سكرك وقلة فكرك

0 57
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(يكاد نظام الإنقاذ، حيال متاعب الثورة والانتقالية، أن يكون العصر الذهبي للسودان كما يدأب أهله في الترويج له. ولن تجد ممن عارضوه توثيقاً عن سوئه تفحم سدنته أو فلوله. فكنت توسلت ل”جهر”، المنظمة الصحفية اليسارية، أن تنشر على الملأ من جديد تقاريرها المخدومة عن خروق الإنقاذ لحرية الصحافة. وكانت صرختي في واد. وسبب خلو يد المعارضة الآن من بينات دامغة على سوءة الإنقاذ أنها عدتها نظاماً غير شرعي وما بني على باطل فهو باطل. يسقط بس. فاستبدل المعارضون فحص النظام عن كثب وإعمال مشارط البحث الاقتصادي الاجتماعي فيه بمجرد تسخيفه: البشكير وما البشكير. وهو تسخيف يلاحق رموز الثورة الآن. بل وضعوا معايير للحكم على بؤسه مثل “الدولار كان بكم وبقى بكم”. وهذه الأخرى تطارد ناس الثورة حالياً.
ووجدت أنني ككاتب مداوم وقفت ليس عند مجرد مشاهد من بؤس النظام بل عن دقائقها. وهذه وقفة منها.
(30 أغسطس 2010)
قال الأمين العام لاتحاد العمال أمس الأول إنه سيتجه لمجلس الوزراء لعرض مسألة متأخرات العمال عليه لفشلهم في لقاء وزير المالية. وسنعرف بعد قليل أن الوزير ليس بهذه المشغولية. ولكنه يبدو أنه سقيم النفس من هذه المتأخرات المتفاقمة الغلبت حيل الدولة. فهذه المتأخرات فاقت ال900 مليون جنيه على نطاق السودان ما بين 2001-2008. وبلغ دين عمال الخرطوم على الحكومة 54 مليون. وتطلب دارفور الممحنونة الحكومة فوق المئة مليون جنيه. وككل مديون يفك الدرب لدائنه وجدت الحكومة نفسها في موقف المدين الزائغ. فقال السيد عبد الرحمن التيجاني على دينار، ريس اتحاد عمال شمال دارفور، إن الحكومة عرضت عليهم أن يتوقفوا عن العمل إذا لم يستلموا مرتباتهم في يومها الموعود. وهذه سابقة مبتكرة تطلب فيها حكومة من عمالها أن يضربوا ويحلوا عنها هرباً من الدين.
وزير المالية الفَكّه الدرب للعمال شكل حضوراً فنجرياً في منتدى النشاط الصيفي لاتحاد الطلاب السودانيين قبل أيام. وكان في معيته وجوه الوزراء والمستشارين. وتباروا في تكليف الاتحاد بمهام تراوحت من دعم الوحدة إلى إصلاح المناهج الدراسية. وهي مهام أنزل الله بها من سلطان ولكن علق ذنبها بوزارت ومصالح ووكالات تجري عليها الدولة ميزانيات سنوية للأغراض الموصوفة. وجاء دور وزير المالية فقرر أن وزارته ستلتزم بسداد عجز ميزانية الاتحاد وهي 836217 جنيهاً. و”فرقت” مع الاتحاد لأن دخله (من شنو يا ربي؟) كان 2400000 ومنصرفاته 3236217 .
لو جاءني اتحاد طلبة بمثل هذا التبذير لقعدته رئيسو في علبو بطريقين:
1- سأقول له يا ابني انت “نصف الحاضر وكل المستقبل” وإذا دي طريقتك يا ولدي صباحنا أصبح.
2- ولابد لكل كهل أو شيخ من حكاية لتبليغ رسالته. أما أنا فكنت سأحكى له نادرة من الستينات. قيل إن والد أحد الأفندية العزابة في الخرطوم جاء للمدينة بعد أن لم يستلم مصاريف من ابنه لشهور خلت. وتعذر الابن بالتزاماته في المدينة التي حالت دون ذلك. فأجلس الوالد ابنه وسأله عن ماهيته وكانت عشرين جنيهاً. قال له طيب 10 جنيه قول للميز. و5 جنيه لسكرك وقلة فكرك. يا ولدي ما ترسل لينا الخمسة الرابعة. ولما استبعدنا “السكر” الستيني من لوازم الشباب الإسلامي فليورونا “قلة الفكر” الذي أسرفوا به فتصدعت ميزانيتهم هكذا.
ولكن وزير المالية الفنجري اب جبين أداها سوط. ولكنه هو نفسه استلم دولة معجزة 17% لهذا العام مقارنة ب 5% لعام 2006.
أتابع ما يقوم به د. الفاتح عزالدين رئيس لجنة الإدارة لوقف الفنجرة وسعيه لضبط الصرف داخل الموازنة. بل لإيداع المال العام نفسه في خزانة الدولة. فقد اشتكى مدير الضرائب منذ أيام بوجود حسابات خارج مظلة الحكومة وديوان الضرائب فيما عرف ب”التجنيب”. وسرني قول الفاتح إنه سيحرك إجراءات إدارية ضد كل حالة صرف خارج الميزانية حتى لو كانت لعمل خيري. ثم توقفت عند دلالة اجتماعه بالسيد الطاهر عبد القيوم، المراجع العام، أول أمس لتدارس إجراءات ولوائح لجم الفنجرة.
كفى نصحاً للمتفلتين بالمال العام أن يرعوا الله في حق الناس. ما أجدى. ولنخضع المسألة للمؤسسية. وأول ذلك أن نوطن أمانة المال العام في البرلمان الذي سينظر في الميزانية الجديدة خلال أيام. فالعمل المعارض سيكون لغواً لو كِذابا لو لم يعبئ طاقة سياسية طاغية لا غالب لها حتى من تلك المؤسسات التي ساء ظنك فيها. وهذا نهج أحسن ألوف المرات من تفريغ هذه الطاقة في “القطيعة” الفضائحية العقيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.