مصر في السودان استدعاء دائم للتاريخ

زيارة مدير المخابرات المصرية للخرطوم .. الدواعي و الأسباب

0 45

تقدير موقف : مركز تقدم للسياسات

.

تقديم : عقد مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل في زيارته الاخيرة الخرطوم لقاءات مكثفة مع الأطراف السودانية المؤثرة في الحراك السياسي , شملت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ومدير جهاز المخابرات العامة احمد مفضل علاوة على طرفي تحالف الحرية والتغيير , طرح فيها وفق تصريحات قيادات طرفي تحالف الحرية والتغيير رغبة القاهرة في تبني منبر حوار “سوداني – سوداني “ للتوفيق بين فرقاء الأزمة السياسية .

تحليل:

تأتي المبادرة المصرية في محاولات جديدة لتصفير المجهودات الإقليمية والدولية بقيادة الالية الثلاثية ”البعثة الأممية ,الايغاد, الاتحاد الافريقي” والتي أسفرت عن توقيع اتفاق إطاري بين المكون العسكري وعدد من القوى السياسية الداعمة للديمقراطية أبرزها تحالف الحرية والتغيير- المجلس المركزي في الخامس من ديسمبر المنصرم . هذه المحاولات واجهت معارضة شديدة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام وتيارات إسلامية وقوى سياسية و جهوية أخرى، بما ينذر بتكرار الحرب الاهلية المدمرة وتهديد وحدة البلاد .

تحاول الحكومة المصرية بهذا المسعى الجديد استعادة دورها التاريخي في الشأن السوداني وكذا المحافظة على امنها القومي ومصالحها الاقتصادية ودورها الإقليمي من خلال الاستثمار في حالة الانقسام السياسي الحاد حول الاتفاق الإطاري الذي أقصي أهم داعميها السياسيين ( الاتحادي الأصل ) وأخرج تحالف الكتلة الديمقراطية الذي أشرفت علي تكوينه من هياكل الفترة الانتقالية وفق بنود الاتفاق الإطاري , والأهم, زاد من نفوذ قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان حميدتي وتأثيره على الأوضاع الأمنية والسياسية , حيث تري مصر الرسمية أن الدعم السريع عبارة عن مليشيات قبلية ذات ولاءات وطنية متعددة تعتبر خطرا على الدولة السودانية والأمن المصري ، وأنها استدعت أطرافا خارجية لمنطقة تعد في مجالها الحيوي تاريخيا وجغرافيا , كما ترى في الدعم السريع تهديدا قويا لحليفها العسكري المتمثل في طبقة جنرالات الجيش الرعاة الرسميين لمصالحها في السودان .

تباينت ردود الفعل السوداني إزاء المبادرة المصرية المقترحة , بين قبول مطلق من جنرالات الجيش والكتلة الديمقراطية بقيادة الميرغني لتطابق مصالحهم , والي قبول حذر ومشروط من تحالف الحرية والتغيير – المجلس المركزي وتخوفه من انهيار شراكته مع الدعم السريع الذي يتمسك بالاتفاق الإطاري ويتحفظ على الدور المصري في السودان الذي يراه مهددا لوجوده . في هذا الصدد, نجد ان غياب قائد الدعم السريع عن لقاءات مدير المخابرات المصري عباس كامل يدلل على فتور العلاقة بين الجانبين التي ترقي لمستوي العدائية .

توقيت طرح المبادرة المصرية الداعية إلى تجاوز الاتفاق الإطاري عبر إعلان مبادئ جديد ، كمحاولة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين يثير الريبة , خصوصا انه يأتي قبيل انطلاق ورشة الحرية والتغيير المجلس المركزي لدى عدد من الأطراف الفاعلة بما فيها القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري حول القضايا المعلقة في الاتفاق , مثل قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري وتقييم اتفاق “جوبا” وقضية شرق السودان، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو, بمعني استكمال مجهودات الالية الدولية واستعادت عملية الانتقال في مرحلتها النهائية , هذا التوقيت يدفع ذات الأطراف الى التشكيك في طبيعة أهداف المبادرة المصرية وفي مدى حرصها على استقرار النظام السياسي في السودان .

كما ولا تنفصل زيارة مدير المخابرات المصري للخرطوم عن التطورات الإيجابية في العلاقات السودانية الاثيوبية التي شهدت مؤخرا التوقيع على عدد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بعد زيارة مدير المخابرات الإثيوبي للخرطوم نهاية العام الماضي, هذا التقارب يثير حفيظة الجانب المصري بكل مخاوفه حيال سد النهضة وقضايا مياه النيل

الخلاصة:

تاريخيا , ظلت مصر تسعى لتأمين مصالحها الاستراتيجية في السودان عن طريق جهاز مخابراتها وليس عبر الخارجية أو المؤسسات الرسمية المدنية ,وذلك بالتأثير في مجريات العملية السياسية من خلال شركائها المحليين بما يحافظ على استدامة نفوذها ومصالحها , وثمة شعور لدى النخب السودانية ان المبادرات المصرية الانية لا تنفصل عن تصوراتها التاريخية عن السودان , وتتعاظم هذه النظرة مع كل ملمح تغيير بنيوي في الدولة السودانية يهدد مسار العلاقة الأحادية الجانب .

خطورة المبادرة أنها قد تعزز الانقسام داخل المكون العسكري بين الجيش والدعم السريع ، بين المركز والأطراف بكل ما يعنيه من مخاطر على المنطقة وتنسف مجهودات الآلية الثلاثية والرباعية التي نجحت في نزع فتيل الأزمة بين العسكريين ووضعت اطارا قانونيا وطنيا لاستكمال الانتقال , فالاستقرار في السودان يتطلب توحيد المبادرات في الالية الثلاثية بقيادة البعثة الأممية ودعمها , مع استصحاب المخاوف المصرية المشروعة دون المساس بحقوق الشعب السوداني في خياراته الوطنية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.