نحو حملة لدعم مجلس اتحاد الدراميين السودانيين
كتب: صلاح شعيب
.
سعدنا للغاية لاختيار اتحاد الدراميين السودانيين مجلسه الجديد بقيادة نقيبه الأستاذ الرشيد أحمد عيسى. فهذا الاختيار، وبما احتواه من عناصر مشهود لها بالكفاءة، يمثل نقلة من شأنها أن تعيد الاعتبار للفعل المسرحي والدرامي بعد الثورة. فالدراما السودانية تاريخُ ناصع منذ العشرينات، وكان تطورها يسير ساقاً بساق مع التطور الغنائي. بل إن التثاقف الدرامي سبق الغنائي من حيث الاستلهام من مسرح الجاليات الأجنبية الذي كان عماد قوامه الشوام، ثم تطورت التجارب في فترة اتحاد الخريجين، ثم بخت الرضا، وهكذا ازدهر مسرحنا عبر الأندية، والمدارس، قبل أن يرسي على جودي الاحتراف.
إذا عدينا الأستاذين خالد أبو الروس، وإبراهيم العبادي، من رواد الدراما السودانية الحديثة فقد كانا مشاركين بفعل موازٍ في تطوير الشعر الغنائي. وهذا يعني أن الضربين الفنيين كانا ملتحمين في الشخوص، والأفكار، والمقاصد. بل استمر هذا التقليد في جمع الدراميين بحسنى المسرح والغناء معاً ليكون للدراميين إسهام كبير في تطوير الشعر الغنائي استناداً على مساهمات إسماعيل خورشيد، والسر قدور، وهاشم صديق، إلى عز الدين هلالي، وقاسم أبو زيد، ويحيي فضل الله، ومجدي النور، وعاطف خيري، وهؤلاء على سبيل المثال.
العصر الذهبي للدراما السودانية كان جزء منه قد تبلور في فترة حكومة مايو، ووسط ديمقراطية ١٩٨٥- ١٩٨٩. وفي هذه الفترة شاهدنا قفزات كبيرة في التأليف، والتمثيل، والإخراج، ونسبة المشاهدة. وذلك بسبب أن غرس المعهد العالي للموسيقى والمسرح قد أتى أكله بكثير من الوعد. هذه التجارب التي قُدمت في الفترة المعنية تعددت مدارسها حتى وصل مسرحنا إلى التجريبي، وهو أعلى مستوى تمثل في إبداعات جماعة السديم، ومسرح شوف، ورافق ذلك وجود حركة نقدية درامية متطورة. على أن الدراما أيضاً في الإذاعة والتلفزيون قد استفادت من المعهد، وصرنا نلمس أشكالاً متعددة للمعالجة الدرامية عبر جماعة التلفزيون الأهلية بالتوازي مع جهد الرواد الذين كانوا حضوراً أمثال أحمد عاطف، وأمين محمد أحمد، ومكي سنادة، والخاتم عبدالله، وعبادي محجوب، وصلاح الدين الفاضل، ومحمد خيري، وعوض صديق، وعلي مهدي، ورابحة محمد محمود، وفتحية محمد أحمد، وموسى الأمير، وعبد الرحمن الشبلي، وفايزة عمسيب، وتحية زروق، وحمدنا عبد القادر، ويس عبد القادر، وحسبو محمد عبدالله، ومحمد شريف علي، والفاتح مطيع، وخطاب حسن أحمد، والسر السيد، وسلمى الشيخ سلامة، والقائمة تطول لهؤلاء الذين ينشطون في خشبة المسرح، وكذلك في دراما الجهازين. وجاءت فرق شبابية جديدة معظم أفرادها من الخريجين الذين أرادوا استخدام الحداثة في كامل النص الدرامي والمسرحي. ولا ننسى هنا تجارب مسرح الشارع الذي برعت فيه كواتو المسرحية بقيادة السماني لوال، وديرك ألفريد، وإسيتيفن أوفير. باختصار، كانت هناك مجهودات عظيمة قد بذلت من كل الأجيال في هذا المجال رغم العوائق الكثيرة في الإنتاج، والمناخ الاستبدادي.
-٢-
مجلس الاتحاد الجديد للدراميين أتى بعد فترة ثلاثين عاماً من التنميط الفكري، والثقافي، والديني، والذي ما كان ليسمح أن تقوم الأعمال المسرحية، والدرامية، بدورها في تعميق هدف الفرجة. وقد وجد هذا المجلس الجديد نفسه بلا مبنى، ولا دعم مادي، غير مساهمات قلة قليلة من العاملين في المجال بعد أن ساهم النظام السابق في تهجير عدد هائل من الخبرات المسرحية، والدرامية، ضمن استهدافه للمبدعين في كل المجالات.
إن استبشار كل المهتمين بالعمل الثقافي بخطوة تكوين المكتب التنفيذي للاتحاد، والذي أتى بعناصر ديمقراطية صلبة، ومبدعة، ومؤمنة بدورها في تشكيل سودان الغد، يمثل أكبر دعم معنوي للأخوات، والإخوان الدراميين، لإعادة المسرح إلى سيرته الأولى، والدراما الاذاعية والتلفزيونية إلى رونقها من خلال دعم الشحيح من التجارب الإيجابية التي وجدت طريقها للنور في الفترة الماضية.
برغم أن نضالات الشباب السوداني انتهت إلى الاعتصام أمام القيادة العامة الذي كان مسرحاً عريضاً للفن، والفرجة، إلا أن المسؤولين الذين تسنموا إدارة العمل الثقافي بعد ثورة ديسمبر لم يستلهموا من مسرح الاعتصام العريض لدعم الدراميين، والمسرحيين، من أجل تجسيد أعمالهم مسرحياً، وإذاعياً، وتلفزيونياً. وللأسف كان الاهتمام بالمنابر، والاتحادات الفنية، ضعيفاً من قبل الوزارة المغنية رغم أن المتوقع كان هو رد الاعتبار للمبدعين الذين تم سجنهم، وتشريدهم من المهنة، وتعذيبهم من قبل النظام السابق.
-٣-
في تواصل مع نقيب اتحاد الدراميين أشار لي أنهم لم يجدوا شيئاً، ويريدون أن يبنوا من الصفر، والاهتمام أولاً بالكادر لكون أن ذلك يمثل حجر الزاوية في البناء الدرامي، والمسرحي الجديد، ولكن كيف؟! فضلاً عن ذلك استهل المجلس الجديد مهامه بزيارة الرموز التي قدمت مساهمات عظيمة في العاصمة، والأقاليم، حتى يكون للاتحاد تأثير على مستوى القاعدة الإقليمية. وتلك أسبقية تمليها أهمية إعادة الروح لمسرح الأقاليم، والذي كانت له نشاطات في كل المدن السودانية.
الرشيد أكد أنه مع زملائه يعملون وسط بيئة شاقة تحتاج منهم لمعجزة حتى يفوا بأماني، وتطلعات القاعدة التي انتخبتهم. ليس فقط للدفاع عن حقوقها فحسب، وإنما لتثوير العمل في المجال. وذلك على ضوء الاستبشار الكبير بأن ثورة ديسمبر مهدت المجال إلى تأسيس، وخدمة المشروع الثقافي الذي هو بمثابة محط الانطلاق لحلم الدولة الوطنية، والذي لا يتحقق إلا ببناء قدرات الإنسان، والفن إجمالاً عنصر مهم في هذا. ولهذا يستحق المشتغل في المجال الاعتناء به ما دام المسرح أب الفنون، ويستطيع أن يؤثر في نمط الحياة نحو الأفضل.
كنا قد تداولنا بوصفنا عدد من المهتمين بالعمل الدرامي في الخارج في شأن أهمية دعم المجلس الجديد لاتحاد الدراميين، خصوصا أن هناك عدداً مهولاً من الدراميين وخريجي المعهد العالي، والتي تحولت إلى كلية تابعة لجامعة السودان. ونعتقد أن دعم المجلس مادياً، وعينياً، بعد ضرورة لكل المهتمين بالعمل الثقافي أيضاً.
نأمل أن تتسع فيوض الوفاء من كل السودانيين في الخارج لابتدار حملة لإعانة المجلس الجديد للدراميين الذي تقع عليه أعباء جسام لعودة العافية للمسرح السوداني الذي قدم المزيد من الوعي والاستنارة، ولعون الدراما الإذاعية والتلفزيونية التي استنفع بها كثير من الأجيال السابقة، وذلك لدفع عجلة الديمقراطية، وترقية الاستنارة، وبناء دولة المواطنة.
.