فقدنا القدرة حتى على البكاء

0 78
كتب: جعفر عباس
.
هذا مقال نشرته في 2 نوفمبر 2015 ثم فقدت أثره ولكني قريبتي النوبية الأمريكية لبنى عثمان Luna Osman، استعانت بالمخابرات الأمريكية وعثرت عليه وأرسلته لي فلها الشكر).
صدر للصديق الدكتور فتح العليم عبد الله كتاب يحمل اسم (عجائب الخرطوم السبع)، يتناول فيه ظاهرة استئجار نائحات للقيام بمهمة العويل والبكاء، مع ذكر محاسن الميت الحقيقية والمفبركة، ويقول فتح العليم على لسان إحدى قريباته: لفت نظري خلال تقديم العزاء في صديقة لوالدتي في منزل ضخم في وسط الخرطوم أن امرأتين تدوران داخل فناء البيت وهما تبكيان وترددان كلاماً عن المتوفي، فدققت النظر في وجهيهما وأحسست بأن المسألة فيها (إن)، لأن شيئاً ما في طريقتهما في البكاء جعلني أحس بأنهما ليستا من أقارب المرحوم، وأثناء الشمار مع قريبة للمتوفى عرفت أنهن (بَكايات) بمقدور المستطيع ماليا استئجارهن طوال أيام المأتم بينما يستأجرهن (العاجز) لليوم الأول من المأتم فقط عندما يكون البكاء “الحار” مطلوباً.
تحضر النائحة إلى بيت العزاء وتطلب (CV/ السيرة الذاتية) للمرحوم – مثلا – العمر: 70 سنة، والمهنة: ضابط متقاعد ويملك وكالة للسفر، والمؤهلات التعليمية: دبلوم من الكلية الحربية ودورات كمبيوتر، وعياله فيصل وأحلام ورابحة وعواطف!! وتسأل النائحة ما إذا كان للمرحوم إنجاز متميز فيقولون لها أنه شارك في محاولة انقلابية فاشلة في عهد جعفر نميري.. بعد هذا تنطلق البكاية: الليلة يا أب دقناً دايرة، وخدوداً نايرة (كان في السبعين!!) وقدرة فايرة/ وشيكاتاً طايرة – كتلنا فيك.. الليلة يا اب أحلام/ يا الشالوك للصالح العام/ وحكموا عليك بالإعدام – مو دايم إلا الله.. الليلة يا السايق تويوتا كراون/ يا اب مدفعاً هاون – وين لينا.. وبعد هذا الكلام يرتفع العويل من بقية المعزيات وتمد النائحة يدها اليسرى إلى أنفها لتسليكه من المواد التي تسده نتيجة البكاء (بالقوة) ثم تضع يدها تلك على كتف بنت المرحوم بهدف أن تستخدم ثوبها كمنديل تمسح فيه ما أنتجه أنفها، وبهدف إعطاء الانطباع بأنها تطبطب على ظهرها من باب المواساة ثم تهمس في أٌذن البنت المكلومة باليتم: أهه.. شنو ليكي؟ فترد عليها همساً: دا الشغل.. فتواصل النائحة المستأجرة: الليلة يا الساكن ديم لطفي/ أب كلمة تشفي/ الما متزوج عرفي – زايلة وخربانة.. البجيك بتجيرو/ يا الراكب الباجيرو – مو دار عمار (لاحظ ان العربة كانت في الشطر الأول من المناحة تويوتا كراون ثم تحولت إلى متسوبيشي باجيرو).. تبكيك السكرتيرة/ والتربيزة المستديرة/ والمرسيدس الخنزيرة – خليتنا لمنو؟ ( الباجيرو طارت).. وعند المساء تدفع لها رابحة بنت المرحوم 300,000 جنيه وتهمس: بكرة ناس السعودية جايين.. عايزينك ترفعي راسنا قدامن!
مظاهر الفشخرة التي أراها في السودان اليوم تجعلني أجهز للباكيات بالعداد ما ينبغي قوله بعد وفاتي بعد عمر طويل ان شاء الله: يا حليلك يا ابو الجعافر/ يا مع كل الحكومات مشاتر/ وقضيت عمرك للريالات تعافر/ وبعد الحمار بقيت بالطيارات تسافر/ يا حليلك وحليل بدين /ومن بعدك مِسِخ طعم التركين.
كل واحد منكم يجهز المناحة الخاصة به ويفبرك لنفسه محاسن وانجازات وأملاك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.