حول حديث البرهان في منطقة النيل الأزرق
كتب: تاج السر عثمان بابو
.
جاء حديث البرهان في منطقة “أولو” بالنيل الأزرق ذرًا للرماد في العيون، فقد أشار إلى أنه لم يتعرض لأي املاءات أو ضغوط خارجية وأن “الجيش لا يرتهن لأي سفارة وليس تابعًا للمؤتمر الوطني”، وهو حديث يتناقض مع حديث حميدتي حول أن السفارات هي التى تسيرنا، فالضغوط الخارجية التي خضعت لها اللجنة الأمنية بقيادة البرهان كانت وراء والتطبيع مع إسرائيل وتدخلها في الشأن السوداني، والانقلاب العسكري في 25 أكتوبر، واتفاق البرهان– حمدوك الفاشل لإنقاذ الانقلاب وتكريسه، والتوقيع على الاتفاق الإطاري الأخير الذي تم بتدخل خارجي كثيف وضغوط “بالعصا والجزرة” من المحاور الإقليمية والدولية بقيادة “الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات”، إضافة لتدخل مصر المكشوف عن طريق مخابراتها في الشأن السوداني، كل ذلك بهدف تلبية مصالح تلك المحاور في نهب ثروات البلاد، والداعمة للعسكر والدعم السريع وقادة حركات اتفاق جوبا، ولتكريس الانقلاب العسكري واستمراره في السلطة مع تغييرات شكلية، والاستمرار في القمع الوحشي لقوى الثورة الهادفة لإسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي والتغيير الجذري، والرافضة للتدخل الدولي في الشأن السوداني لتكريس مصالح الإمبريالية العالمية وحلفائها الإقليميين في نهب ثروات وأراضي وموانئ البلاد، كما في المشاريع المزمع قيامها في غياب الحكومة الشرعية والبرلمان المنتخب، والشفافية مثل: ميناء “ابوعمامة”، ومشروع الهواد الزراعي، وخط سكة حديد بورتسودان – أدري بتشاد، وبيع ونهب الأراضي… الخ. هذا فضلًا عن تحذير وزارة الدفاع الأمريكية السودان من عقد صفقات مع بعض الدول “الصين، روسيا”، بالتالي أصبح السودان طرفًا في الصراع الدولي لصالح الولايات المتحدة وحلفائها لنهب موارده وموارد بقية دول أفريقيا مع الصين وروسيا.
كما أشرنا سابقًا إلى أن انقلاب 25 أكتوبر تم بتدخل خارجي، وجرى التخطيط له عن طريق الترصد وسبق الإصرار، وجاء تتويجًا لتحركات الفلول كما في الاتي:
– انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 بهدف قطع الطريق أمام الثورة، وانتحال صفة الانحياز لها.
– الانقلاب الدموي في مجزرة القيادة العامة التي ما زالت تنتظر القصاص، والذي أعلن البرهان في بيانه وقف التفاوض مع قوى الحرية والتغيير والانتخابات المبكرة بعد 9 شهور.
– محاولات الانقلاب المستمرة، ومواكب “الزحف الأخضر ل”لفلول”، وتخريب الاقتصاد وخلق الأزمات في المواد التموينية، والتهريب للسلع، ورفع سعر الدولار، وتأجيج الفتن القبلية.
– المؤامرة المكشوفة بإغلاق الميناء، في شرق السودان بقيادة ترك و”الفلول” والمكون العسكري للانقلاب على الثورة باستلام العسكر للسلطة.
– تجمع قاعة الصداقة للعودة للحكم العسكري من بعض قادة الحركات المسلحة (مني أركو مناوي، جبريل إبراهيم، التوم هجو، عسكوري، مبارك أردول… الخ)، والدعوات لحل الحكومة وتوسيع قاعدتها لإشراك الفلول.
– الدعوة لموكب 16 أكتوبر 2021 المدفوع الأجر، وتحركات حميدتي في ساحة المولد ودفع مبالغ لخيام الصوفية، وتأجير الباصات لحشد طلاب الخلاوي وبعض الإدارات الأهلية المصنوعة والطرق الصوفية التي كان يحشدها الاستعمار وعبود ونميري والبشير ولم تنقذهم من مصيرهم المحتوم، وبقايا الفلول.
وكان الهدف من تلك التحركات المكشوفة تصفية الثورة وحل لجنة التمكين وتعطيل إنجاز مهام الفترة الانتقالية، وتكرار تجربة أكتوبر 1964 بإسقاط حكومة سر الختم الخليفة، وقيام الانتخابات المبكرة التي رغم قيامها بدون الجنوب، لم تحتمل الأحزاب التقليدية الديمقراطية وقوضتها بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، مما أدى لانقلاب مايو 1969، واستمرت الحلقة الجهنمية، وأخيرًا جاء انقلاب 25 أكتوبر الذي كان مكشوفًا ومتوقعًا.
وبعد الانقلاب تم إعادة التمكين والأموال المنهوبة للفاسدين وشارك الفلول عن طريق مليشياتهم مع قوات حركات جوبا والدعم السريع في القمع الوحشي للمواكب السلمية، مما ينفي حديث البرهان أن انقلابه ليس تابعًا للمؤتمر الوطني.
إضافة إلى الارتباط بمحور (السعودية- الإمارات- مصر) بهدف تصدير القوات السودانية لحرب اليمن التي تتعارض مع احترام استقلال وسيادة الدول الأخرى، وتصدير تلك الشركات المحاصيل النقدية لمصر والماشية، والذهب القذر الملوث بدماء ضحايا الإبادة الجماعية في مناطق التعدين واستخدام المواد الضار بالبيئة في استخراجه (السيانيد، الزئبق… الخ) إلى الإمارات وغيرها (على سبيل المثال بلغ صادر الذهب للإمارات العام 2020 حوالي 16 مليار دولار)، كما تدعم الإمارات مليشيات الدعم السريع بالأسلحة لنهب ثروات البلاد وأراضيها لمصلحة استثماراتها مع الدول الخليجية الأخرى، والتي تصل عقودها إلى 99 عامًا، فضلًا عن استنزاف المياه الجوفية، وعدم تعمير مناطق الاستثمارات، ونسب عائدها الضئيل للدولة، بالتالي عاد السودان لعهد الاحتلال التركي المصري عام 1821م بهدف الرجال (العبيد) والمال (الذهب) واستنزاف موارد البلاد الزراعية وأراضيها وتصدير الأرباح لتلك الدول مع إفقار شعب السودان وحكمه بالحديد والنار والمزيد من الضرائب والجبايات، وإبادة السكان الأصليين كما يجري في دارفور، وجنوب النيل الأزرق جنوب وغرب كردفان، والشرق… الخ، بهدف نهب أراضيهم أو حواكيرهم وثرواتهم الحيوانية والاستيلاء على مناطق التعدين.
يتم هذا النهب الذي يُقدر بعشرات المليارات من الدولارات لموارد البلاد الكافية لتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية والمعيشية، في ظروف تنهش فيها الأمراض المواطنين وسحب الدولة الدعم عن الصحة والتعليم والدواء، مما أدى لخروج حوالي 7 مليون طفل من التعليم، والارتفاع المستمر في الأسعار وتدنى الأجور، وشبح المجاعة الذي يهدد حوالي 15 مليون مواطن سوداني جراء تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي بسبب ارتفاع مدخلات الإنتاج والضرائب الباهظة ومشاكل الري وارتفاع أسعار الجازولين والكهرباء، والتقاوى الفاسدة.
أدى ذلك لاتساع المقاومة الجماهيرية للسلطة الانقلابية بمختلف الأشكال مثل:
– استمرار المواكب والمليونيات التي تنظمها لجان المقاومة والقوى الثورية والتجمعات النقابية والمطلبية لإسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي، ورفض التسوية الهادفة لتصفية الثورة.
– إضرابات المعلمين والعاملين في الضرائب والخدمات الصحية… الخ، ومقاومة الطلاب والأطباء للارتفاع الكبير في رسوم الدراسة.
– اتساع الحراك الجماهيري في الشرق رفضًا لقيام ميناء “ابو عمامة”.
– مقاومة جماهير دارفور للجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تقوم بها مليشيات السلطة الانقلابية بهدف نهب الأراضي والمزارع والثروة الحيوانية وحرف القوى وتشريد سكانها، إضافة للمقاومة في جنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان والشرق لنهب الأراضي.
– مقاومة الجماهير في مناطق التعدين لنهب موارد البلاد، وتدمير البيئة باستخدام مادة “السيانيد” الضارة بالإنسان والنبات والحيوان والمياه الصالحة للشرب.
– مقاومة مشروع “الهواد” من القبائل القاطنة في أراضي المشروع وصاحبة الحقوق التاريخية.
– مقاومة انتهاكات حقوق الإنسان كما في القمع الوحشي للمواكب السلمية والتعذيب الوحشي للمعتقلين وعودة بيوت الأشباح والاغتصاب.
كل هذه الأشكال من المقاومة “إضرابات، مواكب، وقفات احتجاجية، مذكرات… الخ”، وغيرها تتطلب المزيد من التنسيق والتنظيم، وقيام المزيد من التحالفات القاعدية في الأحياء ومجالات العمل والدراسة، ومواصلة انتزاع النقابات بعقد الجمعيات العمومية وتحقيق القيادة الموحدة، لتطويرها إلى الإضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وتحقيق البديل للتهريج الذي يجري باسم الاتفاق الإطاري الهادف لتكريس الانقلاب العسكري وقوات الدعم السريع، وفساد حركات جوبا في السلطة، وردًا على بيان الصحفيين والكتاب الذين دعموا الاتفاق الإطاري بحجة أنه لا يوجد برنامج بديل له، علمًا أن البديل موجود كما في المحاور الأتية:
– تفكيك التمكين فعلًا لا قولًا وعودة كل الأموال الأراضي المنهوبة، وضم شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات وجيوش “الكيزان” وقوات الحركات المسلحة، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وإصلاح القوات النظامية والنظام العدلي والقانوني بتفكيك التمكين داخل تلك المؤسسات، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين وتوفيق أوضاعهم، وتحقيق مهنية وقومية الخدمة المدنية والنظامية.
– تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، وزيادة الأجور مع تركيز الأسعار، وتحقيق مجانية العلاج والتعليم، ودعم السلع الأساسية الوقود والكهرباء والدواء.
– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وسن قانون نقابات الفئة الذي يضمن ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، تحقيق العدالة بمحاكمة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
– إلغاء اتفاق جوبا الذي فشل في وقف الحرب وتحول لفساد ظاهر ومنافع لأسر محددة بعيدًا عن مصالح جماهير دارفور والنازحين والمنطقتين، والحل الشامل والعادل الذي يحقق السلام المستدام، وعودة النازحين لقراهم وإعمار مناطقهم، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية وتوفير مياه الشرب والكهرباء وبقية الخدمات… الخ، وعودة المستوطنين والمحتلين لبلدانهم، وجمع السلاح وحل المليشيات، ومحاكمة المتورطين في جرائم الإبادة والجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
– إعادة النظر في كل الاتفاقات حول الأراضي التي تصل عقودها إلى 99 عامًا، واتفاقات التعدين الضارة بشعب السودان وأجياله القادمة، وعودة أراضي السودان المحتلة (حلايب، شلاتين، ابورماد، الفشقة… الخ)،- قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم.
– قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية الذي يتم التوافق فيه على دستور وقانون انتخابات ديمقراطي، يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.