فولكر وحكاية “المايكات”
كتب: عثمان ميرغني
.
حكاية فولكر ألقى بالمايكرفونات و طرد مراسلي القنوات السودانية من ورشة العمل بقاعة الصداقة تمنح صورة بالأشعة المقطعية للحالة السودانية.
الحكاية لها وجهان.. الأول غاضب يقرع طبول الحرب ويذكر بإلقاء إسماعيل باشا الغليون في وجه المك نمر، لأن فولكر بذلك داس على الكرامة السودانية عامة والإعلام السوداني خاصة، وأن المتبقي من الكرامة الوطنية لن يسمح بأكثر من رد الفعل الذي يلقن العدو الأجنبي درساً لن ينساه..
والوجه الثاني ينفي الحكاية الأولى و يعتبرها نسج شيطان القوى المضادة للعملية السياسية.. في مثل هذا الموقف يصبح البحث عن الحقيقة ضرباً من السذاجة، فالحقيقة هنا هي البطاقة لا غيرها..
الحادثة مثار الجدل ظلت نائمة منذ الثلاثاء الماضي لم تستيقظ إلا على ضوضاء السجال والتهديد بعد خمسة أيام كاملة.. وهذا وحده يكفي لإثبات أنها مجرد واحدة من المعارك السياسية التي لا تنتهي بين أضداد غير قادرة ولا قابلة للنظر في الوقائع من حيث هي وقائع لا من حيث الموقف السياسي للمع والضد.
هذا الوضع لا علاقة له بحكاية “رمي المايكات”، فهي عقلية تدير المشهد السياسي السوداني منذ ما قبيل الاستقلال وحتى يومنا هذا.. تقسم الملعب ليس بين فريقين يتباريان بل فرق تختصم وتفجر في الخصومة..
بمثلل هذا المنهج السياسي لن يكون الملعب صالحاً لأي تفكير أو مسلك حصيف ولا حتى منافسة شريفة في انتخابات أو غيرها.. لأن الحكمة ليس في نجاعة العمل أو الفكرة بل في نصاعة البطاقة.. على نسق المبدأ (أبرز البطاقة لأعرف هل أكرهك أم أحبك)..
و لأن عمر الممارسة السياسية الحزبية في السودان يقترب من 80 سنة فلا يعقل أن يعول أحد على انتظار هذه الممارسة لتبلغ سن الرشد.. فما الحل؟
طالما أن السياسة تقبض بخناق البلاد و تسيطر على القرار السياسي والإداري، وطالما أن السياسة والساسة تمتعوا بسعة في العمر الوطني خلال حكم البلاد منذ الاستقلال ولم يغادروا مربع الفشل، مما جعل كل مواطن سوداني في كل الأجيال السابقة والحاضرة يدفع فاتورة ذلك من التخلف والفقر الذي تعانيه بلادنا، فلا سبيل للخروج من نفق الفشل إلا بفصل مقادير الساسة والسياسة عن مقادير الشعب.. للساسة ملعب.. و للإدارة ملعب..
الشعب الذي أنجز ثلاث ثورات عظيمة، أكتوبر 1964، وإبريل 1985، وديسمبر 2018، كان يحلم بوطن جديد يحقق الكرامة بالمعنى الحرفي للكرامة التي تجعله شعباً لا ينتظر الهبات والإغاثات الدولية بل يمنحها هو للمحتاجين مساهمة منه في شراكة الإنسانية .. الشعب كان يحلم بتغيير يمس حياته الشخصية فلا يحتاج للهروب من وطنه ولو عبر مراكب الموت في البحر الأبيض المتوسط.. ولكن بعد كل هذه الثورات والسنوات الطويلة التي تغير فيها أوضاع شعوب أخرى كانت تكابد الفقر فنالت كرامتها.. لا يزال شعب السودان بل ربما انحدر أكثر في مقاييس الاحترام الدولي.. فهو موسوم بالحروب والفقر وضنك الحال وفقر الخيال يكابد الشظف والخير فوق ظهوره محمول..
الحل الناجع.. في فصل السياسة عن الإدارة..
والأمر سهل لحسن الحظ لأن الفصل المطلوب هنا لا يحتاج منشاراً ولا مطرقة ولا مقصاً.. فقط استخدام التشريعات.. السوفت وير الذي يدير ماكينة الوطن.