السودان.. نجاح الانتقال رهين بشخصية رئيس الوزراء

0 61

كتب: بابكر فيصل

.

وجاء التوقيع على الاتفاق الإطاري بعد التفاهمات التي تمت بين الطرفين على أساس الإعلان الدستوري الذي أعدته اللجنة التيسيرية لنقابة المحامين السودانيين، وهو الإعلان الذي وجد قبول كبيراً من قوى سياسية عريضة فضلاً عن قوى المجتمع المدني وغيرها من قوى الثورة والانتقال.

وقد رسخ الإعلان الدستوري لشعار الثورة السودانية الرئيسي المتمثل في تحقيق مدنية الدولة بالكامل، حيث نص على خروج الجيش من هياكل السلطة الانتقالية في مستوياتها الثلاث: السيادية والتنفيذية والتشريعية، كما منح رئيس الوزراء سلطات تنفيذية كاملة في مقابل السلطات التشريفية التي سيتمتع بها رأس الدولة (المجلس السيادي).

حدد الإعلان الدستوري اختصاصات رئيس الوزراء في تعيين كل وزراء حكومته، وتعيين وإعفاء حكام الأقاليم والولاة، وتعيين وإعفاء قادة الخدمة المدنية والشرطية وجهاز المخابرات، كما منح الإعلان رئيس الوزراء رئاسة مجلس الأمن والدفاع، فضلاً عن تبعية جهازي الشرطة والأمن لسلطته وكذلك البنك المركزي.

أما مجلس الوزراء (الحكومة) فقد منحه الإعلان سلطة الإشراف الكامل على إكمال ملف السلام وإيقاف الحرب وحل النزاعات، وكذلك مراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة، وتشكيل المفوضيات القومية المستقلة، وإدارة الشؤون الخارجية والدبلوماسية وغيرها من الصلاحيات المعروفة للحكومات في الأنظمة البرلمانية.

هذه المهام والسلطات والصلاحيات الكبيرة تتطلب أن يأتي رئيس الوزراء القادم من رحم الثورة، وأن يكون ملتزماً بتحقيق شعاراتها وأهدافها ومستعداً لبذل كل الجهود من أجل تحقيقها مهما تطلب الأمر من تضحيات، فضلاً عن ضرورة امتلاكه الحس السياسي الذي يمكنه من التعامل مع الواقع الوطني المعقد في مختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

ليس مطلوباً أن يحمل الرجل/ المرأة درجات أكاديمية عليا (دكتور، بروفيسور، إلخ)، بل يجب أن يكون على درجة من الكفاءة بما تعنيه من امتلاك خبرة مهنية كافية في مجال تخصصه تعينه على أداء مهامه، فضلاً عن القدرة على حل المشكلات واتخاذ القرار، وامتلاك الشخصية القيادية القوية التي تستطيع مجابهة التحديات الكبيرة التي يواجهها الوطن، مع التمتع بالمرونة التي تبعده عن التصلب والبيروقراطية والجمود.

وليس مطلوباً كذلك أن يكون الرجل/ المرأة من أصحاب السيرة الذاتية الممتازة في العمل بالمنظمات الدولية أو التدريس بالجامعة أو الحضور الباهر في الحقل الأكاديمي، بل المهم أن يكون مدركاً لمقتضيات التحول المدني الديمقراطي، وصاحب رؤية كلية ملتزمة بأهداف الثورة بصرامة، وعدا ذلك من الأمور المتخصصة فيمكنه الاستعانة فيها بالمستشارين في المجالات المعنية.

لا بد من أن يتمتع رئيس الوزراء القادم بقدر عال من الديناميكية، وكذلك المهارات التي تجعله قادراً على التواصل مع الآخرين (كافة قطاعات الشعب السوداني)، وهذه سمة مهمة للغاية حتى يستطيع كسب قلوب الجماهير التي ترغب في أن يكون رئيسها قريبا منها وذو معرفة ودراية مباشرة بمشاكلها ومطالبها.

مهمة رئيس الوزراء في المرحلة الحالية ليست مهمة عمل مكتبي بيروقراطي تبدأ في الثامنة صباحاً وتنتهي بانتهاء الدوام عند الثالثة عصراً، بل هي مجهود يبذل على مدار الساعة، وهو الأمر الذي يتطلب اختيار شخص يتمتع بقدرة كبيرة على الحركة وطاقة جسدية تمكنه من العمل المتواصل لساعات طويلة خلال اليوم.

رئيس الوزراء القادم لن يهبط من السماء، ولن تأتي به قدراته الشخصية فحسب، بل سيتم اختياره بواسطة قوى الثورة المُعرَّفة في الإعلان السياسي الذي أعدته قوى الحرية والتغيير، وبالتالي فإنه من البديهي أن يكون ملتزماً تماماً بالعمل مع تلك القوى لإنجاز مهام الانتقال التي تليه ولا يلجأ لخلق مراكز ودوائر بديلة تتحكم في وضع السياسات وصنع القرار.

لا شك في أن رئيس الوزراء القادم سيواجه العديد من الملفات الصعبة والمشاكل الجسيمة، وإذ يتطلب ذلك منه وعياً كبيراً بحتمية ترتيب الأولويات لأنه لن يستطيع حل جميع المعضلات في نفس الوقت، فإن المشكلة الاقتصادية وانعكاساتها القاسية جداً وغير المسبوقة على الأوضاع المعيشية للناس تمثل الأولوية القصوى التي يجب أن يعمل رئيس الوزراء على مجابهتها وفقاً لخطة مدروسة.

قد عانت مختلف طبقات المجتمع من تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتمثل ذلك في الانخفاض الكبير للدخول الفردية مقابل الغلاء وارتفاع أسعار السلع، مما أدى لبروز ظاهرة الركود التضخمي، حيث تتكدس السلع والبضائع دون وجود قوة شرائية، وهو الأمر الذي أدى لمعاناة ملحوظة حتى في أوساط الطبقات العليا التي باتت تستهلك من مدخراتها بعد أن توقفت أعمالها الإنتاجية والتجارية والخدمية نتيجة استفحال تلك الظاهرة.

إن استقرار ونجاح الفترة الانتقالية يرتبط ارتباطا وثيقاً بإيجاد الحلول للملف الاقتصادي وانعكاس ذلك على المواطن الذي يجب أن يشعر بالتحسن التدريجي في أوضاعه المعيشية، وهذه هي المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق رئيس الوزراء وطاقم وزارته.

وأخيرا فإنه لا يجب أن تؤثر الحملات الإعلامية المصنوعة، خصوصاً عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والتي تقف وراءها جهات داخلية وخارجية عديدة ومتضاربة الأهداف والمصالح، في اختيار رئيس الوزراء القادم، فهذه الفرصة لإنجاح الانتقال قد جاءت بالكثير من التضحيات والدماء العزيزة، مما يضاعف من مسؤولية قوى الثورة في هذا الخصوص، فهي تعلم جيداً الثمن الذي يمكن أن تدفعه البلاد في حال الاختيار الخاطئ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.