يوم انحلت أمريكا (1786) لتعبر شفا جرفها الهار (2-2)
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
العبارة الأكثر دوراناً في خطاب الأزمة السودانية هي التصارخ بأن بلادنا على “شفا جرف العبارة الأكثر دوراناً في خطاب الأزمة السودانية هي التصارخ بأن بلادنا على “شفا جرف هار”. وربما صح، والمتصارخون كل في شغل بمشروعه الصغير، قول عن الإنجليزية: “كلهم يدرك أنهم على شفا جرف هار ولكن ليس بينهم من استدبره”.
هار”. وربما صح، والمتصارخون كل في شغل بمشروعه الصغير، قول عن الإنجليزية: “كلهم يدرك أنهم على شفا جرف هار ولكن ليس بينهم من استدبره”.
ليس السودان بدعاً في مشيه على شفا حفرة. وكانت النجاة عند غيرنا في استدبار الجرف الهار لا التصارخ. فقد وقفت أمريكا يوم مولدها عند شفا الحفرة وعبرتها بسلام آمنين. ورأى الكس توكفيل، مؤلف “الديمقراطية الأمريكية”، في اجتيازها الحفرة لحظة جليلة فاقت يوم استقلالها عن إنجلترا نفسه. فلا سؤدد خاص لأمريكا، في قوله، في التحرر من الاستعمار. سبقتها إليه دول وتبعتها دول. بل قال توكفيل إن سرديتها عن استقلالها لم تخل من قليل من المبالغة. فما استحق تمييز أمريكا عنده هو حلها لدولتها الكونفدرالية حين وقف حمارها في العقبة، ودعوتها لإعادة النظر في تكوينها بانعقاد المؤتمر الدستوري في 1786. فقال:
ولكنه من الطارف في تاريخ المجتمعات أن ترى أمة عظيمة تنظر ببرود إلى نفسها بعين فاحصة حين اتفق لمشرعيها أن عجلة الحكومة الاتحادية قد وحلت. من الطارف أن نرى مثل هذه الأمة تفحص مقدار الشر الذي اكتنفها بعناية، وأن تنتظر بصبر لعامين طوال حتى وجدت الدواء للداء الذي تبلغته بغير أن تكلف الإنسانية قطرة من دمع أو دم”.
كانت الولايات المتحدة قامت بعد استقلالها على نظام كونفدرالي السلطان كله للولايات. فليس للحكومة في مركزها سلطان تنفيذي أو قضائي أو مالي. فلا تخويل لها لفرض الضرائب. ولا جيش لها. وتستدعي، متى احتاجت لدفع عدو، مليشيات الولايات. وبلغت الحكومة الكونفدرالية مبلغاً من الفشل لم تصمد بوجه الهنود الحمر وفشلت في دفع الديون التي عليها من زمن الحرب للاستقلال.
فاتفق لقادة أمريكا والحال كتلك حل الكونفدرالية والدعوة للمؤتمر الدستوري (1786-1788) لإقامة “اتحاد أكثر إتقاناً” كما تجري العبارة. فجلسوا لعامين خوضاً في صناعة دستور يكفل متانة الاتحاد الفدرالي ويحفظ للولايات هوياتها. وخرجوا بالدستور الحالي الذي المساومة لحمته وسداه. فأزالوا مثلاً مخاوف الولايات الصغيرة من تغول الولايات الكبيرة غزيرة العدد بأن جعلوا للتشريع مجلسين. يقترع الأمريكيون لمجلس نيابي تقررت مقاعده على بينة السكان في حين جعلوا التمثيل في مجلس الشيوخ على السوية، أي أن لكل ولاية، كبرت أم صغرت، نفس عدد الشيوخ. ومنعاً لغلبة الجمهرة الغزيرة في انتخاب رئيس الجهورية تواضعوا أن يكون انتخابه عن طريق كليات انتخابيه لا طبقاً لقاعدة لكل مواطن صوت. ويريد الديمقراطيون حالياً مراجعة هذا العرف لأنهم ما نالوا أغلبية الأصوات عدداً لرئاسة الجمهورية حتى جاءت الكليات الانتخابية بالجمهوريين في مثل فوز دونالد ترمب على هرلري كلينتون في 2016.
غير خاف أن تجارة التجزئة في قسمة السلطة والثروة قد أنهكت أمة السودانيين حتى بدا لأقوامها أن أهدى السبل أن يتفرقوا أيدي سبأ. وهي خطة عجز. فتجدهم يستغشون بثيابهم من عظة ما انتهى إليه جنوب السودان بعد انفصاله من عنف للأخوة الأعداء غير مسبوق. كما يتغاضون عن أن السودان بحدوده الحالية حقيقة فيزيائية وديمغرافية وتاريخية مذ كان. لربما أضاف أرضاً وبشراً، أو ربما نقص منه بشر وأرض هناك ولكنه كيان تاريخي سيكون انعقاده على العروة الوثقى بواسطة مؤتمر دستوري جامع أقل تكلفة من المغامرات اليائسة التي تتصارخ لتفكيكه.
فتحدي المشي الخطر على شفا جرف هار في الموهبة في استدباره.