مآزق .. البرهان !!
كتب: د. عمر القراي
.
(فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) صدق الله العظيم
منذ أن خان البرهان العهد، وغدر بالمكون المدني، وانقلب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021م، فهو في مآزق متلاحقة ومستمرة، كلما حاول الخروج من مأزق إنزلق الى داخله واحاط به مأزق آخر!!
وأول هذه المآزق هو حميدتي. فالبرهان يعلم أن الضباط الكبار لا يقبلون تحكمه فيهم، وهو شخص ليس لديه رتبة عسكرية حقيقية، ولا يعرف أي شئ عن العلوم العسكرية. ولكنه مع ذلك يريده ليكون له سنداً، إذا ثار عليه الضباط الأحرار. والبرهان يعلم أن حميدتي يستغل خوفه، ويسارع لتجميع القوة العسكرية والمالية في يده، حتى إذا ثار الجيش ضده استطاع أن يسيطر عليه. والبرهان لا يستبعد أن يغتاله حميدتي، إذا شعر أنه يعترض طريقه، ولهذا يصمت أمام توسع امبراطورية آل دقلو!! وحميدتي لجهله، وقلة تعليمة، يظن أنه ذكي، ويمكن أن يخدع الشعب السوداني. فيحضر مواطني غرب افريقيا، ويمنحهم الرقم الوطني، فإذا حدث اضطراب وتمزيق للبلد استخدمهم في العنف، وإذا تم توافق وقامت انتخابات، استخدم اصواتهم للفوز!! وكل عاقل يعلم أنه لن تقوم انتخابات، قبل أن يوضع لها قانون، يحوي كل التحوطات التي تمنع الاجانب من التصويت. وحميدتي أيضاً في ورطة كبيرة، بالرغم من الاموال التي اهدرها كرشاوي، على المتسلقين من زعماء القبائل، ومشائخ الطرق الصوفية، لأن هؤلاء سيأخذون أمواله، ولن يستطيعوا أن يصنعوا له حاضنة سياسية. والحركات المسلحة لن تسلمه قيادها، لأنه في الحقيقة مجرد مليشيا مثلهم، وليس له وجه يتعامل به مع الثوار.
أما مأزق البرهان الثاني فهو الإخوان المسلمين. فقد أخرجهم من المعتقلات، وجعل القضاة العاطبون يبرئونهم من كل جريرة، وأعادهم الى مناصبهم، وارجع لهم شركاتهم، وبنوكهم، واموالهم التي نهبوها من الشعب. وكأن الشعب قد ثار واطاح بهم دون أسباب!! وكان يتوقع منهم أن يشعروا بما فعله من أجلهم، فيسارعوا في الوقوف معه ودعمه ليحكم البلاد !! ولكنهم أقاموا المناسبات التي تجمعوا فيها وهاجموه وهاجموا حميدتي!! فهم لا يرون فيه، وفي حميدتي، إلا تبع أذلاء، هم الذي صنعوهم- كما قالت السيدة حياة في تسجيلها ضد حميدتي- وكان يجب عليهما خدمة اسيادهم في صمت، بدلاً من التطلع للاستمرار في الحكم، بعد أن خرجت خبائث الأرض من جحورها !! ولقد كشف تسجيل محكمة انقلاب الانقاذ، عنصرية الاخوان المسلمين ضد الذين تعاونوا معهم أمثال لقمان، فكيف بالذين وقفوا ضدهم؟! البرهان لا يستطيع ارجاع الاخوان المسلمين للمعتقلات والمصادرات مرة أخرى، ولا يأمن شرهم، ولا يحتمل رفض الأمارات والسعودية لإعادتهم لأنهم عند تلك الدول جماعة ارهابية يجب حظرها!!
ومن مآزق البرهان “تسعة طويلة”. فقد صنعها بمشاورة حلفائه، وكف عنها يد الشرطة، وجعلها تنهب وتعتدي على المواطنين البسطاء العزل، من نساء ورجال وأطفال. لكنها لا تعتدي على الأثرياء من الإخوان المسلمين، ولا تنهب بنوكهم، ولا شركاتهم، ولا محالهم التجارية. وكان الغرض من الكيد للمواطنين والثوار ب”تسعة طويلة”، هو أن يخاف المواطنون، وينزوا في بيوتهم، وينشغلوا بقضية أمن أرواحهم وممتلكاتهم، عن المواكب والمليونيات. ولكن الشباب الذين قابلوا الرصاص بصدورهم، وأهلهم الذين احتسبوا ابناءهم شهداء، وما زالوا يحثون إخوانهم على الثورة، لا يمكن أن تعجزهم جماعات مأجورة، خائفة، تضرب وتنهب وتجري. لم تجز على الشعب خدعة “تسعة طويلة”، فحمّل مسؤوليتها للبرهان، ووصفه بالكذب وهو يصرح بأنه يسعى الى التوافق، بينما يكيد للشعب ويسلط عليه “تسعة طويلة”!!
وحين فشلت “تسعة طويلة” في ارهاب الشعب، وخسر البرهان بسببها كل متعاطف معه، أصبح الآن في مأزق!! فلو وجه الشرطة في الأيام القادمة، لحسم هذه الظاهرة، والقبض على الجناة، وقدمهم للمحاكمة، فإنهم سيكشفون الكيد المدبر ضد الشعب. ولو تركهم سيواجههم الناس، وسوف يحاكمونهم في الشوارع والأحياء وسيظهر من المحرض لهم!!
أما المأزق الكبير الذي أوقع فيه البرهان نفسه، فإنه من ظن أنهم حلفاؤه. فقد أوهموه أنهم سيشكلون له حاضنة بديلة، يصنع منها حكومة انتقالية تابعة لأمره. فقد أوردت وكالة “سونا” تقريراً يفيد بمشاركة 79 من الاحزاب السياسية والمجتمعية والحركات المسلحة، وقعوا على وثيقة سميت “الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية”. وبعد أن اقاموا مؤتمرهم، ونقلته “سونا”، بدأ بنيانهم، الذي بنوة ريبة في قلوبهم، يتصدع من حولهم!! وكانت أول الضربات، التعميم الصحفي من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل. حيث أكد فيه أنه لم يفوض أي عنصر من أعضائه، للتوقيع إنابة عن الحزب. كما نفى أن يكون الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، قد وقع على مثل هذه الوثيقة!!
أما حزب الأمّة القومي، فقد وقع رئيسه المكلف السيد برمة ناصر على وثيقة التآمر. ولكن الحزب أصدر بياناً أعلن فيه أن الوثيقة لم تعرض على مؤسسات الحزب، ولم يوافق الحزب عليها!! أكثر من ذلك قام الثوار من شباب حزب الأمّة، بالضغط على رئيس الحزب المكلف السيد برمة ناصر، حتى أصدر تصريحاً صحفياً، تنصل فيه عن تبعات توقيع الوثيقة، قبل أن يجف مداد توقيعه، وقال ( نحن ملتزمون بتوحيد الصف السوداني وجمع كلمة قوى الثورة وإنهاء الانقلاب والعودة لمسار التحول المدني الديمقراطي)!! ولم يكتف حزب الأمّة برفض الوثيقة الكيدية، بل جاء في بيانه (ما يسمى بالوثيقة السودانية التوافقية لادارة المرحلة الانتقالية هي محاولة يائسة لاكساب السلطة الانقلابية شرعية زائفة لن يشارك فيها حزب الأمّة القومي والقوى الوطنية الديمقراطية المشاركة في الحراك الثوري الشعبي المستمر)(المكتب السياسي لحزب الأمّة 22 أبريل 2022م).
كما نفى إعلام حركة تحرير السودان وتجمع قوى تحرير السودان، أن يكون طرفاً في عملية التوقيع على الوثيقة!! وحتى السيد مبارك الفاضل اعتذر عن التوقيع على الوثيقة، وأعلن تحفظه عليها لإهمالها لنقاط محددة!!
وبعد أن انهارت الوثيقة الكيدية، التي كان المراد منها تصفية الثورة، وتنصل عنها أهلها، لم يبق أمام البرهان المُهان إلا لجان المقاومة، فأتصل بهم، ودعاهم لافطار في رمضان!! فكتبوا رداً على دعوته (الى الجنرال برهان من غير سلام.. وصلتنا دعوتك لنا كلجان مقاومة وشباب الثورة لتلبية افطاركم المقام على دماء اخواننا …نحن في حاجة لتسليم الحكم لايدي أمينة، وحكم مدني، لكن ليس بالاستلام منك، بل بنزع الحكم والقصاص منك ومن كل من بايعك.. كما نفيدك علما أن حكمك زائل، وغدا سننتصر وستعلم أنت ومن معك من بائعي الضمير أي جرم في حق ابناء شعبكم ارتكبتم)(وسائل التواصل الاجتماعي 22/4/2022م).
لقد انفض السامر من حول البرهان. ووقف وحدة في حكومة النفاق، يحاول أن يستر عورة انقلابه، واستمراره في تقتيل شعبه. ولم يبق له مؤيد غير مجموعة من الانتهازيين، الذين يزحفون على بطونهم كالدود ليأكلوا من فضل موائده، وهو لا يستطيع أن يعتمد عليهم، لأنه يعلم أنهم مجردين من كل كفاءة، وعاريين من كل فضيلة .. فيا لها من مآزق!!