حول الرِّق.. ماضيه ومآثره (6 من 19)
كتب: د. عمر مصطفى شركيان
.
العبدان والسلطان.. البطولة وقيادة المجتمع
علاقة العبيد بالسلطة قديمة، وأنجح نموذج لذلك هو ما حدث في اليمن، حيث تكاثرت أعداد الأحباش في اليمن وعندها “طلب الحميريُّون النجدة من ملوك أكسوم في حربهم مع السبائيين، مما يعني تبادل الهجرات البشريَّة على الضفتين، ولقد مهَّدت الحروب الداخليَّة بين سبأ وحمير ورحبة وكندة ومضر وثعلبة لدخول الأحباش إلى اليمن؛ ومن ضمن الأسباب الأخرى التي قدَّمها المؤرّخون لغزو الأحباش لليمن هو تلك العداوة القديمة بين الأحباش وعرب اليمن بسبب خطف الأحباش من سواحل الحبشة، وبيعهم أرقاء في بلاد العرب، وهذا يطرح قضيَّة الرَّقيق الأسمر القادم من ضفة البحر الأحمر المقابلة لليمن.” وبمر الزمن تأسَّست سلطة في اليمن تزعَّمها موالي كانوا عبيداً وهي دولة نجاح (1013-1150م). وبما أنَّهم انتزعوا حريَّتهم، وأمسوا سادة يديرون شؤون البلاد والعباد، إلا أنَّ مؤرِّخي تاريخ اليمن ظلوا يردِّدون صفة العبيد التي لازمت حكام هذه الدولة، وذلك تحقيراً لهم وتعصُّباً من جانب هؤلاء المؤرِّخين، الذين رأوا أنَّهم كانوا عبيداً مستضعفين في الأرض، ويعملون في بلاد الدولة القبليَّة. بيد أنَّ أحداً من المؤرِّخين لم يجرؤ على إطلاق صفة العبيد على دولة الأحباش الأولى في اليمن، التي تزعَّمها الغزاة القادمين من الحبشة العام 525م، وحكمت لمدة خمسين عاماً حسوماً.
هناك ثلة من أرقاء آخرين أقاموا دولاً في العالم الإسلامي، نذكر منهم المملوك سبكتكين الذي أسَّس قواعد الدولة الغرنويَّة بأفغانستان، وظلَّ أسلافه يتوارثون الحكم حوالي قرنين من الزمان. كذلك أقام عماد الدِّين زنكي دولة في الوصل على أنقاض سادته السلاجقة، وتلى ذلك في القرن الثالث عشر الميلادي قيام دولة المماليك في مصر على أنقاض سادتهم الأيوبيين، وذلك بالتزامن مع دولة أخرى قامت في الهند باسم سلطنة دهلي أقامها عبيد العبيد على حساب دولة الغور الإسلاميَّة. كذلك نجد دولة بني رسول التي نشأت في اليمن على أنقاض الدولة الأيوبيَّة، وكان مؤسِّسوها بدورهم أتابكة لنور الدِّين محمود. أتابك (الأصل أتا بمعنى أب، بك يعني سيِّد)، وهو لقب تركي أطلقه السلاجقة والمماليك على بعض رجال البلاد والوزراء والقادة، ومعناه القائد أو الحاكم العسكري، والأتابكة جمع أتابك.
وللمقال بقيَّة،،،