ابتسم أنت “نُخبة”..

0 70

كتب: عثمان ميرغني

.

للسودانيين عموماً ولع بالمصطلحات لدرجة التقديس، فيصبح المصطلح غير قابل للنظر والمراجعة أو التشكيك، فهو محاط بأسوار التسليم.. ومن هذه المصطلحات المقدسة “النخبة”..

ولعل الدكتور منصور خالد – طيب الله ثراه- لعب دوراً محفزاً في ترسيخ هذه المفردة التي يصعب تحديد معناها العملي “وليس اللغوي”..

منصور خالد ذمّ “النخبة” السودانية ووصمها بإدمان الفشل، في كتاب ممتع كبير من جزئين، وساق مرافعات عميقة موضوعية لإثبات متلازمة الفشل النخبوي السوداني..ومجمل حديثه مقنع لمن ألقى السمع وهو شهيد، لكن السؤال المحير سيظل من هم “النخبة” السودانية؟

ومن بعد منصور سارت الركبان المثقفة بأحاديث تخطيء “النخبة السودانية” وتجد في المنابر متحدثاً مطرزاً بالألقاب العلمية من بروفيسور فأعلى، وهو يذم مع الذامين “النخبة” السودانية ويدمغها بالفشل..

ثم تجد في منبر آخر، سياسياً محنكاً يدهش السامعين في ندواته ببديع نظم الحديث السياسي ثم يلعن “النخبة” السودانية مع اللاعنين ولا يطرف له جفن..

فمن هم هؤلاء “النخبة” التي يلعنها الجميع من أعلى حملة الشهادات النادرة إلى أدنى الأميين الذين لم يسمح حظهم بتعلم القراءة والكتابة؟

وليكون سؤالي أكثر دقة، طبيب حاذق وجراح ماهر مشهود له بالتفوق في مجاله الطبي، لكنه لا يفقه في السياسة شيئاً ولا يعرف الفرق بين البرلمان و”جردلمان”، هل هو “نخبة”؟

و في المقابل، سياسي مافتح الله عليه بحرف في مدرسة، ولم يقرأ ولا كتاب “حمد طلع الشجرة” لكنه سياسي ويفوز في الانتخابات دورة فدورة لم تفته جمعية تأسيسية ولا مجلس شعب ولا مجلس تشريعي في كل العهود، هل هو “نخبة”؟

طالما إن هذه “النخبة” هي المسؤولة عن ما حاق بالسودان من نكبات على مر العهود السياسية، فكيف نستطيع إصدار “أمر قبض” للنخبة؟ إن كانت بلا لون و طعم أو رائحة يستدل بها عليها.

أنا شخصياً، كاتب هذه السطور، لا أعلم هل أنا “نخبة”؟

ولكن الذي أعلمه علم اليقين أن الجميع في مقام الفخر حينما تكون كلمة “نخبة” عنواناً للفخامة، فكلنا “نخبة”. وعندما تأتي “النخبة” في سياق منصور خالد” إدمان الفشل ، فكلنا نشير بإصبعنا إلى الطرف الثالث ذاته الذي يرد في بيانات الشرطة لتفسير من يقتل المتظاهرين.

هل “النخبة” هي محض “الفنكوش”؟

كيف إذاً نحاكمها ونجرمها ونحرمها من أن تقرر مصيرنا السياسي؟ كيف نمنع “النخبة” مدمنة الفشل من الوصول الى مركز القرار الوطني حتى لا تضيع بلادنا في خطل القرارات المهلكة؟

من المستحيل القبض على شبح أشبه بقصيدة نزار قباني في حبيبته التي وصفها بأنها:

فحبيبة قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان.

من يدخل حجرتها من يطلب يدها

من يدنو من سور حديقتها

من حاول فك ضفائرها

يا ولدي مفقود مفقود مفقود..

الحقيقة المفجعة أن عبدة المصطلحات لن يقبلوا المساس بـ”النخبة”..

ويظل المدمن مجهولاً..

مدمن الفشل.. فهو “النخبة السودانية”.. وهي مصطلح بلا مدلول..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.