العسكرة: Militarization

0 54
كتب: د. إبراهيم الأمين 
.
في خطاب مغادرة البيت الأبيض في 17 يناير 1961م حذر الرئيس الأمريكي داويت ايزنهاور من التهديد الذي يشكله المجمع الصناعي العسكري على الديمقراطية الأمريكية، حيث تمارس من خلاله المؤسسة العسكرية نفوذاً وتأثيراً كبيرا على الحياة الاقتصادية والسياسية، هذا التحذير كان له أثره على الفكر السياسي الأمريكي خاصة والغربي عامة في البحث عن الآليات والأسس القانونية لمنع العسكرة وتنظيم التفاعل بين الحكومة المدنية والمؤسسة العسكرية في حالة السلم ووقت الحرب وتوفير دعائم الحكم الديمقراطي فيما يتعلق بالفصل بين السلطات والرقابة الديمقراطية للقوات المسلحة. لقد نجحت الدول الغربية في ادارة هذه العملية بطريقة توافق طبيعة نظامها السياسي، اذا يلاحظ أن المظهر الأهم في العلاقات المدنية العسكرية في النظام الديمقراطي هو خضوع القوات المسلحة أو المؤسسة العسكرية للسلطة السياسية المدنية، وهذا ما يعزز الممارسة الديمقراطية في أية دولة، كما شهدت تجارب ناجحة في الانتقال خاصة في أوربا الشرقية وجدت موقعاً مناسباً للدفاع والمؤسسة العسكرية في مجتمعاتها، وأصبحت السيطرة المدنية على العسكريين من أهم مؤشرات تحولها #الديمقراطي . ولكن على العكس من ذلك، ما زال عدد من الدول النامية تعاني من عدم استقرار اوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية بسبب العسكرة في مختلف مظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحولت الى ظاهرة لصيقة بالأنظمة الاستبدادية.
العلاقات المدنية العسكرية:
اهتم عدد مقدر من المفكرين والباحثين بالعلاقات المدنية العسكرية، في مقدمتهم صمويل هنتينكنون.
نظرية صمويل هنتينكنون تقوم أسسها المعرفية على مبدأ سيادة السلطة المدنية على العسكرية وكان الهدف منها هو وضع قواعد تفسر خطورة الاعتداء على الحكم المدني من طرف العسكريين، وعدم شرعية الانقلابات العسكرية واستحوذت على اهتمامات علماء الاجتماع العسكري. منهم موريس جانويتر في كتابه الجندي المحترف وصمويل فاينز والمجلة المتخصصة في هذا المجال القوات المسلحة والمجتمع Armed forces & Society منذ تأسيسها عام 1974م بجامعة شيكاغو، حيث قاما بدراسة الجيش كمؤسسة اجتماعية وتحليل التأثيرات المتقاطعة بينه وبين مؤسسات الدولة الأخرى وذهبت هذه الأدبيات الى القول بأن العلاقات المدنية العسكرية يغلب عليها جانباً من الصراع، لكن خضوع العسكر للمدنيين أو تجنب العسكرة يجعل هذا الصراع محدوداً وتتوقف فعاليته على درجة فعالية السيطرة المدنية.
نشأة العسكرة:
العسكرة ظاهرة قديمة سابقة على نشأة الدولة القومية. ولكن البحرية الأمريكية وظهور مرسوم الأمن القومي في عام 1947م شكل ركيزة في منظومة غير صراعية في العلاقات المدنية العسكرية وحسم مسألة خضوع العسكر للقيادة السياسية، باعتبار ذلك يمثل مبدأ جوهرياً من مبادئ الديمقراطية والجدير بالذكر أن الفكر الليبرالي يرفض فكرة العسكرة ويهتم بالتركيب المدني للمجتمع. وهو مجتمع لا يحكمه العسكر ولا رجال الدين وتسود فيه سلطة القانون وحل النزاعات عن طريق الحوار والتفاوض وليس العنف.
التداعيات السلبية للعسكرة:
العسكرة بكل مظاهرها ومخرجاتها تمثل تعبيراً عن أزمة في العلاقات المدنية العسكرية، لأن وجود الجيش في مختلف مناحي الحياة يحول المجتمع الى معسكر خاضع لرقابة دائمة، كما أنه يشكل تهديداً حقيقاً للطابع المدني للدولة ونسيجها الاجتماعي والاقتصادي، باعتبار ان العلاقات تقوم على القمع والسيطرة على الدولة والمجتمع، حيث يترتب عليها طغيان الطابع العسكري على الطابع المدني في النظام السياسي، وتتعرض الحريات العامة و #حقوق_الإنسان ومبادئ التداول الديموقراطي على السلطة للخطر. وتمنح الأنظمة الديكتاتورية التي تنتشر فيها العسكرة صلاحيات غير محدودة للجيش فوق القانون والدستور، مما يؤدي إلى التقاضي عن الممارسات غير المشروعة وتسخير الموارد البشرية والاقتصادية لصالح المؤسسة العسكرية. لذلك يقال ان العسكرة رديف لغياب سمو سلطة القانون والدستور واستغلال القضاء ويترتب عليها تغييب لدور المجتمع المدني كقوة موازية لمنظومة العسكر وكآلية لتمثيل المواطنين بعيداً عن القطاع السياسي الرسمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.