كتب: تاج السر عثمان
.
1 . كان من تداعيات مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان بالقانون والعنف ، أن برز الانحراف اليميني في الدعوة لحل الحزب الشيوعي وتغيير اسمه ، وتحويله الي حزب جماهيري بعد دمجه في حزب عام للاشتراكية العلمية ، بعد مؤتمر الجريف التداولي الذي بعده ناقشت دورة اللجنة المركزية في نوفمبر 1966م تلك الدعوة ، ورفضت بالاغلبية الساحقة دعوة حل الحزب ، “وتمسكت بوجود الحزب الشيوعي رافعا الي أعلي رآية الماركسية اللينينية ، الشئ الذي لا يمكن حدوثه تحت ظل قانون حل الحزب الشيوعي الا باللجؤ الي التنظيم السري ، مع اتخاذ السياسة الصائبة لفتح المنافذ والمسالك العلنية والقانونية لنشاط الحزب الشيوعي المحظور قانونا”. (دورة اللجنة المركزية ، نوفمبر 1966م).
فكيف تداعت الأحداث للوصول لاقتراح تصفية الحزب الشيوعي من الداخل بعد أن فشل حله بالقانون والعنف؟ .
2 . كما أوضحنا في المقال السابق بعنوان الذكري (57) لتقويض الديمقراطية الثانية ، بعد ثورة اكتوبر 1964م ، ونجاح الاضراب السياسي والعصيان المدني ، ضاقت القوي اليمينية ” الإخوان المسلمون ، الامة ، الوطني الاتحادي”بتنامي نفوذ الحزب الشيوعي ، حيث فاز (11) نائب من الحزب الشيوعي في انتخابات الخريجين من (15) دائرة ، كما فازت فاطمة احمد ابراهيم من الحزب الشيوعي في البرلمان كأول إمرأة تدخل البرلمان ، ونافس عبد الخالق محجوب إسماعيل الأزهري في دائرة ام درمان الجنوبية.. الخ.
نفذ الإخوان المسلمون بقيادة د. الترابي مؤامرة ندوة معهد المعلمين العالي التي تحدث فيها الطالب شوقي محمد علي واساء فيها إلي الدين الإسلامي ، واعلن انه شيوعي، وهو ليس عضوا في الحزب الشيوعي ، وإنما كانت مؤامرة وراءها الإخوان المسلمون.
ثم بعد ذلك هاجمت مجموعات مسلحة من الإخوان المسلمين والانصار دور الحزب الشيوعي والتي قاومها الشيوعيون ببسالة ، وتمت هزيمة تلك المجموعات.
بعد ذلك تم إتخاذ قرار في الجمعية التأسيسية في جلستها بتاريخ : 25/11/1965م بحل الحزب الشيوعي . وتعديل الدستور لطرد نوابه من البرلمان ، والنواب الذين تم طردهم هم:
حسن الطاهر زروق ، عزالدين علي عامر ، محمد ابراهيم نقد، عمر مصطفى المكي ، الرشيد نايل ، الطاهر عبدالباسط،، عبدالرحمن الوسيلة ، جوزيف قرنق. (بقي ثلاثة نواب في البرلمان هم : فاطمة أحمد إبراهيم ، محجوب محمد صالح ، محمد سلمان محمد).
بعد ذلك كما هو معلوم رفع الحزب الشيوعي ثلاث قضايا دستورية :
-: ضد تعديل الدستور .
-: ضد حل الحزب الشيوعي .
-: ضد طرد النواب الشيوعيين.
وبعد سنة كاملة تقريبا ، ومع نهاية سنة 1966م ، أعلن صلاح حسن ، قاضي المحكمة العليا ، أن الحريات في المادة الخامسة في الدستور لا يجوز تعديلها . وان كل ما حدث كأن لم يحدث.
لكن ، عارض قادة الأحزاب الثلاثة هم : الامة ، الوطني الاتحادي ، والاخوان المسلمون قرار المحكمة العليا.
وقال الصادق المهدى رئيس الوزراء ورئيس حزب الأمة ، أن الحكم “تقريري” .
وكان من نتائج ذلك استقالة رئيس القضاء ، بابكر عوض الله . وكتب في خطاب استقالته الى الرئيس الازهري: “عملت مافي وسعي لصيانة إستقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر . ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لآشهد عملية تصفيته، وتقطيع أوصاله ، وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تأريخه …”
ومن قادة الاحزاب الذين رفضوا حل الحزب الشيوعي وتعديل الدستور وايدوا قرار المحكمة العليا ، الأستاذ محمود محمد طه.
وكان لحل الحزب الشيوعي أثره وتداعياته علي الحزب ، بهدف استكمال تصفيته من داخله ، بعد فشل تصفيته قانونيا ، فما هي هذه التداعيات؟ .
3
مشروع الحزب الإشتراكي 1966م .
كان من نتائج الهجوم علي الشيوعيين والعنف البدني واستغلال الدين ضدهم أن ساد اليأس وسط بعض الكادر القيادي ، وبدأت تطل برأسها “العقلية الانقلابية” التي عبر عنها أحمد سليمان المحامي في مقال بصحيفة الأيام.
كما برز إلاقتراح بحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوي اشتراكية وديمقراطية أخري تحت إسم الحزب الإشتراكي.
• قيادة الطبقة العاملة للثورة الوطنية الديمقراطية.
• دور الديمقراطيين الثوريين في منطقة التحرر الوطني.
• الموقف من الفكر اليميني التصفوى في حزبنا ، والانقسام الذي ترتب عليه في سبتمبر 1970م.
وهذا يعكس أن مواقف الحزب الشيوعي السوداني لم تكن متطابقة مع الحزب السوفيتي حول هذه القضايا ، اى أن الحزب الشيوعي السوداني لم يكن تابعا للحزب الشيوعي السوفيتي ، هذا فضلا عن موقف الحزب الشيوعي السوداني الرافض لتقييم السوفيت لنظام ديكتاتورية عبود بعد انقلاب 17/نوفمبر/1958م ، باعتباره نظام وطني ، ورفض عبدالخالق لذلك باعتبار أن الحزب الشيوعي السوداني هو الذي يقرر وطنية النظام ام عدمها ، وليس السوفيت ، وقد أشار عبد الخالق محجوب الي هذا الاتهام بقوله : “أما عن الدعاية ضدنا كماركسيين واتهامنا بالعمالة فهذه المسألة حُسمت جوانب عديدة منها ، لقد وضح موقفنا بالنسبة للقوى التي نعمل للاقتراب منها بأن الدعاءات الباطلة ستحسم كما حُسمت دعوى العمالة ، والشرط الأساسي لذلك هو أننا برهنا وسنبرهن بالفعل لا القول أن كل نشاطنا نابع من بلدنا ويستلهم مصالح جماهير شعبنا” (مجلة الشيوعي، العدد 127 ، نوفمبر 1966م)..
اضافة الى أن الموضوع ليست بهذه البساطة ، فمجرد اعلان الحزب الإشتراكي الواسع وتغيير اسم الحزب الشيوعي سوف يتحول تلقائيا الى قوة اجتماعية كبرى ، وان الناس سوف يندفعون زرافات ووحدانا للانضمام اليه ، ولن تلاحقه تهمة الالحاد والزندقة في الصراع السياسي ، علما بأنها تهمة لحقت حتى بمفكرين اسلاميين مستنيرين غير شيوعيين.
ولكن الحزب الشيوعي يتحول الى قوة اجتماعية كبرى بدراسة واقع المجتمع السوداني وفهمه واستيعابه والعمل على التأثير فيه نتيجة لتلك الدراسة كما اشار المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي ، كما يتحول الى قوة اجتماعية كبرى بالارتباط بالجماهير والدفاع عن مصالحها في القطاعين الحديث والتقليدي (المناطق المهمشة) ، والارتباط بالتنظيمات الجماهيرية الديمقراطية والنقابية والاصلاحية والتواجد حيث تتواجد الجماهير والنضال معها وليس بالنيابة عنها في الارتقاء بمستواها المعيشي والسياسي والثقافي ، وهى عملية شاقة.
بعد ذلك واصل الحزب الشيوعي في التحضير للمؤتمر الرابع ، حتي تم انعقاده في اكتوبر 1967م ، والذي اكد علي استمرار الحزب الشيوعي، وانجز وثائقه الأساسية مثل : التقرير السياسي والبرنامج والدستور، والتي نشرت علي الاعضاء والجماهير ، التقرير السياسي نشر بإسم “الماركسية وقضايا الثورة السودانية”، والبرنامج والدستور نشرا في كتاب بعنوان “دستور الحزب الشيوعي السوداني“.