ليس من جديد في “هذا او الطوفان” في هذه البلاد

0 45

كتب: محمد فاروق سليمان

.

عندما اخترع صمويل كولت المسدس في عام ١٨٣٥، قال قولته الشهيرة: “الان يستوي الجبان والشجاع”، لسنا بحاجة لاكتشاف ذلك الان، في زمن المسيرات (Drones) وبعد ما يقارب القرنين، ومع هذه الحرب التي كانت دائما قايمة بين الاطراف التي تحمل السلاح. حتى ولو من غير اشتباك حقيقي، لن يكون سؤال التاسيس الخاص بالدولة السودانية عماذا تريد هذه الاطراف، او ما الذي يهديء حماقة ان تنطلق الرصاصة الاولى من قبل ايهما، او الي اين يمكن ان ينتهي هذا.

ولكن سؤال التاسيس الحقيقي هو عن مطالب الحركة المدنية السياسية في هذه اللحظة من التاريخ خلاف هذا التهافت بينها نحو السلطة والاصطراع حولها، حتى تهافتت هذه السلطة الى فتات لا يقيم دولة ولا يلزم قانونا وأعجز عن أن يحق حقاً. ومن خلال تسابق الحركة السياسية المدنية بمكوناتها الحالية لم نشهد اتفاقا بينها الا في سعيها لاستقطاب (المكون العسكري) لحسم هذا الصراع لصالحها، بدلا من رهن الموضوع لحركة الجماهير لتحقيق مصلحة هذه الجماهير باقامة نظام سياسي كان اولى بالحركة السياسية من الطريق المختصر shortcut، كما ظلت تفعل طوال تاريخ تعثر ميلاد دولتنا الوطنية!

لم تعي هذه الحركة السياسية بعد، وبما في ذلك “فلول” النظام السابق حتى بعد سقوطه، ومن اتى بعده حتى بعد فشله، وتعثر الانتقال بكسبه وبسببه؛ كون انقسام المكون العسكري نفسه قد اصبح حقيقيا الان، مما يعني ان اي من الطرفين سيحسم هذا الصراع لمصلحته هو! كما لم تعي القوات المسلحة ان انخراطها في السياسة وصراعاتها جعل منها جزء من مكون عسكري وليس الجهة المناط بها “عسكريا” وحصراً مهمة الدفاع عن امن البلاد وحمايتها، اما قوات الدعم السريع فلم تكن يوما غير كما قال صاحبها؛ ابن البادية البسيط: لم ترى فيه الدولة القاتلة عندما انتبهت اليه غير قاتلاً، فاراد ان ينازع الدولة في هذه الصفة والسودان ينتفض على الدولة القاتلة، لا يعرف نفسه بعد الا كما عرفته الدولة التي راعته ثم رعته فراعها، لما يخرج عن دور الفزاعة الذي رسمته له دولة غولة!

التهديد لسلمية حراك السودانيين اذا انتقل لمربع المواجهة بين القوى المسلحة سيكون منعطف تاريخي خطير تماما كما أتى في وصف بيان القوات المسلحة، لكن علاج هذا لن يتم بجودية “باركوها” من جديد، وتاكيد المساحة التي تتمدد فيها القوى الحاملة للسلاح في السياسة والاقتصاد والاجتماع، سواء ان كانت جيش يفقد كل يوم مهنيته ودوره، او مليشيات يزداد نفوذها ومنافستها للجيش منذ ان بذرت هذه البذرة برضاه ومباركته حتى خرجت عن طوعه في ايام الانقاذ، لتثمر بذرتها هذا التهديد الدايم للانتقال لحكم مدني ديمقراطي، وان فشل في استدامة حكمها، وهو ذات الفشل الذي سيكون مصير صيغة حكم العسكر الحالي والذي بدت تناقضاته تاخذ منه.

فالواجب الان ومن خلال اصطفاف مدني حقيقي لانقاذ سلمية الثورة، ولو هناك فرصة وبارقة امل بعد، لن تكون في تقديم مدنيي “الزي” هؤلاء، والذين دفعوا بالامر لما هو عليه الآن، او انتظار ما يسفر عنه تفجر الامر وفتنة ان تصيب الذي ظلموا خاصة، وقبل بداية فصل دموي جديد في هذا الصراع حول السلطة لا قبل للجميع به: سيكون من الافضل ان يتسلم رئيس القضاء السلطة كرمز للسيادة يقوم تكليف رئيس وزراء مستقل وذو اهلية وقبول واسع حتى وان تعذر الاجماع حوله، (لا اود ان اقترح اسما محددا لكن لن يغلب الناس في هذا الطريق، وان تكن بداياته واضحة لمن القى السمع وهو شهيد) لتشكيل حكومة مدينة فورا، وانخراط جميع السودانيين في عملية سياسية حقيقية تشمل البناء الدستوري واصلاح اجهزة الدولة بشكل شامل وتبدا بتاسيس العدالة والالتزام بتحقيقها لتفكيك تركة الانظمة المتعاقبة على حكم السودان، وصولا لتسوية تاريخية تتيح قيام نظام مدني ديمقراطي، وتنافس انتخابي سليم يقوم على اساس صلب من التوافق الوطني، واسس راسخة لحكم القانون وصيانة الحقوق والحريات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.