غندور: ليس المؤتمر الوطني حزباً. إنه حاشية السلطان

0 106
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قال البروف إبراهيم غندور في رسالة قصيرة على اليوتيوب قبل اعتقاله الأول إن حزب المؤتمر الوطني لا زال باقياً كفكرة وإن فقد السلطة. ووصفُ غندور للمؤتمر “كحزب” يوقعه تحت طائلة عبارة إنجليزية وجدت أقرب تعريب لها هو “مرجوعة في مسماها” (contradiction in terms, oxymoron). وابلغ شرح للعبارة هو ما جاد به الكاتب الأمريكي المحافظ جورج وِل. قال مرة، وكانت الحرب الأهلية تضرب لبنان، إن قولنا “الحكومة اللبنانية” مما يقع تحت طائلة “مرجوعة في مسماها” لأنها ملغاة في بدئها. فليس بلبنان حكومة مستحقة الاسم.
وقياساً فالقول بأن المؤتمر الوطني حزب هو من المرجوع في مسماه. ولو كان فينا علم للسياسية حقاً لوقع لغندور أنهم لم يكونوا حزباً في المؤتمر الوطني بل حاشية-بِطانة في نظام عُرف في الدراسات الأفريقية ب”البترمونالية الجديدة” (الأبوية الجديدة). فهم نفس بطانة السلطان القديم غير أنها استعصمت باقتصاد سياسي مختلف.
فالوظيفة السياسية في حكومة الأبوية الجديدة هذه مسخرة بشكل رئيس لصالح شاغلها، أو جماعته التي تأويه. وجرى وصف مثل هذه الحكومة بدولة “الرمرمة” (Kleptocracy). فيهتبل صفوتها كل سانحة للاستئثار بالمال العام. ويهدمون اللوائح والقوانين المنظمة لهذا المال (التجنيب وهدايا الملك سلمان مثلاً) ليتحكم السلطان الجديد في تصريفه حسب العرض والطلب على بطانته. وبلغ سلطان البشير الدرك من نزع الحكومة عن الولاية على المال العام بخزن المال عند سريره وتحت مخدته ليعجل بتصريفه على البطانة التي لا يطيق سعارها له صبراً. وليعرف كل فرد بالبطانة أين الكنز.
لقد جرب غندور في نفسه بولتيكا دولة الرمرمة من قريب وعن كثب. فمعلوم أنه ارتكب جناية الحديث علناً عن استحقاق وزارة الخارجية، التي كان قيماً عليها، لمال تُصَرف به شأنها كما هو جاري العادة في الدول. واستنكر السلطان الجديد لفت نظره من رجل من البطانة أجير. فلو طلبه لنفسه واستكثر لما كان في الأمر غضاضة. أما أن يطلب غندور المال العام لغير نفسه فقد أتى شيئاً أدا.
وجرى من بعد خرق غندور لأعراف البطانة الطقس السلطاني المحفوظ. أعفى البشير وزير خارجيته، الذي تجدع لثلاثين عاماً في الوظيفة العامة، من منصبه. وقبل غندور الإعفاء بخاطر طايب. وصار محفوظاً سطره في الدراما أو التراجيديا: “تركي المنصب بالإقالة أو غيرها أمر طبيعي، سأغادر موقعا أحبه إلى آخر أحبه داخل السودان” أو: إن دوره جاء ليغادر المنصب ويترك الفرصة لغيره مما يجعل المنصب العام كدورات الطبيعة. وطأطأ غندور من فرط العشم. فأجزل الشكر للرئيس البشير على الثقة التي أولاها إياها حين عينه بهذا المنصب. فهو في استراحة محارب.
ولن تسمع خبراً للمؤتمر الوطني في سياق هذا الإعفاء الذي صادف أهله. فهو كلام زولين والثالث بره. فالمؤتمر الوطني وكر الطاعة الفادحة الصادحة. وصح فيه قول أحدهم عن حاشية الملك لويس الثالث عشر الفرنسي. قال إن لحاشيته عيون لاقطة لم تخلق إلا لترى عما إذا كان الملك ساخطاً على أحدهم في يومه ذاك.
وقال السودانيون في نوع حزب البشير ورجال ونسائه أبرع مما قال الفرنسي. قالوا على عهد نميري إنه يرفع من يشاء فووووووق ومتى رأى أسته رماه. والأست هنا هو أن يزفر أجير الحاشية فيقول ما لا يرضيه. ولا نأمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.