف قوى الحرية والتغيير: هل يتم إلغاءه؟ أم إعادة هيكلته؟ أم دمج مكوناته في الجسم الجديد؟ وهنا لابد من التنبيه إلى استحالة تجاوز الأحزاب السياسية، فقيام نظام ديمقراطي يستوجب وجود أحزاب سياسية، ولكن من المهم جدا عدم ترك قيادة المرحلة للأحزاب لأنها مجبولة حتى في ظل الديمقراطية المعافاة على التناحر والتكالب على المكاسب.
من يناصرون الانقلاب وبهم كثير من الخبث، أو بقية من حياء تمنعهم من المجاهرة بتلك المناصرة يتكلمون عن الانتخابات وكأنما قوى الثورة ترفضها ويلوحون بها كفزاعة، وغايتهم من ذلك تفتيت قوى الثورة لأنهم يدركون ان غالبية العناصر الشبابية التي تحمل عبء الثورة بلا انتماء حزبي، ويريدون شحنها ضد الأحزاب “من طرف”، بينما حقيقة الأمر هي ان الغاية المثلى للثورة هي تنظيم انتخابات حرة تقود الى حكومة منتخبة، ولا سبيل لإجراء انتخابات قبل عام 2023 حتى يتسنى إجراء تعداد سكاني وتقسيم الدوائر الانتخابية وما هو أهم من كل ذلك هو عودة نحو ثلاثة ملايين نازح معظمهم من دارفور الى بيوتهم معززين مكرمين كي تكون لهم كلمة في شأن من يحكم وكيف يحكم.
والشاهد هو ان وجود قيادة مركزية لمعركة استكمال اسقاط الانقلاب مسنودة ببرنامج واضح يحدد الغايات والوسائل اللازمة لتحقيقها أمر في غاية الأهمية، وصحيح ان كل موكب يخرج “يقصِّر المشوار” وعُمر الانقلاب، ولكن ولأن النصر الحاسم حتمي ووشيك لابد من برنامج/ رؤية واضحة حول جميع تفاصيل المرحلة المقبلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.