ثقافة مراجعات الكتب

0 65

كتب: أمير تاج السر

.

منذ حوالي عشر سنوات، كانت صدرت ترجمة إنكليزية لأحد كتبي، وفوجئت قبل الصدور بأيام بمراجعة للكتاب في مجلة مختصة بالكتب، ولها موقع على الإنترنت، ثم تلقيت رسالة من الناشر، وأخرى من المحررة التي عملت على إعداد الكتاب، تبارك لي المقال أو المراجعة التي كتبت عن الكتاب، من دون إشارة للكتاب نفسه. واستغربت طبعا، أولا أن تكتب مراجعة لكتاب ما، قبل أيام من صدوره وقبل أن يراه أو يقرأه أحد، وثانيا أن تعتبر مراجعته من قبل شخص مختص، حدثا مهما ينبغي مباركته، ثم لأتعرف بالتدريج على عالم الكتابة والنشر في الغرب، وتلك الأدبيات الهامة التي تنهض به.
كلنا يعرف أن آلاف العناوين تصدر سنويا، ليس في الغرب وحده، ولكن حتى عندنا في العالم العربي، خاصة في السنوات الأخيرة، والتعرف على وجود كتاب وسط كل تلك العناوين، مهم من أجل أن يتم تداوله، أو بالأصح العشم في تداوله. لذلك ينبغي توزيع نسخ منه قبل الصدور، أو بعده بقليل على أشخاص بعينهم، ليس بالضرورة صحافيين مهتمين بالثقافة، أو نقاد أكاديميين، ولكن حتى قراء عاديين، لكنهم ناشطون في التعريف بالكتب في مواقع القراءة.
كل الدور الغربية تفعل ذلك، وتبارك للكاتب إن نوه أحد بكتابه، وكما قلت إنه طقس مهم، وجزء من عملية النشر نفسها، خاصة إن كان الأديب غريبا عن اللغة، ويترجم له لأول مرة، الناشر الذي آمن بكتابة مثل ذلك الأديب، يبذل مجهودا مضاعفا لنقل إيمانه هذا إلى آخرين.
ولكن تكتشف بالتدريج أن ما ينجح مع الكتاب الغربيين في أوطانهم، قد لا ينجح مع الكتاب العرب بالتحديد، إن ترجموا إلى لغات غربية، وقد يظل الكتاب المترجم راكدا هناك سنوات إن لم يكتشف، وحتى لو اكتشف، لن يقرأ بسخاء ولكن على استحياء.
وفي ذاكرتي حتى الآن بالرغم من مرور سنوات، ذلك الصف الطويل من البشر الذي شاهدته متكونا أمام مكتبة ضخمة في وسط ميلانو، أيام صدور الطبعة الإيطالية من رواية «شفرة دافنشي» لدان براون، التي ترجمت لكل لغات العالم تقريبا، كان الناس يزحفون في صبر، من أجل الوصول لمكان البيع، الذي كان طاولة كبيرة في مدخل المكتبة، رصت عليها الكتب.
هؤلاء القراء غربيون طبعا، والكاتب غربي أيضا، والاختلاف في اللغة فقط، مع وجود قواسم مشتركة كثيرة بالتأكيد، وقد نال دان براون في فترة صدور كتابه ذلك أقصى ما يمكن أن يناله كاتب من مجد، إنه كتابه الأول وفي الوقت نفسه مفتاحه إلى عالم الشهرة والثراء الذي سيظل باقيا فيه، وينتظر الناس كتبه، ويتزاحمون عليها بهذه الطريقة.
أعود للمشهد أمام المكتبة الذي انحشرت فيه، ليس لشراء كتب دان براون ولكن لأدخل المكتبة، ومن هواياتي دخول المكتبات في أي بلد أزوره، عربيا كان أو غربيا. أحب الدهشة التي تصيبني حين أجد مكانا نظيفا مرتبا، والكتب فيه تعامل كعرائس في ليالي الزفاف، أحب تلك الطاولات الموضوعة في كل قسم، ويجلس عليها الناس لتصفح الكتب، قبل شرائها، أحب الاهتمام المتوتر على وجوه البعض وهم يتصفحون الكتب، ودائما ثمة موظفون رائعون، مستعدون لخدمة القارئ إن أراد شيئا.
في قسم الروايات، الذي كان ضخما جدا، ويشغل نصف طابق، سألت الموظفة الجميلة عن رواية لي كانت صدرت بالإيطالية تلك الأيام، ولم تظهر إرهاصات نجاحها من فشلها بعد، إنها رواية من ترجمة صامويلا باجاني، إحدى المترجمات المهمات من العربية هناك، وكنت أثق أنها أضافت للنص هوية إيطالية، هكذا أفكر.
الموظفة الجميلة قطعا لن تتذكر كتابي، ذلك أنه حديث النشر أولا، وثانيا ينتمي إلى الأدب العربي الذي ذكرت أنه بلا ظهر يستند إليه هناك، مع قليل من المتحمسين، ليس إلا، وقد تحدث طفرة ما، وينتشر كاتب عربي، لكن الأمر ليس كثيرا. قلت أن الموظفة لن تتذكر، ولكن لم تغب ابتسامتها، وهي ترد علي بأن أنتظر، حيث نقرت على الكومبيوتر عدة نقرات وقالت لي بإنكليزية ليست عظيمة لكن واضحة: الكتاب الذي تسأل عنه موجود، لدينا ثلاث نسخ منه.
تحركت بعد ذلك إلى رف بعيد نسبيا وعادت بنسخة، مدتها إلي، وأمسكتها بنشوة، وقلت للموظفة إنني المؤلف، ولم تستغرب، فقط اتسعت ابتسامتها، وأجرت لي خصما جيدا من السعر، وخمنت ساعتها أن مؤلفين عديدين يمرون عليها، ليمسكوا بكتبهم، ويخبرونها أنهم المؤلفون.
ذلك النهار خرجت من المكتبة أمسك بكتابي، وما زال الزحام متأججا أمام المدخل، سعيا إلى «شفرة دافنشي»، وأظنني لم أفكر في أي مقارنة، لأن المقارنة هنا لن تكون جيدة مع كتاب ناجح مثل كتاب دان براون، ولكن مع أقل الكتب قراءة في الغرب.
الشيء الذي فوجئت به بعد ذلك، أن الكتاب نال مراجعات عديدة من قراء ونقاد على حد سواء، وأجريت معي ثلاثة حوارات جيدة، وتابعت توزيعه على أمازون إيطاليا وكان ممتازا، لا أقول إن الكتاب نجح فعلا، ولكن أقول إن خطوت ما، مشاها في مكان لا تمشي فيه الكتب بسهولة.
سنوات مرت طبعا، وأقرأ المراجعات العربية للكتب، عموما، لي ولغيري، تعجبني حينا ولا تعجبني حينا آخر، فالذي يكتب مراجعة في الغرب هو قارئ يستخدم فن القراءة، في حق فن الكتابة، بينما معظم من يكتبون مراجعات عندنا، إن لم يعجبهم الكتاب، سخروا من كاتبه، وربما كالوا له السباب. وفيهم أشخاص ليسوا قراء أبدا، فقط يضعون تقييمات بلا معنى، لمجرد أن تكون أسماؤهم موجودة في أماكن مطروقة.
مراجعات الكتب مهمة، وأظن يجب استخدام هذه التقنية من قبل الناشر، وعدم ترك الأمر للكاتب الذي نجده يعلن عن كتبه، وأماكن توفرها، ولا أعرف أن كان يفيد هذا أم لا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.