ورشة نقابة المحامين
كتب: عمر الدقير
.
اختتمت مساء أمس الورشة التي نظمتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين للحوار حول الإطار الدستوري الانتقالي، شارك فيها طيفٌ واسع من القوى السياسية والمجتمعية والتي ضَمّت – حسب النشرة الصادرة عن نقابة المحامين – أحزاباً سياسية وحركات مسلحة إلى جانب لجان مقاومة، وكيانات مهنية ونقابية، وأقطاب إدارة أهلية وطرق صوفية، وعدداً من رجال الدين المسيحي وأصحاب أعمال ومنظمات مجتمع مدني، وتنظيم الضباط المتقاعدين ومعاشيي القوات المسلحة، وبعض أساتذة القانون بالجامعات السودانية، وتنظيمات نسوية، ومنظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر، ومبادرة أساتذة جامعة الخرطوم وعدداً من المهتمين بالشأن العام.
امتدت الورشة لمدة ثلاثة أيام، وكانت منبراً تفاعلياً حراً لممثلي الجهات المذكورة لطرح رؤاهم حول مختلف قضايا الانتقال والأزمة الراهنة .. وجاء في مقدمة توصيات الورشة التأمين على المطلب الجماهيري الأكثر ترديداً في هتاف الثوار والمتمثل في “النأي بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي وعدم مشاركتها في مؤسسات الحكم، وعودتها للثكنات والتفرغ لواجباتها المهنية”، وحوت التوصيات جماع رؤى المشاركين في الورشة حول ماهية مؤسسات السلطة الانتقالية المدنية ومستوياتها وكيفية تشكيلها وصلاحياتها ومهامها وفترتها التي تنتهي بتنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة .. كما توافق المشاركون على أن تقوم نقابة المحامين بتشكيل لجنة من خبراء قانونيين – تمثل فيها الجهات المشاركة في الورشة – لصياغة المداولات والتوصيات في مقترح إعلان دستوري.
تستحق نقابة المحامين التحية على توفير فضاءٍ لحوارٍ حُرٍّ أتاح التوفيق، بدرجة كبيرة، بين أطروحات الجهات المشاركة حول المحاور التي شكلت أجندة الورشة بما يفضي لصياغة مقترح إعلان دستوري يترجم مطالب الثوار الطامحين لتحرير وطنهم من قبضة الانقلاب واسترداد مسار التحول المدني الديموقراطي بلا شراكة مع المؤسسة العسكرية في مؤسسات الحكم المدني الانتقالي ولا تفاوض معها حول تشكيل هذه المؤسسات وحصر التفاوض معها في إجراءات تسليم السلطة للمدنيين، ودور المؤسسة العسكرية خلال فترة الانتقال وإصلاحها – كما هو مطلوب لمؤسسات الدولة الأخرى – بما في ذلك وجود جيش مهني قومي واحد يخضع للسلطة المدنية .. وذلك، على أية حال، يتسق مع ما أعلنه قادة سلطة الانقلاب أنفسهم غض النظر عن مصداقية ما أعلنوه.
هذه خطوة كبيرة للأمام نحو هدف هزيمة الانقلاب وإنهاء ما ترتب عليه، وهو الهدف الذي تكتمل شروط إنجازه بتشكيل جبهة عريضة من قوى الثورة والتغيير لمواصلة مواجهة سلطة الانقلاب ومحاصرتها سياسياً وميدانياً وإعلامياً حتى التسليم للإرادة الشعبية ومطلبها بمدنية وديموقراطية الدولة ومؤسسات الحكم فيها.
أما الاعتداء – الذي نفذته مجموعة فلولية موتورة – على فعاليات اليوم الختامي للورشة بغية تخريبه، فهو يرتبط بخيطٍ منهاجي واحد مع الاعتداءات التي تم القيام بها على ندوة قوى الحرية والتغيير بشمبات في ديسمبر الماضي، وعلى الموكب الذي دعت له الشهر الماضي دعماً للتعايش السلمي، وغيرهما .. وكلها اعتداءات جرى الترتيب لها وتنفيذها تحت سمع وبصر سلطة الانقلاب دون أن تتدخل لمنع حدوثها وحماية حق النشاط السياسي السلمي، وبالطبع لم يكن متوقعاً منها غير ذلك لأن الشىء من معدنه لا يستغرب، فهذه السلطة لم تنجز شيئاً خلال أشهرها العشر غير الإيغال في العنف ضد الحراك الجماهيري السلمي.
عموماً .. مثل كل الظواهر السلبية المضادة للتاريخ، فإن مواجهة الأفكار والرؤى والأنشطة السلمية بالعنف هو دليل عجزٍ في الحجة وقلةٍ في الحيلة، ووسيلة يلجأ لها غير المحصنين بمناعة معرفية وأخلاقية.