رداً على الرسالة (المفتوحة) للدِّكتور/ الواثق كمير.
كتب: عبد العزيز آدم الحلو
.
بتاريخ 20 مارس 2023 نشر الرفيق – الدكتور/ الواثق كمير – عبر وسائط الإعلام – رسالة مفتوحة موجَّهة إلينا بعنوان: (لم لا تدعُ إلى تمرين دستوري)، داعياً لأن يكون هذا التمرين الدستوري في مدينة (كاودا) – مؤكداً مبدئية الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال تجاه كافة القضايا. وكيف إنها نجحت في بناء تحالفات وتوقيع إعلانات سياسية مع العديد من القوى السياسية.
وإعتبر ذلك إمتدادا تاريخيا لدور الحركة الشعبية في سعيها لتحقيق إجماع (سياسي) بين القوى السياسية ومُنظمات المُجتمع المدني كافة حول القضايا الوطنية .. إلخ.
كما سرد مواقف الحركة الشعبية منذ نشوئها، ومثابرتها لبناء التحالُفات مع معظم القوى السِّياسية ومُنظَّمات المُجتمع المدني مثل: (التجمُّع الوطني لإنقاذ الوطن / كوكادام بأثيوبيا – 1986 كأول محفل يجمع القوى السِّياسية والنقابية مع مُعارضة مُسلَّحة، ثم مُبادرة السَّلام السُّودانية – إتفاقية “الميرغني – قرنق – 1988” التي أمَّنت على قيام المؤتمر الدَّستوري، التجمُّع الوطني الديمقراطي – ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية – يونيو 1995 .. .ألخ).
وقد إعتبر د/ الواثق – مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية بمثابة (مؤتمر دستوري) مُصغر.
وكل ما ذُكِر صحيح.
نحن نُرحِّب بالرِّسالة المفتوحة من الرفيق – الدكتور/ الواثق كمير، وبكل ما جاء فيها ونُشجِّع أي مُبادرة جادة تهدف إلى توحيد السُّودانيين حول مبادئ تقود لإعادة بناء الدَّولة السُّودانية على أسُس جديدة.
وبالطبع فإن الكثيرين ينتظرون ردَّنا على هذه الرسالة التي تم توجيهها إلينا – وللآخرين .
ردنا على هذه الرسالة يجيئ على النَّحو التَّالي:
أولاً: إنه رغم تقديرنا لقيمة التمرين المقترح في رفع الوعي القانوني للقوى السياسية وكل مكونات المجتمع بالبلاد، إلا إن الظروف الحالية للدَّولة السُّودانية تختلف عن ظروف التسعينيات – حيث ما عاد السُّودان موحداً كما كان، ولا القوى السِّياسية هي (هي) .. أو ما تزال تُفكِّر الآن بتلك الطريقة التي ذُكرتها في الرسالة.
ترى أغلبية هذه القوى الآن إمكانية سحق الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال عسكرياً والتخلُّص منها ومن أجندتها، والمضي قدماً على أساس برنامج السُّودان القديم ومرتكزاته المعلومة – (منطق القوة والغلبة)، متكئين في ذلك على الإرث القائم على العنف كمصدر أوحد لمشروعية الدولة السودانية منذ خروج المستعمر الإنجليزي.
وهذا ما ستثبته الأيام حسب قراءتنا – ونأمل أن يحدث ما هو عكس تحليلاتنا، ويتم التوصل لحلول سلمية للنزاع .
ثانياً: القضايا التي تطرحها الحركة الشعبية لا تحتاج ل(مؤتمر دستوري) لأنها معلومة للجميع وواضحة وضوح الشمس، ولقد حاورت الحركة الشعبية غالبية القوى السِّياسية – كما ذكرت أنت في (الرسالة المفتوحة) – ووصلت لتفاهمات كبيرة مع بعضها – بل غالبيتها – ولكن إتضح إن المشكلة تكمن فقط في فقدان الإرادة (السِّياسية) عندهم لإتخاذ خطوات عملية تنقل البلاد من (خانة) الحرب والأزمات – إلى باحات السلام الشامل والعادل والإستقرار.
إن عملية إيقاف الحروب وإنهاء حالة الإحتقان لا تحتاج ل(مؤتمر دستوري) خاصه بعد إعلان مباديء الإيقاد – 1994 وقرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيريه – 1995، اللتين وفرتا البدائل المتاحة لحل الأزمة المتطاولة. وما تبقى يتوقف على تقديرات القائمين على أمر الجهاز التنفيذي. أي قيامهم بالإختيار وإتخاذ القرار من على طاولة التفاوض مع الأطراف المتضررة من الوضعية المأزومة. ليتم بعدها تضمين نصوص الإتفاق في الدستور الدائم. لقد تم كشف الإمتحان منذ أواسط التسعينيات ولا حاجه ل(إسبوتنق) مرة أخرى.
ثالثاً: هنالك قضايا مصيرية تأسيسية تتوقف وحدة السودان وإستقراره على حلها – لا يصح التعامل معها على أساس مبدأ (الأغلبية – والأقلية) أي لا يمكن حسمها عبر (مؤتمر دستوري) – هي قضايا مصيرية ترتبط بسيادة مفاهيم (المساواة، حقوق الإنسان، المواطنة، والديموقراطية) .. في السياسة.
رابعاً: خلال عهد النظام البائد تم إختلاق العديد من الأحزاب السِّياسية في السُّودان وتم تسجيلها رسميا، وهي (أكثر من 100 حزب)، وكل ذلك كان تحسبا لإحتمال عقد (مؤتمر دستوري). هم إستخدموا الدبابات لقطع الطريق عليه ومنع قيامه الذي كان محددا له 18 سبتمبر 1989 . وأحزاب السُّودان الآن (كما تعلم) ليست هي أحزاب 1988 عندما طرحت الحركة الشعبية فكرة (المؤتمر الدستوري) للإجابة على الأسئلة المصيرية والخروج من الأزمة . السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هي المعايير التي تؤهل حزبا ما للمشاركة في المؤتمر الدستوري؟ وقد شاهدتم مهزلة حوار الوثبة وإخراجه السيء من جهة، بل وأمامكم الآن مسرحية (التوقيع على الإتفاق الإطاري النهائي) وصراع الكتل ..!!.
خامساً: كيف سيتعامل (المؤتمر الدستوري) المزمع عقده مع بعض الأقاليم – خاصة (جبال النوبة، الفونج، دارفور، والبجا ؟). والتي عانت من التهميش المركب والإقصاء من جهة، ومن آثار الحروب المدمرة التي جرت فيها لأكثر من أربعين سنة من جهة أخرى ؟. هل سيتعامل معها بإعتبارها (أقاليم لها خصوصيتها وتحتاج لتمييز إيجابي؟). أم سيعاملها كسائر (الطير من كل نوع) بإعتبارها (ولايات) ضمن ولايات السودان الثمانية عشر؟. وهل سيكون بمقدور هكذا (جسم هلامي) التعاطي مع معضلات كتلك وتقديم الحلول ؟. حلول قادرة على الصمود أمام تقلبات السياسة – وفي السودان على وجه الخصوص ؟.
سادساً : العبرة ليست بالمكان (كاودا) أو غيرها – ولكن بالقضايا وكيفية تناولها والتعاطي معها بجدية وب(إرادة سياسية ووطنية).
أخيراً: الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لديها تفاهمات مع غالبية القوى السياسية في السودان حول قضايا تأسيس الدولة السودانية الحديثة (العلمانية – الديمقراطية) كما أشرت في رسالتك – وستواصل سعيها معهم لبناء ذلك الوطن الذي يسع الجميع عبر (مشروع وطني – وعقد إجتماعي جديد) ولكن بخطوات محسوبة وآليات فاعلة ليس من بينها آلية (المؤتمر الدستوري) .
مع خالص الود والتقدير.