التجويع المتعمد، والفساد ينتشران على نطاق واسع في جنوب السودان

0 92

رصد ــ السودان نت

يتعرض شعب جنوب السودان، في أجزاء مختلفة من البلاد، للتجويع “المتعمد” لأسباب تدفعها أجندة “عرقية وسياسية،” بينما يستمر “استخدام العنف الجنسي ضد النساء والرجال” على حد سواء، كسلاح في الحرب الأهلية الدائرة في البلد المستقل حديثا.

ذلك وفقا لما توصل له محققون عينَّهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ المحققون قالوا في بيان يوم امس الخميس إن “زعماء جنوب السودان المتحاربين “غافلين” عن المعاناة التي يعيشها المدنيون جراء هذه الانتهاكات.

وقد حذر المحققون المستقلون من استمرار الصراع والانتهاكات الرهيبة للحقوق في جميع أنحاء البلاد، في وقت يقترب فيه الموعد النهائي الجديد لتوصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاق بينها لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد سنوات من النزاع المتواصل.

تكتيكات “التجويع” المستخدمة في جنوب السودان يمكن أن تشكل جرائم حرب 

عضو لجنة حقوق الإنسان في جنوب السودان التي شكلها المجلس، البروفيسور أندرو كلافام، قال إن “تدمير المحاصيل أو منع سبل الوصول إلى مياه الآبار وما إلى ذلك، يمكن أن يشكل جريمة حرب متمثلة في المجاعة، ذلك لأن الهدف هو “تجويع” السكان المدنيين.” وأكد السيد كلافام أن كلا جانبي الصراع قد قاما بهذه الأعمال.

تقرير لجنة التحقيق الذي سيقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في 9 آذار/مارس،قال إن الطرف الحكومي وطرف الجماعات المسلحة كلاهما يتبع سياسات “تتسبب في تجويع السكان في ولايتي واو والوحدة”.

وقد أوضح السيد كلافام إن هذا التكتيك هو جزء من استراتيجية أوسع “لحرمان مجتمعات العدو من الموارد وبالتالي إجبارهم على الاستسلام” إلى جانب الحرمان من الوصول للمساعدات الإنسانية، والتشريد.

مئات الآلاف من المتضررين 

وقد أدت هذه الاتجاهات إلى “تفاقم المجاعة بشكل كبير في أنحاء مختلفة من البلاد” حسبما يشير التقرير: ” مئات الآلاف من المدنيين يحرمون من الأمور الحيوية، بما في ذلك الحصول على الغذاء”.

كذلك يصف المحققون كيف يُسمح للجنود وأعضاء الميليشيات “بمكافأة أنفسهم” وذلك بتهجير المجتمعات بالقوة من أراضيهم الأصلية، فلا يجد الناس في هذه المجتمعات خيارا سوى الانضمام إلى أي من الفصائل العديدة المشاركة في النزاع.

معدلات نزوح تنذر بالخطر 

وتشمل الانتهاكات الأخرى الهجمات التي شنتها قوات موالية للحكومة وللمعارضة على حد سواء، في قرى غرب بحر الغزال والوحدة وجونقلي، والتي أدت إلى نزوح السكان “بمعدلات تنذر بالخطر”.

وتوثق اللجنة حملات عسكرية عنيفة واسعة النطاق، في ولايات واراب وغرب بحر الغزال والوحدة، قامت بها القوات الحكومية التي جندت الرجال والفتيان بالقوة أيضا، مثلما فعلت الميليشيات المعارضة.

العنف الجنسي يتبع “نمط الإرهاب”

وفي هذا التقرير، الرابع للجنة حول جنوب السودان لمجلس حقوق الإنسان منذ تأسيسها، حذر المحققون أيضا من أن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع ما زال “واسع الانتشار ومتفش” في الحرب الدائرة في جنوب السودان.

ويوضح التقرير أن هذه الممارسة تتبع “نمطا معروفا من الإرهاب والقهر يستخدم كتكتيك للحرب” بحيث تصبح البيئة “غير آمنة ومميتة”.

آليات للعدالة والمساءلة عن الانتهاكات الجنسية والجنسانية في البلاد ما زالت ضعيفة، حسبما يقول المحققون؛ لذا يظل إنكار الجناة لانتهاكاتهم، والوصم الذي يلحق بالضحايا، من التحديات الرئيسية التي تواجه تحقيق العدالة أو المساءلة في جنوب السودان.

وقد أورد البروفيسور كلافام للصحفيين في جنيف أن “الإفلات المتواصل من العقاب وانعدام المساءلة” والفشل في التصدي للانتهاكات الماضية والحالية، “كان هو المسبب الرئيسي للعنف في جنوب السودان.” وهو، حسبما قال، ما يحتاج إلى تغيير “حتى يتحقق الاستقرار وتتأسس الديمقراطية” في البلاد.

نهب الأموال العامة 

واحتوى تقرير المحققين على توصيف لحالات الفساد الهائل التي يرتكبها كبار المسؤولين الحكوميين – الذين استحوذوا على “ملايين الدولارات” من الهيئة الوطنية للإيرادات – مما يرقى أيضا إلى الجرائم الاقتصادية.

وقالت ياسمين سوكا، رئيسة اللجنة، في هذا الخصوص إن مسؤولين رفيعي المستوى “استخدموا مناصبهم الرسمية للتأثير على القرارات المتعلقة بتخصيص موارد الدولة والمشتريات الرسمية، وقاموا بتحويل الأموال العامة لتحقيق مكاسب ومزايا شخصية” لهم.

1.4 مليون نازح دأخلي، ومعدلات عالية لإنعدام الأمن الغذائي 

حتى اليوم، لا يزال هناك أكثر من 1.4 مليون مدني مشردين داخليا في دولة جنوب السودان، ويقول التقرير إن هؤلاء المدنيين “يقيمون في مخيمات غير صالحة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويعيشون على المساعدات الإنسانية المتناقصة”.

بالإضافة إلى ذلك، أدى الصراع إلى وصول عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من جنوب السودان إلى حوالي 2.2 مليونا.

وتشمل توصيات اللجنة التأكيد على أن “أحد العناصر الرئيسية لضمان سلام دائم” هو التوصل إلى “اتفاق حول عدد وحدود الولايات” مما سيسمح بتوزيع عادل للسلطة في جميع أنحاء البلاد.

من ناحية أخرى، حذرت ثلاث منظمات أممية (منظمة الأغذية والزراعة واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي) اليوم من أن حوالي 6.5 مليون شخص في جنوب السودان – أكثر من نصف السكان – قد يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في ذروة موسم الجوع هذا (من أيار/مايو إلى تموز/يوليو).

وتقول مبادرة “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” متعددة الشركاء إن  الوضع مقلق بشكل خاص في المناطق الأكثر تضرراً من فيضانات 2019، حيث تدهور الأمن الغذائي بشكل كبير منذ حزيران/يونيو الماضي.

وتشير تقديرات التصنيف إلى أن 5.29 مليون شخص (45.2 ٪ من السكان) في فترة الدراسة في كانون الثاني/يناير 2020 قد واجهوا أزمة (المرحلة 3) أو ما هو أسوأ من مراحل انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم 1.11 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في حالات الطوارئ (المرحلة 4).

وتم تصنيف حوالي 40،000 شخص في  (المرحلة 5) من انعدام الأمن الغذائي في مقاطعات ثلاث في ولاية جونقلي.

مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، تعكس مستويات انعدام الأمن الغذائي في كانون الثاني/يناير 2020 انخفاضًا بنسبة 4% في نسبة السكان الذين يواجهون الأزمات.

ويقول التصنيف إن هناك حاجة إلى زيادة فورية في المساعدات الغذائية الإنسانية لإنقاذ الأرواح وتجنب الانهيار التام لسبل المعيشة في الولايات المتضررة، ولا سيما تلك التي تضم السكان في المراحل 4 و5 (حالة الطوارئ) من انعدام الأمن الغذائي.

جنوب السودان، الدولة الأحدث استقلالا في العالم ظلت غارقة في حالة من عدم الاستقرار والصراعات المسلحة، منذ ما يقرب من ثماني سنوات هي كل تاريخ وجودها، تقريبا.

وقد وقع الرئيس سلفا كير ونائبه السابق ومنافسه السياسي، ريك مشار اتفاق سلام جديد في عام 2018، وكان الأمل كبيرا في أن ينهي الاتفاق الأزمة، ويوفر ظروفا أفضل وأكثر أمانا للملايين ممن تُركوا عرضة للجوع والتشرد والنزوح.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.