عن العلاقة الأزلية بمصر على ضوء حرب روسيا وأوكرانيا

0 76
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قرأت كلمة عن علاقة روسيا وأوكرانيا ربما صَلُحت في القاء ضوء مفيد على علاقتنا التاريخية بمصر. وهذا مجرد تمرين في النظر المقارن الذي لا نحسنه في فكرنا إلا إذا تحولنا به إلى الحسد “بالله شوفهم مشو وين ونحن وين” من بطبطات الصفوة.
المقال بقلم بول سونى وآخرين نشره بصحيفة الواشنطن بوست (١١ إبريل ٢٠٢٢) وعنوانه ” العزلة والكبرياء هي ما ساقا بوتين لحرب أوكرانيا”. وسأل المقال: كيف أخطأت روسيا تقدير متانة أوكرانيا في الوغى وهي جار انعقدت لها معها أواصر أسرية وثقافية وتاريخية؟ وأجاب المقال لأن بوتين قائد معزول مغموم بحزازته حيال جاره، وعلمه بها سقط معلومات يتجرعها تجريعاً ممن حوله.
وأرجع بوس تقديرات بوتين وضلالها إلى ماضي روسيا الاستعماري. فلم يكن لروسيا في أي وقت مضى خبراء، أو خبرة، عن أوكرانيا. والسبب بسيط في قول الكاتب. فما عساك ترغب في معرفته عن بلد لا تعتقد أنه بلد حقيقي ولا أهله بشراً حقيقين؟ ما الدافع للاستثمار في العلم عن شيء لا وجود له في نظرك؟
وقال عن فرط عزلة بوتين وكأنه يعيش في “صالة أصداء” تتقاطع فيها وتصير ضوضاء. وتَعلم من حوله الامتناع عن نقل الأخبار السيئة له. ناهيك عن ادمانه ما يذيعه الإعلام الروسي لا غير الذي يستأجر أوكرانيين يجيدون الحديث عما يطرب له الروس. وهو لا يستخدم الهاتف الذكي. ولا يطرق للشبكة العنكبوتية باباً بالمرة. ويؤمن مع ذلك في قرارة نفسه أنه الخبير رقم واحد عن أوكرانيا.
فإن ظننت أن ما بين روسيا وجارتها إلفة فهي إلفة كاذبة. فخصصت روسيا للعلم بأوكرانيا وكالة استخبارات محليه ليست هي التي تعنى ببلاد العالم الأخرى. فلا يطرأ لروسيا أن تجربة أوكرانيا في المنظومة السوفيتية مما استحق التقييم الجدي لا التباكي على فرارها من “سجن الشعوب” كما يقال.
ويقع العلم بأوكرانيا لبوتين من مفهومه للاتحاد الروسي كنشاز تاريخي لتداعي الأمم السوفيتية عنه وتركه في السهلة. وسيطر بوتين على سياسة بلده حيال أوكرانيا وحده لا شريك له. وعقيدته أن يأخذها بالجد والشدة حتى لا تضيع عنهم للأبد. ونشر مقالة قال فيها إن الأوكرانيين روس أخذهم الغرب رهائن عنده ليحرشهم ضد روسيا. وغرضه من تربصه الحالي بحكومة زلنسكي النازية الجديدة في كييف، كما يقول، هو ذهاب ريحها لتأمين أوكرانيا روسية.
وبلغت عقيدة روسيا في توقف استعادة أوكرانيا على القضاء على زلنسكى أن أول أخبارهم عن الحرب القائمة كان هو شراده عن كييف. وفي الخبر صدى من شراد فكتور يانوكفتش الذي ولى الأدبار لروسيا من وجه ثورة انفجرت في وجهه عام ٢٠١٤. واحتقره بوتين الذي كان طالبه بالثبات. وقال عنه بعد شراده: “هو قطعة خراء من الجبن”.
بدا لي من قراءة مقال بول سوني أنه ربما أعاننا في فهم أفضل لعلاقتنا المسماة أزلية لمصر. وسبق لي فحص هذه العلاقة في مقال عنوانه “دفع الافتراء: جنس في الخطاب السوداني حيال مصر” (كتاب الثقافة والديمقراطية). وحللت فيه الحالات التي ننفعل فيها معشر السوادنة “ونستركب” متى طرق أذننا قول لم يصدق فينا من مصري. وهو كثير، أو نظنه كثيراً. ووقفت مؤخراً على خطاب مصري شاطح عن أن السودان كأن لم يكن وهو قطعة من مصر انفصلت عنه ومصيرها الرجوع لحضنه. وهذه أضغاث استعمارية كالتي تعشعش في ذهن بوتين وتحول دونه ودون علم مسؤول عن بلد حقيقي وأهله من لحم ودم قوميين. ولمّا تطرق المقال للجانب الاستخباراتي لعلاقة الجارتين طرأت لي مفارقة في علاقتنا مع مصر. وهي أن الجهة المسؤولة عن المعرفة بنا في مصر هي جهاز المخابرات لا وزارة الخارجية مما يعني أننا كأننا إقليم مصري لا بلداً مستقلاً مكانه وزارة الخارجية.
هذه أفكار طافت برأسي وأنا اقرأ المقال شفقة بعلاقة أزلية مع مصر تبلغ الآن الذرى في سوء التفاهم، أو التفاهم لو شئت، ومدارها الشارع لا مجرد ردهات الصفوة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.