*” العسكريون” و ” الدعامويون” !! إلى الحوار بحل تاريخي أو حسم تاريخي* !!

0 71

كتب: محجوب حسين

.

الإنتقال السوداني “الشربكة”!!، كم هائل من قوى ضدية و عنوان تضادها هو السودان/ الحكم!! فنجد ، قوى مدنية ضد قوى مدنية، ثورية ضد قوى ثورية، و الأخيرة ضد المدنية و العسكرية. أيضا عسكرية ضد عسكرية، و المدني ضد العسكري و العكس صحيح، و يقولونه شعبيا هكذا ” هذا عسكري ساي، و هذا مدني ساي أو أفندي ساي، و اضيف إليها بتعمد، هذا عسكري خلا ساي، أو جنحويدي ساي أو توربورا ساي “، هذه الثقافة المعيارية و بعناصرها التي تختزل الآخر، تشكل سلوك مشهد فسيفساء قوى الإنتقال و مكوناتها المتحالفة تكتيكيا و براغماتيا او حتى بإستلاف مصطلحات و مفاهيم تحالفية/ قيمية- تعبر عن سياق تاريخي لفضاءات أخرى- لتدمغ بها نفسها، إعجابا بالمصطلح/ المفهوم و دون ان تجتهد في بحث ماهيتها لكي تعمل على تبيئتها أو على الأقل تشبهها بالقياس!!، هذا طبعا دون البحث عن شرعية بعضهم من عدمها!! و حسب مؤشر آخر بورصة سياسية في سوق الإنتقال، هم من الآتى: ” الكتلويون، المقاومون، ، الإطاريون، الدعامويون، العسكريون، الجذريون، الوطنيون، الصامتون،، الناقمون’ .
*توزان الرعب*
في هذا الخضم، إذا كانت هناك “شربكة مدنية” للإنتقال، ففي الإتجاه الآخر، المهم و الأكثر أهمية، ” الشربكة العسكرية” المنتجة للشربكة الأولى، أو على الأقل المتحكمة في تفاعلاتها، و حري القول هنا، أن الإنتقال السوداني رغم صناعته المدنية و التي أنتجت ” شراكة”- إختلف الناس حول تفاصيلها و تداعياتها- إلا أنه إنتهي اليوم إلى إنتقال تفاصيله عسكرية مئه في المئه، بل الملاحظ عمليا أن كل ما يجري في السوق السياسية للإنتقال يعتبر جزءً من تداعيات الإدارة التكتيكية لثنائية توازن القوى العسكري” القطبية العسكرية” المسيطرة على الإنتقال و طبيعة نسق تنافسهما الذي يتأرجح في شبكة تمدد علاقاتهما وفقا لموازيين توسع مراكز النفوذ و القوة و السيطرة التي يتمتع به أحد طرفي الثنائية ضد الطرف الآخر أو العكس قصد تعزيز الموقف و النفوذ السياسيين و كذا التمكن من إمساك و إحتكار أوراق إدارة لعبة التنافس البيني و عين كل واحدة من نادي القطبية العسكرية نحو الأول في كرسي السلطة بعد إنتهاء فيلم الإنتقال!! و يتمدد تنافسهما و تسابقهما، داخليا و خارجيا للبحث عن توفير إعتراف ما!! خصوصا و الخيارات الوطنية للسودانيين لم ترتب بعد، كما لم تحسم و لا هي محددة ببنود و بدقة حتى اللحظة، فضلا عن ذلك، ليس هناك خيار وطني واضح للسودانيين في تشكيلاتهم الإجتماعية و الثقافية، غير تلك الرامية في الاصل إلى إنهاء عقلية منظومة التمركز من طرف قوى” المحيط” عبر العمل على تقويض مؤسسات الهيمنة السلطوية مع أذرعها الأيديولوجية و الثقافية و الشعبوية و الإعلامية و الإقتصادية و التي أطلقنا عليها مصطلح ” التمركزلوجيا”، هذه القوى تقابلها القوى المتمركزة، صاحبة “الصك” التاريخي و التقرير و القرار و الإمتياز و التي تعمل على المقاومة، كردة فعل طبيعة و إن لم تكن موضوعية، و ذلك عبر أدوات و لافتات و خطابات معلومة و بألغام لأجل الحفاظ على “ التمركزلوجيا”. أعضاء هذا النادي يريدون تغييرا على نسق الإستمرارية فقط و دون المساس بالبنية السلطوية ، فيما القوى العسكرية الصاعدة، مست البنية في الشكل و جزء بسيط في المضمون الذي لم يكتمل، لسبب عدم توفر أدواته!! و عليه، كل هذا التشاكس و خلط الاوراق الذي أدى إلى ربكة في تفكير هذه القوى، حيث باتت توزع في الاتهامات و الفبركات و الفرقعات و خوض الحروبات الإعلامية، شمالا و جنوبا و غربا و وسطا، و مع كثير من المناورات في بوصلة تائهة، كان أخرها إعلان قائد عسكري حركة مساحة داخل الخرطوم و بحضور إعلامي و رعاية !! فيها يتضح بجلاء ان حتى وضع القانون نفسه في البلاد و تفسيره و تأويله لصالح المهيمن و لم لا ربما الفعل نفسه من صناعته و ذلك لخلق توازن ما كما قال زعيم حركة التمرد الجديدة!! المؤكد في هذا المشهد و الذي لا يعتريني فيه أدنى شك، إن لم تتم التسوية الوطنية العادلة و بشراكة حقة سوف يتحول ترمومتر الصراع السوداني الذي بلغ زوايته الحادة في هرم الأزمة السودانية او السودان الأزمة إلى مصادمات ثنائية و جماعية حادة لأنها هي نهائية في حركة التاريخ و بألسنة النيران و المدافع و حتى النووي إن وجد!! ، لغاية حسم الفشل او مكافحته، و الأهم فيه صراع التاريخ أو الخروج منه، هذا المعطى حقيقي، دون غش أو إلتفاف و هو واضح لكل من يقرأ و “يُذاكر” دروس اليوم باليوم لترمومتر متن إشكاليات الأزمة التي بلغت المقفلة و الإنسداد و لابد من إنفراج ما، مرن أو عنيف و القبول بنتائجه. و هذا يؤكد بأن السودانيين على أعتاب حوار نهائي أو تعويضها بحرب نهائية لفك العقدة و الشفرة و الإنسداد، طبعا مع عدم وضوح التراص و الإصطفاف الإجتماعي و الثقافي و الجهوي و الشعبوي الذي قد تأخذه التشكيلات، منفردة أو مجتمعة، و يقع هذا في زمن ما و مكان ما!!، و ياتي ذلك رغم إجتهادات القطبية العسكرية في إدارة تضاداتها بحرفية عالية من الصمت و التكتم و تمرحل خطواتها بمهارة إلا ما ندر أو تسرب . و في بديهية أخرى، هذه القوى ثمة ضرورات تتطلب منها فنيا أن تكون يقظة، محكمة، و هذه لا تتم إلا في ظل تسابق إستخباراتي و عسكري و سلاحي، يفرض نفسه و ،مطلوبا و تتطلبه مرحلة الصراع التي لم تنتهي دون رجحان طرف على طرف و بلوغ مبلغ ما من “الشرعية” المطلوبة أو محاولة الوصول إليها، اي الحكم ما بعد تآكل الإنتقال أو الذي يمضي في التآكل !! ، هذا ما تشير إليه قراءات أكثر من راصد للشأن السوداني، وطنيا و أجنبيا.
الآن الثنائية القطبية العسكرية المتحكمة في ما يسمى ب”عسكرة الإنتقال” – هذا الإنتقال الذي تجاوز ثوريته- و كشأن كل الثنائيات العسكرية حتى داخل المؤسسة الواحدة، أنها تتعايش معايشة مُنفرّة على شاكلة ” اخاك مجبرا لا بطل” و لكنها ملزمة و مجبرة و مقيدة ب ” توازن الرعب” بتلبية الشروط الموضوعية للصراع و عدم تجاوزها لإختبار تقنية التكتيكات في المعايشة المؤقتة و المساكنة و بتوظيف جيد للبنى المدنية و الأهلية و السياسية التي لم تستطيع من لعب أي دور فاعل دون دعم أحد أطراف الثنائية العسكرية، اي دعم طرف عسكري لطرف مدني، علما ان الاخير يتفنن في إختراق إحدى الفواعل العسكرية عند حدوث هزة و شروخ واضحة بين طرفي الثنائية، و هي المساحة التي تخلق مسافة مؤقتة قد تباعد بين طرفي الثنائية، لكنها لم تصل إلى درجة القطيعة و الجمود لانها تتنافي مع طبيعة السلطة و سيرورة إستمراريتها وفقا لشروط كل مرحلة!!. أما حديث “خروج” المؤسسة العسكرية من الخدمة السياسية، أولا، مثل هذا الأمر لا تحدده قرارات فوقية و لا يمكن البرهنة عليه و ليس هناك ما يدلله واقعيا، ما لم يكن هناك تيار و طني عام ديمقراطي حسم خياراته الوطنية نحو الديمقراطية، و يقابله كذلك، تيار عسكري وطني حسم خياراته نحو الديمقراطية بالمثل، و المتأمل لا يجده في الإتجاهين . لهذا، الجانب المعاكس في القرار و ربما الاقرب في التحليل و التفسير، فهو قرار يرمي إلى محاولة قطع الطريق على القوى الموازية و الصاعدة الجديدة من لعب أي أدوار سياسية مرتقبة و العمل على إدخالها بيت “ الطاعة التمركزلوجي” و إحتوائها بجراحات بيضاء و قوالب معدة سلفا، تتعاون و تشترك فيها حتى بعض القوى الإقليمية و العالمية و قوى سياسية محلية تنتمي تاريخيا إلى الدولة العميقة في نظام الهيمنة السائد تاريخيا، و الأمر هنا لا يتعلق بالنظام البائد” الفلول” فقط، و ذلك لما تعتبره تلك القوى مجتمعة وفق- ” مذكرة التفاهم السرية و الجماعية و الضمنية’ أن القوى الموازية العسكرية الصاعدة هي المهدد الحقيقي لهيمنة نسق الحكم الإجتماعي التاريخي السائد في البلاد، و هنا من الضرورة بمكان فتح هذه النافذة التي تقول أنها قوى تبينت و بشكل لا يدع مجالا للشك في نظر المهيمن انها قوى، لا مرحباً عليها و لا مُرحب بها في جغرافيا سلطوية الحكم السوداني ” المكان الذهني” و الذي يختلف عن كونه عاصمة البلاد بوعي المشترك. ” المكان السلطوي”، سلطويا تفرز ، لذلك هنا الفرز مهم و الوعي به ضروريا، حيث كثير من الناس تعتبر الخرطوم عاصمة الحكم في البلاد و لكن في العمق تتقاطع عند الذهنية في كونها جغرافيا الحكم، و هي جغرافيا خاصة لها مواصفاتها و شروطها و مرجعياتها التي لا تنطبق على كثيرين في مرحلة الغربلة و التصفية! ا. و نعود الى ما قبل النافذة بالقول، أن هناك قوى أخرى ترى في القوة العسكرية الصاعدة التي تشكل إحدى أذرع القطبية، أنها قوى مهمة لتوازن النسق حتى يكمل مسلسل إنهياره لوحده، حيث هو يتراجع و يتآكل لفائدة ترتيبات وطنية جديدة، علما أن هناك محاولات عديدة مرئية و غير مرئية لإحتواء هذه القوى و مهادنتها على مراحل، و إلى حين ان يأتي زمن تفكيكيها و التخلص منها!!.
إلى ذلك، في طقس الشربكة هذا، سقطت مرجعيات و مفاهيم و تغيرت حمولاتها و ما عادت ذات أثر، كما في الثقافة في العلاقات الإنسانية و الإقتصاد، أيضا في السياسة و القوات العسكرية و ما تصبغ بها نفسها في كونها كذا و كذا. كل شيء بات خاضعا للفحص و التشكيك، تبدلت القناعات و المسلمات و التابوات و الشرعيات و ما عادت الشرعنات العامة و الشرعيات إن وجدت، تحمل صفة خضوع المجتمع و لها فاعلية التوظيف و الإستهلاك و “البلع” كما كانت في الماضي القريب نهايك عن البعيد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة من ينظر لواحدة من قوى هذه القطبية العسكرية للإنتقال ما هي إلا الذراع القوي، قوة أداتية- اي أداة – لتكريس و حماية و إستمرارية نسق الهيمنة الذي يراد تقويضه، جاء في ممارسة الوصاية أو التحكم كوعي و سلوك و بيداغوجيا لمتن الدولة الوطنية الأولى التي سقطت، و هناك من ينظر إلى القوى العسكرية الصاعدة في لعبة الثنائية العسكرية– رغم النعوت التي دمغت بها، انها العنصر الأهم الذي وفرٌ مجالا واسعا لعدد من القوى للمناورة في إطار الصراع السوداني/ السوداني عبر ما حققتها من توازن للقوى و مهمتها كما يرى بعض المراقبين في أن تتحول الى قوى سياسية و تتحمل مسئولية تاريخية” و هذه تتطلب هندسة خاصة و مفاتيح معينة” و عبر صناعة تحالف لتقويض عقلية “ التمركزلوجيا”، هذا التوازن القائم على فعل التقويض لصالح إعادة هيكلة الدولة من جديد و بمسلمات وطنية ثابتة و واضحة و متفق حولها و لها شرعية و مشروعية كاملة و بالتالي فهي مختلفة و مغايرة، و لا يقع هذا إلا عبر حوار وطني كما اشرنا بين طرفي الثنائية العسكرية الممسكة بالإنتقال و هما الجيش و قوات الدعم السريع دون إلتفاف أو غش، و أن يتم تصميم هذا الحوار- ” الذي اشرنا الى عناوينه الكبرى في عديد مقالتنا السابقة و المصوبة على نقد حقبة الإنتقال بذات الجريدة” – و بدقة عالية و متناهية- اي مشروع الحوار الثنائي المقترح- وفقا لجدليات الصراع السوداني و القضايا المشتركة محل الصراع و الجدل ، حيث يبدأ من اعلى إلى اسفل و ليس من اسفل إلى اعلى، كما يؤسس لهكذا حوار، ان يكون تقنيا و معرفيا و باجندة وطنية كبرى و ليس حوارا صراعيا مع قوى متنافسة، مع أنها متنافسة!! بل حوارا لرسم جديد للدولة العاجزة، تلغى فيها الدولة الوطنية الأولى محل العجز و تدشن عهدا جديدا للدولة الوطنية الثانية و هذا يقابله إستحقاقات جادة يجب ان تتبلور في المباديء الوطنية العليا للدولة و يتم دسترتها و من ثم يبدا الإنتقال و التغيير، هذا المشوار الوطني ربما الاقصر و الاكثر وضوحا، حوار بين الثنائية العسكرية يؤسس لقطيعة و بفكرة تفكيك الدولة الوطنية الأولى، بحيث لا يقتصر على تمكين الإنقاذ على سبيل الحصر، بل إعادة هيكلة كل المؤسسات و مأسسة الدولة، و بأجهزة لمراقبة مبدأ المواطنة و صون التعددية محل الإشكالية السودانية الحقيقة، حتي يتسنى الشعب السوداني ان يتعرف على العنوان الآخر للسودان النهضوي في الأمد المنظور. و على إثر هذا التدشين الوطني الجديد لمرتكزات الدولة الوطنية الثانية، يقام مأتم جنائزي تودع فيها الدولة الأولى بعد دفنها، و كل يدعو بطريقته!!، ثمة من يدعو لها بالهلاك و آخر يدعو لها بالرحمة. ذات الشيء قداس ديني على طريقة الدين المسيحي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.