إستخدامات الأراضي والموارد الطبيعية بولايات كردفان .. ماذا هناك ؟ (2-3)

0 119

كتب: عادل شالوكا

.

نتابع في هذا المقال ما إبتدرناه في المقال الأول حول ما تعرَّض له إقليم جبال النوبة في الماضي البعيد بقمع وإسترقاق أهلِه، والمُحاولات الحالية لتهميش إنسانِه سياسياً، إغتصاب أرضِه عنوةً وبالتَّالي إضطهادِه إقتصادياً، ثم الإزدراء به إجتماعياً – مثل الحملات الراهنة في أطراف ولاية الخرطوم تحت غطاء (مُحاربة المُمارسات السالبة) – حيث يتم تخريب منازلهم ونهب أموالهم وممتلكاتهم وهم بلا حول ولا قوة – فهؤلاء لا يوجد ما يجعلهم يعيشون أصلاً في تلك المناطق والأحياء التي يتم إستهدافهم فيها الآن إن لم يكن قد تم ترحيلهم قسراً من مناطقهم الغنية بالموارد عن طريق فرض الحروب – وهي حروب تستهدف الأرض في الأساس. ولذلك إن كُنا حريصين على السلام ووحدة هذه البلاد، يجب مُناقشة أي قضية مصيرية يُمكن أن توفِّر العدالة للجميع وتحفظ وحدة هذه البلاد – مثل قضية العلمانية وفصل الدين عن الدولة بإعتبار إن ما يتم حالياً من إستهداف للنوبة في أطراف المدن هو في الأصل تحت غطاء أوسع يرتبط بتوجُّهات (الدَّولة الدِّينة والشريعة الإسلامية التي لا زالت قائمة حتى الآن). كما يجب مُناقشة أهم القضايا المصيرية الأخرى كقضية (الأرض) إرتكازاً على الحقائق التاريخية. والذين يرفضون هذه الحقائق أو يرفضون التَّعاطي مع قضايا الأرض وفقاً لهذه الحقائق، فعليهم إنهاء وجود النوبة وإبادتِهم بالكامل قبل تنفيذ أي مُخطَّطات لا توفِّر العدالة للجميع. والأجيال القادمة ستكون أكثر وعياً وقوة وعزيمة. ولذلك كل هذا يستدعي أن نُذكِّر الجميع بتاريخ الإقليم وتاريخ السُّكان الذين يقطنونه.

المجموعات الرعوية وعلاقتها بالإقليم :

مُصطلح البقَّارة يُشير إلى (رُعاة البقر)، ويُطلَق على المجموعات التي تدفعها الظروف على العيش في المناطق التي تتحمَّل طقسها ومناخها الأبقار وليس الجمال (Henderson- 1939 : ص 5)، والبقَّارة الموجودين في جبال النُّوبة هم جزء من المجموعة الكبيرة التي تقطُن أفريقيا وتتحرَّك حسب التغيُّرات البيئية بما يُوفِّر لها المناخ والبيئة الصَّالِحة للحياة.

العطاوة :

حسب رواياتِهم عن أنفسهم – فهم مجموعة من القبائل التي تدَّعِي إنها من نسل (الشيخ الجنيد)، وإن الشيخ الجنيد كان له خمسة أبناء وبنت واحدة، وأشهر أبنائِه (عطية، حماد، راشد) – وطبعا موضوع (الشيخ الجنيد) ده عندو علاقة بـ(حميدتي) والدَّعم السريع وشركات (الجنيد). والعطاوة يتفرَّعون إلى قسمين: (بقَّارة – أبَّالة) و(الأبَّالة هم رُعاة الإبل). وفي تعريفهم لأنفسهم يقولون بأننا (عطاوة) – بمعنى إنهم يرجعون في نسبهم إلى الإبن الكبير (عطية) – وحينما ينتسب الفرد الى (العطاوة) بديهياً يكون قد تخطَّى مُسمَّى القبيلة التي ينتمي إليها إلى مجموعة أوسع وهي (العطاوة) – طبعا برضو بتلقو إنو في قبائل بقَّارة بتسمِّي نفسها (أولاد راشد).
كل قبائل العطاوة (البقَّارة والأبَّالة) في الأصل تدَّعي إنها من (جُهينة) – وهي قبائل رعوية تدفَّقت إلى السُّودان (حسب رواياتهم عن أنفسهم) عبر ثلاثة محاور:

1/ عن طريق النيل مع حملة عبد الله بن أبي السرح.

2/ الجزء الآخر ذهب بمُحازاة الساحل المتوسطي ليغزو تونس والجزائر وليبيا والمغرب، ثم لاحقا دخل جزء منهم شبه جزيرة (آيبريا) مع غزوة “طارق بن زياد” – وهذه المجموعة الأخيرة إنحدرت من تونس إلى منطقة ودَّاي (تشاد الحالية) وأسَّسوا نظارات وأحلاف كبيرة إلى يومنا هذا. من هاتين المجموعتين: المجموعة التي دخلت جنوب الصحراء عن طريق تونس وتلك التي دخلت عن طريق نهر النيل.

3/ الأخيرة نزحت غرباً لظروف ضيق المرعَى في الحزام النيلي.

تجمَّعت تلك القبائل في مناطِقها الحالية وأسَّست أحلافاً قبلية لحماية وجودها. ومع تأسيس تلك الأحلاف، ظل المحور الأساسي للقبائل هو السائد.
وتنقسم قبائل (العطاوة) إلى تسعة مجموعات رئيسية:

(1/ الرزيقات 2/ التعايشة 3/ الهبانية 4/ بني هلبة 5/ المسيرية 6/ الحوازمة 7/ السلامات 8/ أولاد حميد 9/ بنو سليم).

بالإضافة إلى قبائل أخرى صغيرة:

(التعالبة، الحوطية، الترجم، بني خُزام، البشير، بني حسين، العياتقة، التمباب، زُنارة).

وبعض هذه القبائل هي قبائل أفريقية (زنجية) وليست عربية ولكن تم ضمَّها في إطار هذه الأحلاف (رأي كاتب المقال).

إنتهت رواية البقَّارة عن أنفسِهم – راجع: (تراثيات حازمية 30 أبريل 2020).

وصل البقَّارة إلى جبال النُّوبة منذ حوالي (222) سنة كمجموعة رُعاة رُحَّل تضم تفريعات قبلية صغيرة تنتمي لأصول عربية وهي جزء من المجموعة الكبيرة التي تقطُن أفريقيا على إمتداد البحر الأبيض المتوسط وحتَّى بُحيرة تشاد، وتُغطِّي أجزاء واسعة من كردفان ودارفور وحتَّى الجنوب (Henderson- 1939: ص 52) – (Cunnison- 1966: ص 1). في بداية العام 1800 وصل البقَّارة إلى المنطقة المعروفة في تلك الفترة بـ(دار نوبة) وأزاحوا النُّوبة من أراضيهم بالقوَّة. ويرَى (Henderson- 1939) – (Cunnison- 1966) إنه بعد غزو العرب لمصر، زحفت مجموعة منهم – وهي التي أصبحت فيما بعد مجموعة البقَّارة – غرباً على مُجاراة الساحل الشمالي (تونس حالياً)، ثم إتَّجهت نحو الجنوب الشرقي في إقليم تشاد منطقتي (برنو) و(ودَّاي)، فيما بعد توَّزعت غرباً بمُحازاة النيل عن طريق كردفان، وحسب (Mac Michel- 1912/1967( فإن البقَّارة هُم فرع من عرب (جُهينة) الذين إنتشروا في مجموعات كبيرة على إمتداد وادي النيل في النصف الأول من القرن الرابع عشر، وفي القرون اللاحقة نزحت غرباً حتَّى (برنو). وفي العام 1803 توطَّنوا بصورة تامة في دارفور (Henderson- 1939 : ص 58(.

و البقَّارة الذين وصلوا كردفان يتفرَّعون إلى ثلاثة مجموعات رئيسية :

1/ المسيرية 2/ أولاد حميد 3/ الحوازمة – (Gillan- 1931 :ص 8).

وحسب جيلان فإن تعداد البقَّارة في جنوب كردفان عام 1972 بلغ حوالي (65,000 – 70,000) أي ما يُعادل نسبة 28 % من إجمالي سكان الإقليم.

أكثر مجموعات البقَّارة إحتكاكاً بمناطق النُّوبة هي الحوازمة، وكلمة (الحوازمة) تعني (التحزُّم أو الإرتباط مع بعض)، فخلال القرن السادس عشر كانت هناك العديد من النزاعات مما جعل العديد من القبائل والمجموعات الإثنية تلجأ إلى التعاون والتحالف، فقاموا بتأسيس حلف (الحوازمة) عن طريق القسَم على القرآن، كان ذلك في القرن السادس عشر حيث أقسمت هذه المجموعات بالدفاع عن المجموعة كلها والوقوف معها في حالة الحروب والنِزاعات (Haraldsson- 1982 : ص 26)، وبمرور الوقت أصبح الحوازمة أكثر من مجرَّد حِلف إثني يُعبِّر عن مجموعة مترابطة إثنياً، إذ أصبح الحلف مرناً بحيث إستطاع أن يضم مجموعات أخرَى غير عربية، فمثلاً إنضم إلى حلف الحوازمة ستة مجموعات أخرَى على النحو التَّالي :

(1/ الزُّنارة 2/ التكارير 3/ جلَّابة 4/ الهوَّارة 5/ الجوامعة 6/ البديرية، بالإضافة إلى بعض بقايا الرقيق)، كل هذه المجموعات صارت جزءاً من (الحَلفَا) أي الذين “حلفوا” أو أقسموا، ولا توجد أي مجموعة من هذه المجموعات الستة تنتمي إلى المجموعة العربية إثنياً. وقد أقسَمت “قسم الحوازمة” وإنضمت إلى الحلف في منتصف القرن الثامن عشر (Mac Michel- 1922/1967 : ص 52 – 151).

خلال الحكم الثنائي (التركي – المصري) أصبح البقَّارة جزء من نظام الإدارة المحلية (الإدارة الأهلية) في تلك الفترة والذي كان يُدار بواسطة : (الناظر / العمدة / الشيخ) – (Warburg- 1971 : ص 144). وهذا يعني إن الإستعمار (الأتراك والمصريين) هم الذين قنَّنوا وشرعنوا هذا الوجود، وهذا بالطبع تم فرضه بالقوة.

يتكوَّن الحوازمة من ثلاثة مجموعات مُتَّحدة : (1/ الحَلفَا 2/ أولاد عبد العال 3/ الرواوقة)، و كل مجموعة تنقسم إلى عِدة فروع، فالرواوقة ينقسمون إلى:

(دار جامع / دليمية / أولاد نوبة) – (Mac Michel- 1922/1967 : ص 53 – 140).

مؤخَّراً إنضم إلى الحلف بعض المجموعات غير العربية (الشوابنة / فلاتة البرداب / التكارير) وحالياً الإدارة الأهلية للرواوقة تضم ستة عموديات على النحو التالي:

(1/ الدليمية 2/ أولاد نوبة 3/ دار جامع 4/ الشوابنة (عقب) 5/ شوابنة (السمَّة) 6/ فلاتة البرداب).

– (إبراهيم 1988/1998).

إختراق البقَّارة لمناطق كردفان في بداية العام 1800 من إتجاه الغرب كان بداية للنزوح الكبير للنُّوبة من أراضيهم التَّاريخية، فعن طريق القوة أزاح البقَّارة النُّوبة من مناطقهم قبل أن يشاركوا فيما بعد مع بداية الإستعمار (التركي المصري) في حملة جمع “المال والرجال” بعد عام 1820، حيث شاركوا في قمع وإسترقاق النُّوبة (Pallme- 1844) – (LIoyed- 1908) – (MacMichel- 1922/1967) – (Henderson- 1939) – وقد قاموا بتقسيم الإقليم على النحو التالي :

1/ الحوازمة إستولوا على الجبال الشرقية والوسطى.

2/ الحَمَر إستولوا على الجبال الغربية.

3/ المسيرية إستولوا على الأجزاء الشمالية الغربية.

بعد ذلك مُباشرة بدأوا في تنظيم الغارات على النُّوبة لإسترقاق كل من وجدوه، وقتل من تطاله أيديهِم مع نهب مُمتلكاتِهم وتدمير منازلهم وأخذ جميع المحاصيل التي يجدونها والأبقار. ولحماية أنفسهم من هذه الغزوات تراجع النُّوبة إلى الجبال التي وفَّرت لهم الحماية والأمان بحيث لا يستطيع الغُزاة الذين كانوا يستخدمون الخيول من الوصول إليهم، وبدأوا تسطيح الجبال والمدرَّجات لزراعتها (LIoyed – 1908 : ص 55).

وللخيول رمزية تاريخية في قمع النوبة، ولذلك إستخدمها عمر البشير في الحملة الإنتخابية للإنتخابات التكميلية بجنوب كرفان في العام 2011 عندما ذكر إنهم (سيلبسون الكاكي .. ويمتطون الخيول .. ويطاردون النوبة: جبل جبل .. كركور كركور).

فتجمُّعات البقَّارة المُكوَّنة من قبائل: (المسيرية، الحَمَر، والحوازمة) نزحت إلى الإقليم على دفعتين: أولاً، في القرن السابع عشر – ثانياً: بعد إنهيار دولة المهدية في عام 1898. ولكن قبل ذلك كانت كل مناطق (شمال، غرب، جنوب كردفان) تُعرِف بـ(دار نوبة) وهي مناطقهم التاريخية التي نزحوا منها إلى المناطق الجبلية لتوفير الحماية لأنفسهم من (حملات الرِق).

وبالإضافة إلى البقَّارة نجد أيضاً الفئة التي تُعرَف بـ(الجلَّابة) وهم ينتمون إلى وسط وشمال السُّودان، جاءوا لأول مرة إلى جبال النُّوبة كتُجار رقيق في القرن الثامن عشر، ولكنهم إستقروا في العشرينات من القرن السابق (1920)، وفي فترة الإنتعاش المُرتبط بإنتاج القطن في أواخر الاربعينات. ومنذ ذلك الوقت هيّمَن الجلَّابة على التجارة والأعمال في جبال النوبة بجنوب كردفان.
كما توجد مجموعات أخرى نزحت من غرب أفريقيا ودارفور إلى الإقليم في أزمانٍ وفترات مُختلفة، وأصبحت جزءاً من سُكَّان الإقليم، وغالبية هذه الهجرات إرتبطت بمناسك الحج إلى السعودية، فترات الجفاف والتصهُّر، بالإضافة إلى غزوات الدَّولة المهدية.

منطقة جبال النُّوبة كانت تُدار قديماً بشكل مُنفصل قبل أن يتم إلحاقها بإقليم كردفان وعاصمته الأبيض، ثم محافظة جنوب كردفان وعاصمتها كادقلي عام 1974، ثم ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلي عام 1994 وفقاً للمرسوم الدستوري رقم (10)، و كانت تضم خمسة محافظات (كادقلي – رشاد – الدلنج – أبو جبيهة – تلودي) ومنذ يناير 2005 بموجب إتفاق السَّلام الشامل صارت ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة جزءاً من ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلي، ثم تم فصلها مرة أخرى (غرب كردفان) لتُدار من الفولة في العام 2013. وتقع المنطقة بين خطي طول (29 – 31) درجة و خطي العرض (10 – 12.30) درجة شمالاً (أي ما تعادل مساحة اسكتلندا) حيث تُقدَّر مساحتها بحوالي (30,000) ثلاثين ألف ميل مربع.

ومجموعة النُّوبة التي تقطن الجبال الواقعة في جنوب كردفان الحالية، كانت واسعة الإنتشار في مناطق ولايتي (جنوب، وغرب كردفان) ولكنها أُجبرت بعد الزحف المتواصل للمجموعات ذات الأصول العربية نحو الجنوب والغرب، على التراجع إلى الجبال حيث تتوفَّر المياه ويسهُل التحصُّن من الغزوات المستمرة كما ذكر الباحث والإدارى البريطاني هارولد ماكمايل بقوله:

(في الأزمنة الغابرة، ولآلاف السنين من بعدها، يغلب الظن إن أسلاف النوبة كانوا يُسيطرون على أجزاء كبيرة من البلاد التي يُطلق عليها الآن جنوب كردفان، ما عدا الأجزاء الشمالية التي يغلب عليها الصحراء. وقد تعرَّض النوبة لهجمات القبائل الأخرى التي سيطرت على ضفاف النيل، ولهجمات غيرها من القبائل الداخلية، وأخيراً من العرب الرُّحَل مما جعلهم يلتجئون إلى الجبال في جنوب كردفان).

و يرى سي. جي. سليقمان (C.G.Seligman) في كتابه (القبائل الوثنية بالسُّودان النيلي) نقلاً عن إعتقاد النوبة أنفسهم في أصلهم :

(أن أصل كل مجموعة تقطن جبلاً، خرج جدهم الأول إلى الوجود من نفس الجبل الذى يقطنونه، ومن ثم سُموا به).

و هو رأي أسطوري كان شائعاً في عدة مناطق في جبال النُّوبة.

أما الدكتور/ ستيفنسون عالم الأنثروبولوجيا البريطاني الذى عاش في جبال النُّوبة في الفترة ما بين (1938 – 1960) وإتَّقن لغة (كاتشا) إحدى قبائل كادقلي، فقد جاء في رأيه :

(في الفترة ما قبل القرن السَّادس عشر كانت تسكُن جموع من قبائل جبال النُّوبة في المنطقة المعروفة حالياً بشمال ووسط كردفان وكذلك غرب كردفان، وبوصول العرب منطقة كردفان في القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى تجارة الرقيق التي سادت في ذلك الوقت، ونتيجة للحروب المُستمرة في المنطقة، ومقاومة النوبة لتجارة الرقيق من جهة، ومن جهة أخرى التجريدات العسكرية المتكرِّرة، نتج عن هذا هجرة النُّوبة إلى أعالي الجبال في منطقة جبال النُّوبة الحالية طلباً للحماية التي سهَّلتها لهم الكهوف والمخابىء والمغارات).

ويؤكِّد ذلك الخُرط التي رسمها الإنجليز للإقليم (خريطة العام 1903 – وخريطة العام 1920) – وهي الخُرط التي تتحاشَى الحكومات المركزية الإعتماد عليها أو حتى إظهارها أو التحدُّث عنها. وخريطة 1903 أظهرت فقط أراضي ومناطق (دارفور) و(دار نوبة) في كل أنحاء غرب السُّودان دون وجود لأي مجموعات أخرى، (ودارفور طبعا مُتضمِّنة بقية القبائل الزنجية الأصلية) – ولكن الإنجليز أطلقوا على الإقليم مُسمَّى (دارفور) بإعتباره الإسم التاريخي الذي عُرف به.

زحفت قبائل البقَّارة والتي كانت تجوب سهول ولايات شمال كردفان وغرب دارفور نحو العام 1800 وتقدَّمت بنشاط نحو أودية جبال النُّوبة بحثاً عن المياه والمرَعى لحيواناتهم المُتزايدة، وتزامن قدومهم مع بداية غزوات الإسترقاق – التي ساعدتهم على التمدُّد والإنتشار – وقد إقتسمت قبائل البقَّارة السهول فيما بينها وأجبرت قبائل النُّوبة على اللجوء إلى أعالي الجبال، وبمرور الزمن صار جزء كبير من أراضي النُّوبة من نصيب الحوازمة إحدى أكبر قبائل البقَّارة، حيث تنقسم إلى ثلاثة عشائر (خشوم بيوت) رئيسية هي :

(الرواوقة/ عبد العال/ والحلفا) وهم يُشكِّلون حالياً عصب الوجود العربي في منطقة شرق ووسط الجبال، وبعد أن أُجبر النُّوبة على اللجوء إلى الجبال تحوَّلوا لزراعة أراضي المرتفعات ذات التربة الجبلية الفقيرة نسبياً. (محمد سليمان : ص 211 – 212).

و تتفرَّع قبائل وعشائر النُّوبة حسب الحيز الذي يقيمون فيه، إلى مجموعات تختلف لغةً وثقافة عن بعضها، ولأن تاريخ النوبة البعيد يعتمد إلى حد كبير على المصادر الشفاهية، ولكن برغم ذلك فقد لاحظ الباحث (نادل) إنه على الرغم من ضعف المعلومات حول التاريخ البعيد للنُّوبة، إلا إنهم وُجدوا في مناطقهم الحالية منذ أمد بعيد، وتدُل بعض معلومات (نادل) على ما يؤكِّد ذلك، إذ يقول :

(عندما يُسأل النوبة عن أماكن إقامتهم في أزمنة سابقة فإنهم يجيبون : “إننا نعيش هنا منذ القدم”، و من الممكن أيضاً الإفتراض بأنهم خلال معظم تاريخهم الحديث كانوا مزارعين ذوي حيازات صغيرة يعيشون أساساً في السهول).

نواصل ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.