القاضي: وما الأمر

نافع على نافع: الانقلاب أو ربما هو ثورة الإنقاذ

0 148
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
الانقلاب خساسة. وهو “وَرْدة مسروقة” في عرف الفروسية. وهي أن تختلس سقى سعيتك في غير مشرع مائك (أو عِدك) وأهله غياب. ونعت حواء بت مازن الجرارية قومها بني جرار اختلاس السقيا في عد كجمر بشمال كردفان. وما شعروا بقدوم أسياده الكبابيش نحوهم حتى ارتحلوا عجلى ارتحالاً وقعت حواء بأثره من جمل وكسرت يدهها فقالت:
حي يا إيدي من رأي أجاويدي
حتى قالت:
أشهد ها جبيل ها الوردة مسروقة.
ويسقط الانقلابي ويصير أقل من السمسمة بعد افتضاح أمره كما رأينا ما من سقطة بت مازن من حالق بعد فرار قومها من وردتهم المسروقة من وجه الكبابيش.
قال نافع علي نافع في أقوله أمام محكمة انقلابيّ 1989:
-لم اسمع أي زول ذكر لي ولا علاقة لي بهذا الأمر.
-القاضي: الأمر ياتو؟
-الانقلاب
صمت
-أو الثورة.
أقل من السمسمة
وسقط قبله من هم أعلى كعباً في السياسة وأطهر ثوباً ويداً. فتناكر كل من الفريق ركن إبراهيم عبود، قائد انقلاب 1958، والبكباشي بالمعاش عبد الله خليل البيه، رئيس وزراء السابق، الأمر بانقلاب 1958 جهاراً جهاراً أمام لجنة التحقيق في الانقلاب التي انعقدت بعد ثورة أكتوبر 1964.
فقال البيه إنه لا يدري حتى وقت مثوله أمام لجنة التحقيق لماذا قام الجيش بذلك الانقلاب. وزاد “الضباط مبسوطين وأنا جبتلهم أسلحة”. وكان حين يسأله الناس عما يشاع عن انقلاب وشك يقول انقلاب. “الجيش مبسوط في أمانة الله”. أما الفريق ركن عبود فاستغرب كيف تملص البيه من الانقلاب وقد أمر به. ولو قال بلاش بلاش (وبلاش في لغة الشوام “أبدأ” لا “كف” كما هي عندنا”.
ولكن كان لعبود في فيقة الحكم وقرقرابه، وتحت ظلال رماحه رأي آخر فيمن أمر بالانقلاب. فزعم لمجلة “الوعد” البيروتية في 1959 أنه أسد الانقلاب الزام. فروى للمجلة فيها كيف ّ ترعرع الانقلاب في جوانح نفسه يريد به إنقاذ الشعب الذي رنا لقواته المسلحة من خبط الأحزاب وفوضاها. وقال فيها إن قادة الجيش، الذين أزعجهم تهافت الاستقلال، أخذوا ً يجتمعون بصورة سرية للعثور على حل، لتردي البلاد في الفوضى.
وذكر يوما ً حاسما من تلك الأيام هو 16 مارس 1958 اجتمع هو فيه بمنزله بالضباط وحلفوا المصحف ألا يبوح أحدهم بسر ما انطووا عليه. وكان في ذلك اللقاء، حسب قوله، ميلاد المجلس الأعلى للقوات ِس يبوح أحدهم ب ً المسلحة كأداة الحكم المرتقب للعساكر. وتوالت اجتماعات الضباط بمكتبه ليال، مرتين في الأسبوع، لتدارس الأوضاع السياسية وتدبير سبل خلاص الشعب من سوء الحكم. وقال إن لقاء المكاتب أفضل من لقاءات البيوت المثير للشبهة. فمفهوم أن يكون القادة بمكاتبهم متى شاءوا. وقال عبود إن خبرته في الصيد قد علمته أن من مكمنه يؤتى الحذر. كان يسمع شكاوى الناس من الحكام وهو، الذي أضمر لهم الخير، صامت، لا يطلعهم ً على مكنونه قائلا في نفسه: “إننا سننقذكم، إننا لن نرتككم. إنني لا أطمع في حكم، ولا أريد مركزاً. كل ما أريده سعادة شعب ونهضة أمة. وقال إن انقلاب 17 نوفمبر وليد تلك الاجتماعات.
وبعد ست سنوات من الجخ، ويطيب لي، وعبود يا جبل الحديد، والضرب بيد من حديد أنكر ذلك الضابط العظيم “الوردة المسروقة” دون أن يطرف له جفن.
وسنرى في حلقة أخيرة كيف هرط المشير أول جعفر محمد نميري بأنه سيعود من أمريكا ليلقن الثوار درساً ويسترد وردته المسروقة.
وما قال بيجي مالو ماجا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.