خيوط القوى السياسية وثوب اللجان

0 74

كتب: البراق النذير 

.

ما بين لجان المقاومة والقوى السياسية علاقة يجب أن يتم التعامل معها من كل جهة تجاه الأخرى وتجاه ذاتها وفق منهج يفرق بين الوسائل والغايات في واقع الانقلاب الماثل والمتمثل في إيقاف عجلة التحول المدني الديمقراطي بل والاتجاه نحو السيطرة الكاملة للاستبداد عطفاً على تشرذم القوى السياسية والمدنية والمهنية.
لجان المقاومة ولدت من رحم النضال المستمر لسنوات طويلة والذي قادته الأحزاب السياسية والقوى المهنية والمجتمع المدني وغير المدني السوداني. وكان ولا يزال الأمل أن تفوت الكبار قبل أن تتفوق على أندادها في المحيط الإقليمي والدولي، وهذا يجب أن يسعد القوى السياسية ولا يزعجها، باعتبار أن بروز وتطور وتمدد تكوينات لجان المقاومة يعني أن عملية التعليم والتعلم المستمر آتت أكلها، وتعني أن المجهودات التي بذلتها القوى السياسية لحشد الدعم لانتزاع الديمقراطية والدعوة لترسيخها لم تذهب سُدى، ذلك بالرغم من تجارب إجهاض الديمقراطية القاسية والتي شاركت فيها بعض هذه القوى، فالأحزاب ضمن قوى أخرى خاطت ثوب سترة الثورة المتجلي بوضوح في لجان المقاومة.
تجيير مواقف وعضوية اللجان لصالح الرؤى الحزبية والمشاريع السياسية ظل اتهاماً تتبادله القوى السياسية تجاه بعضها، وبدلاً من انتباه القوى السياسية للنجاح المنظور المتمثل في تحرك اللجان نحو نشاط يدعم الديمقراطية ويتطور وينحو باتجاه الاستقلالية، أحكمت الاتهامات المتبادلة القائمة على المنافسة غير المنتجة سيطرتها بينهم. وبدلاً من أن يتم الاحتفاء بتجربة لجان المقاومة وصيانتها كعهد وطني والتزام تاريخي، أصبح تقسيم مواقفها وتشتيتها هو العامل المشترك المتفق عليه بغير قصد من قبل بعض عضوية القوى السياسية واللجان وعدد من الناشطين السياسيين المستقلين.
صحيح إن من حق القوى السياسية البحث عن الدعم العضوي والمادي والجماهيري لمشاريعها، وما أؤمن به أن وجود وتطور القوى السياسية لازمة ضرورية للديمقراطية وثباتها، ولكن من حق لجان المقاومة كذلك وبالمقابل البحث عن مشاريعها هي التي تنادت من أجلها وكانت فيما مضى تجد الدعم الجماعي الموحد من القوى السياسية والمكونات المهنية والمدنية لجعلها واقعاً. ومع أهمية محتوى هذه العملية، أي التدافع لتحقيق الأهداف، يجب ألا نغفل الإطار الذي تتم فيه هذه العملية والذي بدونه لن يأخذ هذا المحتوى الشكل المنتج وهنا أعني الخيارات الديمقراطية المؤسسية للجان المقاومة، أي بمعنى أن تقبل القوى السياسية شروط عملية التدافع لتحقيق الأهداف بما في ذلك القبول بالإخفاق في جلب الدعم العضوي والمادي لمشروع هذه القوى أو تلك، دون الهرولة لتخوين اللجان أو رعاية حملات الاتهام لبعضها البعض.
على أن من المهم تحديد أهداف كل مكون على حدة – القوى السياسية ولجان المقاومة- لنرى إمكانية استمرار العمل المشترك لاستعادة وترسيخ الديمقراطية:
1- لجان المقاومة ليس من أهدافها الأولية الوصول للسلطة وهنا اقصد السلطة التنفيذية، ولكن عليها بالضرورة أن تظل جزءاً من السلطة الرقابية إن كان ذلك في فترات الانتقال أو حتى بعد الانتخابات وإن كان عبر المؤسسات الدستورية أو عبر وجودها في الأحياء والشوارع،
2- أما الأحزاب السياسية فهدف تكوينها الرئيس هو بلوغ السلطة والحكم لتنفيذ برامجها ومشاريعها السياسية،
3- لجان المقاومة في الأصل تسعى للحصول على الحق العادل لرفاقهم (الشهداء والجرحى والمفقودين)، والوصول لاستقرار اقتصادي يضمن سلام مستدام وشامل وعادل، ولكفالة حريات متعددة تتحقق عبرها أحلامهم المستقبلية الصغيرة والكبيرة،
4- أما القوى السياسية فأولويتها الوصول للسلطة لتنفيذ برامج سياسية واقتصادية وبها وعبرها ربما تضمن وفق مفاهيم براغماتية تحقيق العدالة والسلام والحرية،
5- على العكس من لجان المقاومة التي تؤكد على العدالة والحرية والسلام كمفاهيم أصيلة قيمياً وحقوقياً، ولا ينقص هذا من أن تكون بعض عضوية الأحزاب ملتزمة بالحرية والسلام والعدالة أصالة.
على أنه من الضروري التنبيه إلى أن ما قصدته هنا (في النقطة1 و5 تحديداً) هو الغرض المؤسسي والتكويني للجان المقاومة وللقوى السياسية، لا الرغبات والمواقف الفردية للعضوية من الجانبين.
وفق أعلاه فإن غاية لجان المقاومة تحقيق مبادئ الثورة ووسيلتها في ذلك إنجاز التحول المدني الديمقراطي أما غاية القوى السياسية فهي تحقيق مشاريعها السياسية حتى وإن ادعت خلاف ذلك، ولكن تظل وسيلتها المتاحة أيضاً إنجاز التحول المدني الديمقراطي، وبهذا تتفق لجان المقاومة والقوى السياسية في الوسيلة وتتفاوت في الغاية، وهذا يبرز في الخطاب المطروح من الجانبين، ولكن الأهم من كل ذلك وفي هذه المرحلة بالذات هو الاتفاق على كيفية التمكن من هذه الوسيلة (سأعود لهذا في مكتوب لاحق).
على القوى السياسية أن تعلم إن الوصول لغاياتها وسيلته الأكيدة هو التحول المدني الديمقراطي والذي تتشارك فيه مع بعضها ومع لجان المقاومة، وعلى لجان المقاومة أن تعلم أن الوصول لغاياتها وسيلته الأكيدة هو كذلك التحول المدني الديمقراطي وبدونه لن تحصل على أي مبتغى، وعلى الجانبين إن أرادا ذلك، ترك التنافس والعراك والتنمر جانباً والالتزام بالقواسم المشتركة والبحث عن كيفية الالتفاف حول الوسيلة لا تزيين الغايات حتى تبدو وكأنها متطابقة مع الوسائل. كما يجب على جميع القوى السياسية وباختلافاتها الواضحة أن تترك الادعاءات غير المفيدة بأن لجان المقاومة تقف إلى جانبها أو جانب الآخر المختلف وأن تترك كذلك النشاطات التي تدعم هذه الادعاءات، لأن ذلك بالتأكيد يعني تفاقم الصراع على اللجان ما ينتج عنه حتماً انقسامها رأسياً، وهو الأمر الذي لايزال تداركه وبالكاد منع حدوثه ممكناً، خاصة لو فهمت جميع القوى أن حدوث انقسام رأسي بين اللجان يؤدي لتغييب أو على أحسن الفروض تأخير التحول المدني الديمقراطي ما ينسف كل مجهودات القوى الساعية له ويزيد من فرص تمكن الاستبداد، أما صراع القوى السياسية فيما بينها، إن تصاعد أو خفت، وإن أُلجم بتحالف أو أطلق بجموح فهو ضرورة وجود.
أخيراً يجب التفريق بين الوجود العضوي للقوى السياسية ضمن مكونات اللجان، وبين الأهداف المؤسسية للقوى السياسية من جانب والأهداف المؤسسية للجان المقاومة من الجانب الآخر، كما يظل الأمل بالالتزام الأدبي الصارم من القوى السياسية بأحقية عضو اللجان الملتزم حزبياً، في تغليب مصلحة لجنته على مصلحة حزبه، كي لا تضيع غايته الأولية مع لجنته لصالح غايته الثانوية مع حزبه، وحتى لا تقع لجان المقاومة في ذات الحفرة التي وقع فيها تجمع المهنيين في الماضي القريب. على أن الأمل وحده لا يكفي ولذلك على عضوية اللجان وعضوية القوى السياسية المؤمنة حقاً بالتغيير أن تسعى وبقوة ليكون لكل لجنته والوطن الخير الآمن المستقر والديمقراطي للجميع.
ألا هل بلغت… ألا هل بلغت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.