القضاء السوداني: فقرٌ مدقع في فقه الأولويات..!!

0 76

كتب: د. مرتضى الغالي

.

جاء خبر من القضائية… قلنا (خير إن شاء الله) ليت الخبر عن كبح عربدة بنادق الانقلاب أو عن القصاص العادل في حق ضحايا ميدان الاعتصام أو عن الدماء التي تسيل كل يوم في أقاليم السودان.. أو عن التعذيب والاغتصاب في النيابات.. أو عن قضاة الإنقاذ المرتشين أو عن إعادة انضباط المحاكم ولجان التحقيق المتلكئة المتواطية.. ولكن الخبر كان عن زيارة مولانا رئيس القضاء إلى كسلا.. للتحية وتفقد الأحوال ووضع (أحجار الأساس للمباني)..!!
نأمل أن يلحق بتشييد المباني إرساء المعاني.. وإنفاذ القانون وإنصاف البشر في وجه انقلاب جانح جائح طائح قاتل لا يعرف إلاً ولا ذمة لدماء الناس وحريتهم وكرامتهم..!! لا بأس من زيارة كسلا والانفتاح على الأقاليم ولكن ما هو حال القضائية في مقرها بالخرطوم..؟! إن استقامة حالها يعني بطبيعة الحال استقامته في كل أنحاء السودان حسب نظرية (الأواني المستطرقة).. ومتى كان نهجها الحرص على سيادة حكم القانون فإن ذلك سوف يسري على كسلا وعلى كل قرية ومدينة على امتداد جغرافية الوطن..!! نحن في حاجة شديدة للاطمئنان على استقلال القضاء تحت هذا الانقلاب الأهوج..!
كل مناطق السودان أولى بالرعاية وكل جزء من الوطن هو قطعة من أحشاء مواطنيه.. وكما يقول (العم المُعلّم محمد عثمان عبدالرحيم) كل أجزائه لنا وطنٌ.. إذ نباهي به ونفتتنُ / نتملّى جماله لنرى.. هل لترفيه عيشه ثمنُ).؟! غير أن الدماء التي بذلها الشباب من أجل الحرية والكرامة قد تأخرت عنها العدالة ونام عنها الإنصاف..! بل لقد تكرّرت الجراح وأزهقت الأرواح مجدداً برصاص الانقلاب وتتابعت حلقات الموت المجاني الآن وغداً في دارفور وفي النيل الأزرق وشرقاً وغرباً ولا نسمع عن العدالة شيئاً.. غير أن قوى غاشمة احتجزت صبيا صغيراً في (مثابة عسكرية رسمية) وعذّبته بفجور غريب حتى يشهد بالزور..!
هذه الزيارة الكسلاوية (على العين والرأس).. ولكننا لم نسمع تنويهاً مشابهاً عن قضايا سالت فيها دماء غزيرة وكان الناس يلتفتون كل مرة نحو (مركز العدالة) ليروا منه ولو مجرد (تطييب خواطر) المكلومين والقتلى والجرحى والمظاليم عما حاق بهم من ظلم بغير مسوّغ وعن (التعذيب الرسمي) في الحراسات.. وعن مدير السجن الذي رفض تنفيذ أمر القاضي وأحضر المتهمين للمحكمة مكبلين بالأصفاد وحبسهم في زنازين منفردة خلافاً للقانون.. ثم عندما أمر القاضي بفتح بلاغ ضد مدير السجن سمعنا بعد حين أن جهة قضائية شطبت البلاغ..! ولا بد أن رئاسة القضاء قد سمعت باعتقال احد أعضاء لجنة إزالة التمكين ووجهت لها اتهامات جسيمة ثم أطلقت سراحه بعد حين بلا ضمانة وبغير تحقيقات ولا تحرّيات بل استجابة لتدخلات من جهات تنفيذية و(انقلابية).. فأين العدالة في ذلك..؟! هل هو متهم يجب تعريضه للقضاء وإدانته وسجنه..؟ أم برئ يجب رد اعتباره قضائياً..؟! أم أن القانون يجيز للنيابة العامة (الاعتقال الكيدي) والإطلاق (حسب المزاج) أو من اجل خاطر ترتيبات سياسية نتيجة لتبدلات في مناخ السلطة الانقلابية..!!
للحقيقة أكثر ما يُزعج في زيارة رئيس القضاء لكسلا أننا علمنا منها أن ارث الإنقاذ البغيض لا يزال قائماً في ما يُسمى بـ(رئاسة الجهاز القضائي بالولاية).. وهي بدعة إنقاذية سياسية من أجل التحكّم الأمني في كل البلاد… وقد رأى الناس من هذه الأجهزة ومن ترأسوها من قضاة الإنقاذ المسيّسين ما تشيب من هوله الغربان..!!
وبالرغم من حديث “رئيس الجهاز القضائي” بولاية كسلا عن نهضة (لا نراها والله) قال إنها انتظمت أروقة الجهاز القضائي..! .. فإن أسوأ ما ورد على هامش هذه الزيارة خوض والي كسلا في ما لا يعلم.. وتسجيله إشادات مجانية بالأجهزة العدلية.. (إشادة على إيه يا حسرة)؟! بل أخذته الهاشمية وعاب على الناس الدعوة إلى إصلاح مؤسسات العدالة وقال (نقول للأصوات التي تتحدث عن إحداث إصلاحات في الجهاز العدلي أن أهله أقدر الناس على حل مشاكلهم بأنفسهم)..!!
ماذا يعني هذا الكلام الذي لا معنى له..؟! والي ولاية تحت سلطة انقلابية.. لا يرى ما يجري في الوطن.. لا يريد إصلاح أجهزة العدالة.. ولا يريد أن يصمت حتى لا يجري عليه ما جرى لـ(نسيب السلطان).. الله لا كسّب الإنقاذ..!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.