لا وجود لثورة مسلحة في دارفور اصلاً
كتبت: رشا عوض
.
جميل جدا ان بعض المخلصين لقضية دارفور من أبناء دارفور نفسها ارتفعت أصواتهم بنقد الحركات المسلحة وقادتها من لوردات الحرب، وبعضهم يطالب بتصحيح مسار الثورة المسلحة.
حتى ينجح تصحيح الاوضاع في دارفور لا بد من تشخيص الواقع هناك بتجرد، والاعتراف بحقيقة عدم وجود أي ثورة مسلحة في دارفور حتى يتم تصحيح مسارها! هناك حروب وكالة مصنوعة احرقت الاقليم وعذبت الأبرياء وشردتهم ولكن لم تكن ضمن أجندة المحاربين على اختلافهم انصاف اهل دارفور من الظلم وتغيير واقع حياتهم للأفضل.
الحركات المسلحة في دارفور بعضها صنعه الترابي لتصفية حساباته مع المؤتمر الوطني بعد المفاصلة، وبعضها صنعه جون قرنق في إطار مشروعه لاحكام الحصار على المركز من الغرب والشرق إضافة إلى الجنوب حتى يصبح هو زعيما لكل المهمشين وعلى هذه القاعدة يمكن أن يحكم السودان عبر الانتخابات، وكانت النتيجة ان المركز ابتلع كل قيادات الغفلة المصنوعة على عجل بل واصبحت هذه القيادات مؤذيةللهامش اكثر من المركز نفسه!!.
دارفور كانت مسرحا لصراع السلطة البائس في الخرطوم، وبالتالي لا مفاجأة في ان ممارسات جبريل ومناوي في السلطة اكثر انحطاطا من ممارسات الكيزان، حتى عبد الواحد طريقة إدارته لحركته نموذج للاستبداد وليس فيها أي رائحة للثورية النبيلة .
ما هي النظرية الثورية لكل حركة من حركات دارفور المسلحة؟ ما هو برنامجها للتغيير الاقتصادي والاجتماعي سواء في الاقليم او على مستوى السودان ككل؟ أين هي القيادات المؤهلة فنيا واخلاقيا لقيادة الثورة المزعومة؟ ما هي قدراتهم الفكرية او التنظيمية وماهي مشاريعهم لتنمية دارفور او تحريرها المزعوم ؟ لماذا تنقسم حركة دارفورية واحدة قوامها قبيلة واحدة إلى عشرة وعشرين وثلاثين حركة؟
لم تطرح هذه الأسئلة بجدية ولذلك (حدس ما حدس)!!
السودان لم يشهد ثورات مسلحة بالمعنى الدقيق للكلمة، حتى في جنوب السودان قبل انفصاله وفي جنوب كردفان وفي النيل الأزرق.
حروب السودان على أحسن الفروض هي احتجاجات مسلحة او تمردات عسكرية اندلعت في وجه السلطة وكان وقودها المحرك هو المفاصلات العرقية والقبلية، لم يكن لها رؤي فكرية او تقاليد سياسية ثورية ، تبدأ الحرب أولا ثم تتم على عجل صياغة منفستو بواسطة القائد ، وفي الغالب لا يقرأه احد!
الثمار المرة لهذه الحركات امامنا: دولة فاشلة في جنوب السودان مستنسخة من دولة الكيزان، لوردات حرب في دارفور فاسدون متحالفون مع أقبح رموز الدولة المركزية التي زعموا انهم حاربوها ، اي مع الانقلابيين في الجيش وفلول المؤتمر الوطني واساطين الفساد الاسلاموي.
شخصيا، كنت من أشرس المدافعين عن هذه الحركات المسلحة من باب الانحياز الصادق للمهمشين في الجنوب قبل انفصاله وفي دارفور وجنوب كردفان.
لقد أخطأت في دفاعي عن حركات مسلحة دون أن اتفحص بدقة مدى تأهيلها الأخلاقي والفني لنصرة قضايا المهمشين.
الان وبعد ان رأيت المآلات ليس أمامي سوى الاعتراف بخطأ تقديراتي، تظل قضية الهامش عادلة ومن واجب كل الاحرار والشرفاء النضال من أجل رفع المظالم التنموية ومكافحة العنصرية والتمييز ضد اقاليمنا العزيزة غربا وشرها وجنوبا، وهذا الواجب يقتضي كشف حقيقة المحامين الفاشلين ممثلين في الحركات المسلحة.