مصطلحات ومفاهيم في تاريخنا تتطلب المراجعة

0 66

كتب: بروفيسور أحمد الياس حسين

.

يوجد عدد كبير من المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في دراسة تاريخ السودان عبر حقبه المختلفة. تحمل هذه المصطلحات والمفاهيم دلالات متنوعة ومتعددة ارنبطت بتوضيح أو تحديد أوقات أو أحداث معينة. وقد تأسس على تلك المصطلحات والمفاهيم جزء كبير من فهمنا وتفسيرنا لأحداث ومسيرة تاريخنا وأصبحت من المسلمات المقبولة لدى الباحثين والدارسين.

والشيء الجدير بالاهتمام هو أن بعض تلك المصطلحات والمفاهيم تفتقد الدقة وبعضها يفتقد المصداقية مما يتطلب من الباحثين والدارسين النظر فيها وإبراز ما يتطلب التوقف معه ومراجعته مثل الحروف المستخدم في التعريف ببعض ثقافاتنا المبكرة (ثقافة المجموعات أ، ج، س) ومفهومنا لمعاهدة البقط والنظام الأمومي في وراثة عرش الممالك النوبية وسقوط مملكتي مقرة وعلوة وقيام مملكة سنار واستخدامنا لعبارات الحكم التركي المصري والحكم الثنائي (الانجليزي المصري)

وأرى أنه ينبغي ضرورة النظر في المصطلحات والمفاهيم التي تتطلب المراجعة بصورة عامة، وفي مناهج التعليم العام بصورة خاصة لكي نقديم للجيل الجديد تاريخاً مبني على أسس ومفاهيم سليمة. وهذه دعوة مقدمة لكل المهتمين بالبحث في تاريخ السودان وتدريسه ودراسته بتدقيق النظر في المصطلحات والمفهيم المستخدمة في تاريخنا من أجل تقويم ما يتطلب التقويم.

 

المجموعات الثقافية (أ، ب، ج، س)

ظهر هذا المصطلح في المسح الآثاري لإنقاذ آثار النوبة إذ وجد عالم الآثار الأمريكي جورج أ رايزنر في الموسم الأول للمسح 1907/1908 مواد أثرية كثيرة في منطقة جنوب الشلال الأول تختلف عن المواد الأثرية المصرية شمال الشلال الأول الذي يمثل الحدود بين مصر والسودان. تعرف رايزنر من خلال هذه المواد على أريعة مراحل ثقافية لا يوجد لها نظير في الثقافات المصرية. واعتقد ريزنر أن تلك الثقافات نتجت عن سلسلة تحركات سكانية لأقوام مختلفين غير مترابطين دخلوا المنطقة من مصر، ورآى ريزنر أنه لو وجدت أي صورة ترابط في تلك الآثار فهي مصرية الأصل وليست صوراً محلية. (Adams p 4).

ولما كانت هذه الثافات ليست مصرية ولا تتوفر معلومات عن أصحابها في ذلك الوقت عرفها ريزنر بالحروف الهجائية A, B, C and X (أ، ب، ج، س) وهى الرموز التي أصبحت علماً لها وعرفت بالمجموعات الثقافية “المجموعة أ A-Group والمجموعة ب B-Group والمجموعة ج C-Group والمجموعة س “X-Group. وقد راجع الباحثون بعد ريزنر ما ورد عن المجموعة ب وتوصلوا إلى أن ما نسب إليها من آثار يعتبر تابعاً للمجموعة أ. وانحصرت المجموعات الثقافية المبكرة في المجزعتين أ، ج.

وإذا كان سبب إطلاق هذه الحروف الهجائية علماً على بعض ثقافاتنا القديمة في مطلع القرن العشرين له ما يبررة وهو عدم معرفة أصحاب تلك الحضارات في ذلك الوقت، فإن استخام هذه المصطلحات بعد مضي أكثر من مائة عام ليس له ما يبرره. فأصحاب تلك الحضارات – رغم اختفاء معظم آثارهم تحت مياه بحيرة النوبة – إلا أن الكثير من معالم تاريخهم أصبح معروفاً بدراسة ما تم إنقاذه من آثار في المنطقة النيلية الواقعة بين الشلالين الأول والثاتي وبدراسة ما جاور تلك المنطقة النيلية شرقا وغرباً.

ولما كانت هذه الحروف رموز مبهمة لا دلالة لها فقد حاول بعض الباحثين بناءً على ما توفر من معرفة جديدة تغييرها. فاقترح B. G. trigger عام 1965 أن يطلق عليها ثقافات النوبيين المبكرين بدلاً من ثقافة المجموعات أ، ج، س. واقترح W. Y. Amads عام 1977 إطلاق اسم الأفق النوبي Nubian Horizon بدلاً من هذه الحروف (A Horizon, C horizon) وأوضح آدمز أنه فضل استخدام أفق للدلالة على ما يراه من تجانس تلك الثقافات، وأن أصحابها ليسو أقواماً منفصلين كما رأي ريزنر الذي اعتبر أن كل حرف يدل على ثقافة مختلفة. (Adams, p 7)

وقد استخدم مترجم كتاب وليامز مصطلح “ثقافة” بدلًا من أفق. وأرى أن استخدام مصطلح ثقافة أقرب دلالة على المعنى الذى رمز له ريزنر بالحروف. ومن الواضح أن اقتراحي ترقر وآدمز لم يتغلبا على مصطلحات رايزنر القديمة التي ساد استخدامها بين الباحثين داخل وخارج السودان، وانتشرت في المؤلفات التاريخية وفي المناهج في كل مراحل التعليم العام والعالي.

وأرى أنه ينبغي على المشتغلين والمهتمين بدراسة تاريخ السودان وبخاصة واضعى المناهج التعليمية التوجه الجاد نحو تغيير هذه الحروف المبهمة التي لا تحمل دلالات حضارية أو جغرافية بل يحمل بعضها دلالات سالبة مثل المجموعة س التي تُعَرّف بالفترة المظلمة. وأود أن أتقدم باقترح تغيير مصطلح المجموعة أ إلى “ثقافة ما قبل قُسطُل”

 

ثقافة ما قبل قُسطُل (المجموعة أ)

نشأت الثقافة المعروفة بالثقافة أ في المنطقة الواقعة بن الشلالين الأول والثاني في بداية الألف الرابع قبل الميلاد، وتولدت عنها مملكة تاستي في منطقة قسطل في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، وأصبحت قسطل التي تقع جنوب الشلال الثاني عاصمة للمملكة. وتعتبر منطقة الشلال الثاني من أهم مناطق الثقافات المبكرة على النيل. فقد شهدت هذه المنطقة تطور وتسلسل حضاري منذ ما قبل الألف العاشر قبل الميلاد مثل ثقافات قادان وأركينيان وشماركيان والخرطوم متباين وأبكان التي تلتها ثقافة الجموعين “أ” و “ج” في الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد.

فمنطقة قسطل شهدت توالي ثقافات ضاربة في القدم، ومصطلح ما قبل قسطل يعني دراسة ثقافات مناطق الشلال الأول وسيالة ووادي العلاقي والشلال الثاني ومناطق الواحات غرب النيل حتي نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. وسأتناول وسأتابع تناول هذه الثقافات في سلسلة موضوعات “فترة الثقافات المبكرة من تاريخ السودان القديم” التي نشرت منها أربعة حلقات.

وقد فضلت استخدام “مصطلح ما قبل قسطل” بدلاً من مصطلح “ما قبل مملكة تاستي” لأن اسم تاستي إلى جانب دلالالته على أول مملكة سودانية قديمة يدل أيضاً على الأقليم الجنوبي لمصر القديمة الذي يمتد حنى أسوان. فاستخدام مصطلح “ما قبل مملكة تاستي” يؤدي إلى دخول منطقة شمال الشلال الأول وهي منطقة خارج حدود السودان القديم.

هذا المقترح استخدام مصطلح “ما قبل قسطل” بدلاًمن مصطلح “المجموعة أ A-Group” معروض للنقاش. وسأستخدمه في تناولي للموضوعات التالية عن الثقافات المبكرة.

 

ونواصل مقترح التغيير لمصطلح المجموعة ج C-Group

 

Ahmed.elyas@gmail.com

 

مرجع : Adams, William Y. Nubia Corridor to Africa, London: Allen Lane Penguin Books Ltd. 1977

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.