«كارت» أحمر لفلول البشير
كتب: محمد أبوالفضل
.
يحمل الكثير من السودانيين هما طفيفا للأزمة السياسية التى تعصف ببلدهم مقارنة بحزنهم من تمكن فلول الرئيس السابق عمر البشير من العودة إلى الحكم مرة أخرى، ففى ظل المسافات المتباعدة بين القوى المدنية والمؤسسة العسكرية يمكن أن ينقض هؤلاء على السلطة بعد قيامهم بإعادة ترتيب أوراقهم جيدا الفترة الماضية.
قطع الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى الطريق على هذا السيناريو بتحذيره المباشر الأحد الماضى، كلا من حزب المؤتمر الوطنى المنحل الذى قبض على السلطة خلال فترة حكم البشير، والحركة الإسلامية، من المساس بالجيش وثوابته، وهى رسالة انتظرها سودانيون طويلا بعدما راجت معلومات أن كوادر الحزب والحركة يغرسون مخالبهم فى الشارع وكثير من مؤسسات الدولة.
يشكل كوادر الحزب والحركة الآن ما يعرف فى الأدبيات السودانية بفلول البشير، فى إشارة تؤكد وجود قيادات تشرف عليهما وتقوم بتوظيف الأزمة الراهنة لمصلحتهم، وظهرت ملامح واضحة لتحركات قالت إن هؤلاء باتوا على استعداد للانقضاض على السلطة من خلال توسيع نفوذهم فى الجيش، واستثمار انشغاله بالتجاذبات مع القوى المدنية، والمبادرات التى تطرحها قوى دولية وإقليمية للتوصل إلى تفاهمات تضع حدا لأزمة سوف يؤدى تفاقمها إلى تهديد وحدة الدولة السودانية.
هدف تحذير البرهان توصيل إشارةإلى فلول البشير تطلب منهم الكف عن أى مضايقات تتسبب فى تفجير الأوضاع، وهى علامة قوية على نفى وجود علاقة بين المؤسسة العسكرية والفلول، حيث راجت تقارير مؤخرا بشأن تنامى نفوذهم وقيام الجيش بفتح المجال لهم لتخفيف ضغوط القوى المدنية على قيادته.
وأثبت من يعرفون بـ«الكيزان» وهو الوصف الذى يطلق على جماعة الإخوان فى السودان كنوع من السخرية أنهم على درجة عالية من الانتهازية والإيحاء بأنهم يتصرفون تحت غطاء من الجيش، ما ضاعف من شكوك بعض القوى فى قيادته.
عززت تحركات الكيزان فى الشارع عبر عقد مؤتمرات وطرح مبادرات والقيام بمظاهرات مخاوف أحزاب سياسية عدة من احتمال حصولهم على ضوء أخضر بالتحرك، حيث لم تتحرك أجهزة الأمن للتصدى لهم مقارنة بتصرفات أقدمت عليها لمواجهة قوى مدنية، وكان من الضرورى أن يقدم البرهان إنذارا واضحا لطمأنة الجهات التى تنتابها هواجس من وجود مؤامرة ترمى لعودة فلول البشير.
ينطوى خطاب البرهان على دلالة مهمة تتعلق بعدم السماح بتكرار سيناريو الانقلاب العسكرى الذى يحمل الحركة الإسلامية على ظهر دبابة وتوصيلها للسلطة، حيث أبدت أحزاب وشخصيات وطنية انزعاجها من استعراض القوى الذى ظهر عليه فلول البشير الفترة الماضية وتعاملوا معها كأن هناك من يريدون تمهيد الأرض أمامهم، بما زاد غضبهم من الجيش ووضعوا بعض الإجراءات التى قام بها قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان فيما يشبه لعبة تعتمد على توزيع الأدوار.
وينطوى أيضا على دلالة أخرى تتعلق بالخارج، إذ لم تهضم قوى إقليمية ودولية عديدة الصمت على فلول البشير بعد نزولهم الشارع، وإن لم يكن هناك توافق مع المؤسسة العسكرية فغض الطرف فى حد ذاته قد تترتب عليه مشكلات يصعب حلها، لأن انقسامات القوى المدنية يستطيع الكيزان توجيهها لمصلحتهم بعد أن تحولوا إلى عنصر لم يفقد الكثير من قوته المادية عقب خروجهم من السلطة رسميا، وعلى استعداد لخوض انتخابات فى هذه الأجواء والفوز فيها بنسبة كبيرة.
إذا كان تكرار الانقلاب العسكرى عملية صعبة فى السودان ولن يتقبلها المجتمع الدولى بسهولة، فالتمكين السياسى التدريجى أشد خطورة، ومع انعقاد أول انتخابات فى البلاد ربما يحقق فلول البشير تفوقا، لذلك فتحذير البرهان يقتصر على المؤسسة العسكرية ولا يمتد للشارع، وهى مهمة يجب أن تنتبه لها القوى المدنية وتفرض عليها إعادة النظر فى خلافاتها البينية والتفرغ للتصدى للكيزان من خلال صناديق الاقتراع.
يمثل هذا المحدد اختبارا للتحالف العريض المعروف بقوى الحرية والتغيير بأجنحته الثلاثة، ومدى قدرته على استمالة الشارع إليه بعد أن أهدر جانبا كبيرا من نفوذه وغرق فى خلافات عقيمة.
وقد أطلق الفريق أول البرهان صرخة مدوية فى وجه فلول البشير داخل الجيش، وعلى الآخرين القيام بدورهم فى الشارع، لأن إجراء انتخابات وسط تطورات يهيمن فيها التشرذم على القوى المدنية يعنى فوزا مضمونا وكاسحا للحركة الإسلامية، وهى مسألة لن تجد معارضة قوى دولية لا تمانع عودة فلول البشير من بوابة الانتخابات.
استغرقت القوى المدنية وقتا طويلا فى تصفية الحسابات السياسية مع المؤسسة العسكرية نتيجة تراكمات تاريخية قاتمة، وأهملت عدوها الرئيسى ينخر فى جسدها ويحتل أرضا فى شارع مأزوم لن يتردد فى دعم من يسهم فى تخفيف حدة الأزمات الاقتصادية دون نظر إلى هويته السياسية أو الأخطاء التى ارتكبها من قبل، فذاكرة الشعوب تنسى عادة الحكام الذين أساءوا إليهم وأضروا بهم مادام البديل لم يتمكن من إنقاذهم بالصورة التى راودتهم فى خيالهم.
ويعد التعاطف مع الكيزان من جانب شريحة من المواطنين صيغة احتجاج ضمنية ضد القوى المدنية والعسكرية التى تولت إدارة السودان عقب سقوط النظام السابق، وهو ما حاول البرهان تبرئة ساحته منه بتحذير الفلول والحركة الإسلامية أخيرا، وعلى القوى المدنية تبنى خطوة موازية وإيجاد قواسم مشتركة بينها استعدادا لمعركة الانتخابات الصعبة، لأن عملية الإقصاء التى تم الخطيط لها لتقويض عناصر البشير تسير بصورة بطيئة وتحتاج إلى إجراءات أشد عمقا.