الإمام الصادق المهدي: أبقى على الديمقراطية التوافقية ولا تحفل بأشياء أخرى

0 99

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم 

.

(هذه كلمة تُرجع الفضل للمرحوم الإمام الصادق المهدي في تبني مفهوم “الديمقراطية التوافقية” الذي انشغلت به بعض كتاباتي الأخيرة. وكتبتها بحياته مجادلاً. وفي بعضها جفاء احتمله منا الرجل الحمول. ولم يكتف بالصبر علينا بل كان يستأنس برأينا في ما عن له من كتابات. فأحببناه. رحمه الله).

 

بدا لي أن “الأنانية وحب الذات” الذي طبع ترشيحات الولاة المعلنة أخرج السيد الإمام الصادق المهدي من طوره الفكري. وترشيحات قحت معيبة جداً لا شك. فأغضبت الإمام الذي ظل يشكو من عمى أحزاب القلة (والقلة المتناهية أحياناً) عن منزلة حزب للكثرة مثل حزب الأمة. فأنتهز أول سانحة لقاء حاشد للأنصار ليلوح علناً بأنه، متى تجاحدت أحزاب القلة معه حول تعيين الولاة، فإنه سيدعو إلى أن يتم هذا التعيين بالانتخاب. والحشاش يملأ شبكته.

لم يزعجني من قول الإمام سقمه من قحت حول الولاة. أزعجتني بالأحرى عودته إلى “البلد بلدنا ونحن أسيادها” القديمة. وبدا لي أنه زهد فيها في كتابات قيمة خلال عقود الإنقاذ تأمل فيها بنبل أزمة الديمقراطية فينا بالنظر إلى غزارة العدد. فلم يجعل غزارة العدد وحدها في هذه الكتابات القاعدة لقيام نظامنا البرلماني. ولربما كان هو أول من جاء بمصطلح “الديمقراطية التوافقية” إلى مائدة النقاش حول صورة المجلس النيابي المنتظر بعد عودة الديمقراطية. ووصف الديمقراطية التوافقية بأنها تلك التي “لا تكتفي بالأغلبية كمعيار وحيد للحكم” وتأخذ ” معياراً آخر هو التوافق الذي يضمن إيصال صوت الجميع ويحقق التشاركية المطلوبة في إدارة الشأن العام”. ووضع لديمقراطيته التوافقية القواعد مثل “إعطاء قدر معين من الدوائر للتمثيل النسبي في المجالس والمؤسسات المنتخبة. ومنها تمثيل المرأة بما لا يقل عن الربع في المجلس النيابي عبر الكوتة”.

أحزنني ألا يرى الإمام في حشد الأنصار الغزير الذي اكتنفه سوى “أصوات” يعرض بها أمام أهل القلة. والأنصار عندي أهم من ذلك بدليل سيل الكتابات التي خطها الإمام خلال 3 عقود الإنقاذ التي ربما زكته كأوسع الكُتاب نشراً. وهي كتابات يُفهم منها أنها مما قصد بها تربية الأنصار لديمقراطية قادمة يتنزلون عن غزارتهم (جدلاً) ليؤمنوا لغيرهم أن يجد نفسه في البرلمان بالتمثيل النسبي. وهو تأمين للديمقراطية لأن من اعتزلته لقلة نفره تربص بها وأهلكها مرة واحدة. ووددت لو لم ينقلب الإمام على المعاني الحسان عن الديمقراطية كإيثار لا إثرة التي ظل يذيعها إلى أنصاره لاستفزازه من أهل القلة مما تعود عليه منهم وظل يقويه لأنه لم يقتله.

لم نكد نتلمس طريقنا إلى تطعيم الديمقراطية من غلواء العزة بغزارة العدد بفضل جهد فكري مرموق للإمام حتى وقعت بقد القفة. وهذا منبئ بأننا أسرى أمرين: إما أننا لا نفكر أو لا نعتد بالفكر متى فكرنا. وتجدنا نعود القهقري من أمرنا. ومن المؤسف أننا لا نحسن حتى هذه العودة القهقري. وقال أدروب نصيح في فكاهة قديمة إننا لو عدنا القهقري كما يجب لرسينا إلى بر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.