سقطات وفضائح صحفية
كتب: جعفر عباس
.
كلفتني جريدة الاتحاد الإماراتية بمحاورة وزير الخارجية الأمريكي ادموند ماسكي، الذي كان نزيل فندق شيراتون ابوظبي، وكانت تلك أول مرة أجري فيها حوارا صحفيا، وقضيت الساعات الطوال استذكر دروسي وأحضر الأسئلة، ثم ذهبت اليه في جناحه في الفندق فأتاني في الصالة حافيا، وبعد التحية شرعت في طرح السؤال الأول بالطريقة العربية، أي استعراض ثقافتي السياسية لأثبت له انني صحفي مقتدر وخطير، وثرثرت ولقلقت لبضع دقائق ثم صمَتُّ في انتظار الإجابة، ولكن الرجل لم يرد علي، وفاجأني المصور الباكستاني شوكت بالقول: هادا نفر في نوم!! كان المسكين فوق ال75 ويبدو ان محاضرتي المملة عن شؤون الشرق الأوسط جعلت سلطان النوم يتغلب عليه، وأسعف شوكت الموقف بأن امطره بفلاشات متتالية من الكاميرا حتى كان جلد وجهه ان ينسلخ، فاستيقظ الرجل معتذرا وطرحت عليه بعدها أسئلة قصيرة جدا، ثم جلست ساعات طويلة في تفريغ الحوار من جهاز التسجيل فوجد طريقه للنشر في اليوم التالي، ثم فوجئت باتصال من مدير التحرير يطلب مني فيه القدوم الى مكتبه، واتضح ان الملحق الإعلامي في السفارة الأمريكية في ابوظبي احتج بان جانبا من الحوار مفبرك، فزودته بنسخة من التسجيل تثبت ان ماسكي قال كل الكلام المنسوب اليه، ثم شرحت له كيف ان الرجل نام اثناء الحوار، وأنه ربما كان مشوشا بعد الاستيقاظ، ولهذا أنكر بعض الكلام المنسوب اليه.
بعدها بشهور وصلت رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر الى ابوظبي واستدعاني مدير التحرير وكلفني بمحاورتها وأضاف: والله لو نومتها ترجع السودان على سيكل (دراجة)، وربك ستر فقد طلبت ثاتشر ان تكون الأسئلة مكتوبة لتسلمني الأجوبة مكتوبة أيضا
ذات ليلة كنت المحرر السهران وهي مهمة تتطلب متابعة ما يرد في وكالات الأنباء في اللحظات التي تسبق الطباعة، للتأكد من عدم حدوث تطور مهم يستوجب تغيير العنوان الرئيسي او أي خبر رئيسي، وفي نحو الثالثة صباحا دخلت غرفة أجهزة التيكرز التي تلتقط ما يأتي من الوكالات، وتجاهلت وكالة يونايتد برس لأنها ومن تجربتي لم تكن تواكب الأحداث، ثم أبلغت كبير المحررين بأنه لا جديد لتبدأ الطباعة وتوجهت الى البيت.
كانت إدارة الصحيفة توصل الى أبواب بيوتنا فجرا كل الصحف الصادرة في الأمارات، وفي نحو التاسعة صباحا – أي بعد النوم لنحو 4 ساعات فقط، احضرت الصحف وقلبتها وفوجئت بجريدة البيان التي تصدر من دبي تنفرد بخبر هجوم طائرات عراقية على مدمرة أمريكية في الخليج مما اسفر عن مصرع 14 جنديا أمريكيا، وكان مصدر الخبر يونايتد برس التي تجاهلتها، وذهبت الى الجريدة للمشاركة في اجتماع هيئة التحرير اليومي وأنا اردد “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”، ورغم اكتشاف غياب ذلك الخبر في صحيفتنا إلا أنه كان هناك شبه اجماع في أنه “مفبرك”، وحتى بعد انكشاف انه صحيح خفف من وقع تقصيري ان جريدة “البيان” وحدها من بين خمس صحف انفردت بالخبر.
كنت وزميلي السوداني ع. نتولى ذات مساء إعداد الأخبار الدولية والعربية، وتم تكليف ع. برصد خطاب مهم للرئيس المصري حسني مبارك، وإعداد خلاصة الخطاب للنشر في الصفحة الأولى، مع تخصيص صفحة داخلية لنص الخطاب الكامل، وبعد حين من الزمان ابلغ ع. كبير المحررين بأن “مبارك ألغى خطابه”، ثم وبعد نحو ساعة جاء ع الى صاحبنا مع رزمة من الأوراق وقال له دا نص الخطاب، ودا “إشارة” للصفحة الأولى، فصاح صاحبنا: انت عايز تجنني؟ إزاي الراجل يلغي الخطاب وإزاي يا حاوي انت تجيب الملخص والنص الكامل كمان؟ واتضح ان منشأ سوء التفاهم كان اللسان السوداني الذي جعل “ألقى الخطاب” “ألغى الخطاب.