تصالحوا مع أنفسكم

0 79
كتب: جعفر عباس
.
اكتشفت بعد رحلة عمر حافلة بالإنجاز والفشل انني شخص طيب ومجتهد ومحب للخير والناس وأهوى المطالعة والتأمل والتفكير ومحاسبة النفس بعقلانية، وقطعا فقد ارتبكت أخطاء بعضها فادح في مسيرة حياتي، ولكن عفوت عن نفسي بعد أن أخذت منها تعهدا بعدم الوقوع في مثل تلك الأخطاء، جاء هذا الاكتشاف نتيجة مجاهدة ومكابدة حين قررت التخفف من الكثير من “الأعباء” الاجتماعية عديمة المعنى، مثل زيارة الآخرين لقتل الوقت، وقصرها على ما يمليه الواجب من عيادة مريض او مواساة مكلوم او زيارة ذي رحم أو دم في ظرف معين، أو مجالسة شخص يكون الحديث معه مكسبا وفيه راحة نفسية، فالإنسان يحتاج بين الحين والآخر الى مجالسة أناس معينين لأن روحهم حلوة او علمهم غزير أو فيهم ميزة مثيرة للإعجاب.
كلما واصلت مقاطعة جلسات الأنس والسمر التي “بلا طائل”، أحسست بالراحة والعافية النفسية، وكيف لا وأنا أجلس مع شخص يفهمني تماما (وهو أنا)، ويعرف مشاكلي ويتمنى لي الخير، ولا يمارس النميمة!! وفي داخل كل منا شخص له صفات وخصال مميزةّ، ولكننا اخترنا ان نذوب في القطيع وتركنا “الشلة” تتحكم في إيقاع ونمط حياتنا: نسهر خارج البيوت لأن الشلة تفعل ذلك وتضيع معظم سنوات عمرنا بل أكثرها ملاءمة لتنمية القدرات والمواهب ونحن نركب الهوجات والصرعات ونقلد بعضنا البعض في الشين والزين، ولا ندرك بأننا بذلك نفقد شخصياتنا خصوصياتها وتفردها وتميزها، ونحرمها من التطور “المستقل” عن مشيئة القطيع، فابحث عن “ذاتك” الكامنة في دواخلك واعطها معظم وقتك وستكتشف كم انت رائع وذكي ولطيف وظريف. وتعلم كيف تجد المتعة بالاختلاء بنفسك لتفعل أشياء تبقى ذخرا لك ولكل من تحب، وأهم من كل ذلك ان نشطب من قواميسنا عبارات من شاكلة قتل الوقت و”تكسير الدقائق بطق الحنك” الذي هو الثرثرة، فمن يعتاد على تصريف الوقت فقط بالكلام مع الآخرين يصبح رهينة لدى أولئك الآخرين.
تصالح مع نفسك ولا تقف عند أطلال الماضي باكيا فكما قال شكسبير.
What is done, cannot be undone وبلغتنا العامية “الحصل حصل” ولا تستطيع منع حدوثه او إلغاءه، فلا تجعل من الماضي همّاً، بل لا جدوى من ان تشيل هم المستقبل، فالأمس لا يُرَد وغدا ليس في اليد، فقط تستطيع ان تخطط للمستقبل بحسن إدارة الحاضر، ومن جدّ وجد، والأمر الآخر لمصالحة النفس هو إحاطتها بمن هم معك على نفس الموجة والتردد، فأنت لا تختار والديك وبقية أقاربك ولكن تقع عليك مسؤولية اختيار الأصدقاء، فلو كان أصدقاؤك ذوو همم عالية فإن عدوى تلك الهمم ستنتقل اليك ويكون التواصل معهم مجديا فكريا ونفسيا ومهنيا، وأنت لا تختار وطنك أيضا ومهما ساءت الأحوال فيه لا تلعنه بل حاول ان تكون مواطنا صالحا ولو كان لابد من اللعن فالعن أبناءه وبناته الذين نهبوا خيراته وخربوا مرافقه، وابدأ من حيث انتهى الامر الآن والعن البرهان وولد حمدان وبرطمان ثم واصل صعودا حتى الخمسينات من القرن الماضي، وعاهد نفسك على أن تكون مختلفا عنهم وأن لا تثق بأمثالهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.