لجان المقاومة والدعم السريع: من أين جاء هؤلاء؟ (2-2)

0 50

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

قلت في حلقة أمس من هذا المقال إن الناظر في التدافع الوطني في السودان منذ ثورة ديسمبر 2018 سيجد أنه قد جدت عليه قوتان اجتماعيتان وسياسيتان لم يسبق لهما هذا التأثير القوي فيه. والقوتان هما لجان المقاومة في الشارع السوداني والدعم السريع الذي يقوده الفريق أول حمدان دقلو. وجاءا للسياسة من خارج النادي السياسي التقليدي بيمينه ووسطه ويساره. بل ربما تولدت الجماعتان بسبب الإرهاق الذي ضرب أطراف هذا النادي خلال عقود الاستقلال منذ 1956. فجرب كل عضو بالنادي مشروعه في الحكم بصورة أو أخرى في دورة من الديمقراطية فالانقلاب وباء بالخسران. فلى خاتمة المقال:

تثير المقاومة والدعم السريع جدلاً يطغى فيه الصوت المتحزب للواحد منهما أو للمتحزب عليها.

فالمقاومة في نظر المتحزب لها هي نصف الحاضر وكل المستقبل وللمتحزب ضدها هي “صبية” استمرأوا الشغب، واستحقوا الضرب على القفا. ومن الجهة الأخرى، فالدعم السريع في نظر المتحزب له رعيل ريفي سوداني جاء وقت تمثيله في مركز الدولة الذي احتكرته الصفوة النيلية. وأما المتحزب عليها فيراها طارئاً مضرجاً بالدم السوداني في فيافي دارفور قبيل الثورة إلى فضها لاعتصام الثوار حول القيادة في يونيو 2019. ويستنكر عليها أنها “تشتري” طريقها للسلطان بالرشا والأعطيات.

ومهما يكن من أمر صح أن ينشغل البال السياسي بصورة استراتيجية بمآلات هاتين القوتين طالما وجدا ليبقيا معنا لوقت غير معلوم.

لا خلاف أن الدعم السريع كيان يستحيل أن تجد له تعريفاً في دولة حديثة. والاعتراض عليه من هذه الجهة مما لخصه شعار المقاومة: “العسكر للثكنات والجنجويد (اسم سبق لها أو لمثلها في حرب دارفور) ينحل”. ولكن أهل الظن الحسن بها تصالحوا مع وجودها كممثل لقوى ناهضة في الريف لم تجد تمثيلاً في الدولة السودانية. غير أنهم طلبوا منها توفيق أوضاعها لعهد ما بعد البشير بمطالب بدت كمن يدعوها أن تكون شيئاً آخر غير ما هي، أي جيش خاص انعقدت قيادته لأسرة آل دقلو ومؤسستهم المالية. فطلب منها أحدهم أن تتحول إلى قوة عسكرية ذات طبيعة ومهام وطنية خاصة كان عليها حميدتي بعسكريته، أو ابتعد عنها وخاض في السياسة ملكياً. وطلب حَسُن الظن بها في السياق أن تتحول بإعلامها من الدعاية لذاتها إلى الإعلام عنها كوحدة عسكرية وطنية المهام. علاوة على طمأنة الصفوة القابضة على أنهم لم يأتوا لاستبدالهم، بل لعمل مشترك لسودان جديد بقواعد جديدة تحقق القسط للجميع. وهذا قريب من طلبها الانتحار للصالح العام.

ليس للجان المقاومة مشكلة هوية كما للدعم السريع. بل هي عند الكثيرين المؤشر للمستقبل في بيئة ران الإرهاق على قواها الرئيسة في المجتمع المدني والعسكري معاً. ولكن مشكلتها أنها ما تزال بعد نحو ثلاث سنوات من الثورة طاقة خامة شديدة الأسر بفدائيتها ونبل انشغالها بوطنها. غير أنها لم تتكيف بعد في تشكيل قومي بأي صورة تتفق لها بإرادتها ووفق جدولتها في وقتها الخاص. وهذا ما أراده لها السيد الصادق المهدي في أحد مصفوفاته الناصحة لتجمع الحرية والتغيير. ولم يأخذ التجمع بقوله.

وبالنتيجة ارتبك من تعامل مع هذه اللجان وهي في هذه الحالة الجنينية لو صح التعبير. فبلغت من تباعدها من أحزاب الحرية والتغيير لسوء ظنها بها أن قال أخيراً محمد الفكي، عضو مجلس السيادة المحلول والقائد في الحركة الاتحادية، إنهم غير مفوضين منها. وهو وضع مربك لمثله من لا تزال شرعيته في تمثيله للشارع، أي لجان المقاومة، في نظر المجتمع والعالم.

أما فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة المُتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فقال، بعد تمييز مساهمة لجان المقاومة السياسة، إن المرء ليحتاج ليجتمع مع عدد منها لأن الواحدة منها لا تعترف بغيرها ممن تكون سبق والتقيت بها. بل وأخذ عليها أنها، برغم غزارة حضورها في أحياء المدن وغيرها، إلا أنها تسجل غياباً كاملا في مواقع الإنتاج التي منبرها النقابة. والنقابة لغير الصفوة المهنية من الأطباء مثلاً هي الفريضة الغائبة في حراك ثورة 2018. وليس ينجح إضراب عام، أو عصيان مدني، مما تدعو له لجان المقاومة بين الفينة والأخرى بدونها.

أرادت هذه الكلمة ألا يكون خروج لجان المقاومة والدعم السريع على النادي السياسي التقليدي مدعاة ليقتصر تحليلهما على الحفاوة بهما أو تجنبهما كل بما اتفق له. ففي خروجهما نفسه كما رأينا مغاز لتدبر لحالة السودانية وإحسان تشخيصها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.