كتب: تاج السر عثمان بابو
.
1. كما كان متوقعا “تمخض الجبل فولد فأرا” ، فجاء الاتفاق الإطاري تجريبا للمجرب ، والمزمع التوقيع عليه الاثنين 5 ديسمبر بين اللجنة الأمنية للنظام البائد وقوى الحرية التغيير مع الاتجاه لاشراك قوى أخرى كانت مشاركة في الانقاذ حتى سقوط البشير مثل : الاتحادي الأصل ، المؤتمر الشعبي ، انصار السنة. الخ ، وهي تسوية سبق أن قدمها الخبير الأمريكي ليمان في 2012م بعد ترنح نظام البشير والخوف من ثورة شعبية تحدث تحولا ديمقراطيا في المنطقة ، كما في صيغة “الهبوط الناعم” الذي يعني تسوية تقطع الطريق أمام الثورة ، وتضم حتى الإسلاميين مع الابقاء علي سياسات نظام البشير وقتها القمعية والاقتصادية والاتفاقات الجزئية التي تهدد وحدة البلاد ، والتفريط في السيادة الوطنية ، ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج.
أي تسوية لتصفية الثورة بضغط خارجي اقليمي وعالمي ، لقطع الطريق أمام تحقيق أهدافها وانجاز مهام الفترة الانتقالية التي تفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهايتها ، فقد جاء الاتفاق الإطاري خاليا من القضايا الجوهرية التي قامت من اجلها الثورة ، بحجة تأجيلها لمرحلة ثانية لمناقشة أوسع، والصحيح الهدف قبر الثورة بتأجيل أهم قضاياها ، مثل ما تم قبرها في فترة الشراكة الأولي علي أساس الوثيقة الدستورية 2019م التي انقلب عليها العسكر الذين يخططون لجولة ثانية من انقلاب عسكري جديد من خلال هذا الاتفاق الإطاري الهش الذي يعيد إنتاج الأزمة ، الذي تمّ استبعاد 4 قضايا من التوقيع عليها في الاتفاق الإطاري هي :
– العدالة والعدالة الانتقالية .
– الاصلاح الأمني والعسكري ، واصلاح المنظومة العدلية.
– تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واستعادة الأموال المنهوبة.
– اتفاقية جوبا .
2 . فلماذا قامت الثورة اذن اذا تمّ تأجيل حل تلك القضايا الجوهرية؟ ، علما بأن ذلك يهدد وحدة البلاد ، و يخدم مصالح “الفلول” والرأسمالية الطفيلية العسكرية والمدنية ، وهيمنة العسكر في الشراكة في السلطة ، واستمرار تعدد الجيوش والمليشيات والانفلات الأمني ، بهدف نهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج لمصلحة المحاور الاقليمية والدولية التي ضغطت لتنفيذ التسوية ، لتصفية الثورة ، ومنع تأثيرها في التحول الديمقراطي في المنطقة ، كما في الثورة الايرانية الجارية الآن التي أجبرت السلطة الايرانية لتلغي الشرطة الدينية وفرض الحجاب استجابة للثوار الذي واجهوا القمع الوحشي والموت لأشهر ، وستواصل الجماهير نضالها حتى تصفية النظام القمعي الشمولي الدموي وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي.
3 . جاءت التسوية في ظل هوان وضعف قوى الحرية والتغيير اللاهثة للسلطة ، وعدم تراجع أوالغاء السلطة الانقلابية لقراراتها في إعادة التمكين والأموال المنهوبة للفاسدين ، والافلات من المحاكمات المحاسبة ، والخضوع لشروط العسكر لتأجيل الاربع قضايا الأساسية في الثورة لاستمرار هيمنة العسكر في السلطة ، مع إعطاء الفتات للمدنيين ، وفي ظل استمرار القمع الوحشي للمواكب السلمية والتعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين واستمرار الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق ، وجنوب كردفان بهدف نهب الأراضي والموارد ، والقمع الوحشي لمقاومة المواطنين في مناطق التعدين الرافضين لاستخدام السيانيد الضار بالانسان البيئة ، وفي ظل التدخل الخارجي السافر في الشؤون الداخلية في البلاد ، كما في فرض التسوية من الالية الرباعية ، والتدخل المصري لدعم تحالف قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية لدعم الانقلاب العسكري المكونة من بعض حركات جوبا (جبريل إبراهيم ، مناوى) والاتحادي الأصل جناح جعفر الميرغني.
اضافة لنشاط ايلا في الشرق وترك وشيبة ضرار الذين هددا باغلاق الشرق في حالة استبعادهم من التسوية ، واستمرار مواكب الفلول ضد الآلية الثلاثية ، مما يعني استمرار تحالف هذه القوى مع العسكر لتكرار اجهاض حكومة التسوية مع استمرار “الفلول” في مواكبهم المدعومة من اللجنة الأمنية حتى الانقلاب العسكري مرة أخرى.
كما جاء الاتفاق الإطاري متزامنا مع الهجوم علي الحركة النقابية كما في قرار البرهان بتجميد النقابات والاتحادات وحجز أموالها واصولها ، وتكوين لجان تسيير فوقية سلطوية أمتداد للتدخل الإداري في النقابات التي تحلها وتكونها جمعياتها العمومية ، بهدف قطع الطريق أمام نهوض العاملين حتى الاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي.
4 . من الجانب الآخر تواجه التسوية علي أساس الاتفاق الإطاري الهزيل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الطاحنة مع النهوض الجماهيري النقابي الواسع الجارى لتحسين الاوضاع المعيشية والأجور ، مع استمرار الحكومة في سياسات التحرير الاقتصادي القائمة علي رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والصحة والدواء ، مما يفاقم الأوضاع ويؤدي للاسراع في اسقاط حكومة التسوية القادمة التي ستكون عاجزة بحكم تضخمها بالمحاصصات في السلطة ، اضافة لصرف الدولة علي الدعم السريع وحركات جوبا ، أي ستكون أكثر من 70% من الميزانية للأمن والدفاع ، فضلا عن سيطرة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة علي 82% من موارد الدولة ، مما يفاقم الاوضاع الاقتصادية ، ويؤدي لذهاب ريح حكومة التسوية علي اساس الاتفاق الإطاري ، الهادفة لتصفية الثورة ، لكن هيهات ، فالثورة ماضية حتى النصر رغم العقبات والمتاريس أمامها حتى اسقاط الانقلاب العسكري وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي ، وتحقيق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.