تقدم خطاب الحسم العسكري، وصفة مثالية لاستمرار الحرب والتطهير العرقي

0 124

تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات

تقديم :

قدم الممثل الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، تقريرا حول آخر التطورات في السودان في أعقاب الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع. طالب فيه الأسرة الدولية ب” استمرار دعم جهود قيادته في الاضطلاع بدورها الوطني والإقليمي لتعزيز الأمن والسلم والاستقرار في البلاد”. ووصف الدعم السريع ب”القوة الإرهابية والإجرامية”.
وأكد المندوب السوداني “أن ما يجري في بلاده، شأن داخلي وقضية عسكرية فنية محضة، يستطيع الجيش معالجتها خلال فترة وجيزة، وأن أي تدخلات خارجية تساهم في تأجيج الصراع واستدامته”.

تحليل :
تقرير السودان حول الأوضاع الإنسانية والأمنية للأمم المتحدة ومجلس الأمن , يشير بوضوح لرهان الجيش بقيادة الإسلاميين على استمرار الحرب وتفضيلهم للحسم العسكري , على الرغم من عدم سيطرتهم على الخرطوم بمدنها الثلاث والولايات الغربية “دارفور و كردفان” إلا أن تمسكهم بالتصعيد العسكري بعد تعليقهم للتفاوض في منبر جدة يدلل على وجود مخطط آخر يسعون لتحقيقه , وهو لا ينفصل عن رؤية سياسية قديمة تؤسس لتقسم جديد والتي تقول ب ” سودان بلا هوامش ” والمتمثلة في “مثلث حمدي” الافتراضي والذي يتكون من مناطق الوسط والشمال والشرق بالإضافة للأجزاء الشمالية من ولاية كردفان وبالتالي دفع الهوامش الطرفية الى الانقسام والمقصود هنا ولايات دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق .
إستراتيجية الجيش وعناصر النظام القديم تقوم الآن على تعبئة واستنفار المكونات الاجتماعية واستنزاف الدعم السريع، مع نقل الحرب لحواضنه الاجتماعية في دارفور، استمرار هذه الحرب يساعدهم في فرض مشروعهم الانتقائي لجغرافية جديدة متخيلة للسودان.
التطور اللافت الآخر في المشهد السوداني، الإعلان الرسمي عن اتصال هاتفي أجراه قائد الدعم السريع الفريق حميدتي مع وزير الخارجية السعودية، وهو ما ينفي شائعة موته التي روجت لها مصادر الجيش والإعلام التابع له بالإضافة الى دوائر إقليمية ودولية تتابع الشأن السوداني، لكن بيان الدعم السريع لم ينف تعرضه للإصابة ومغادرته ميدان المعركة.
محادثة حميدتي مع الوزير السعودي هاتفيا، تقوي موقفه حيال الحل السياسي، وتحمل قيادة الجيش وحاضنتها السياسية مسؤولية فشل منبر جدة واستطالة أمد الحرب، الأمر الذي قد يدفع بسيناريوهات جديدة، أحدها التقدم بخيار قيادة بديلة للجيش، بدأ في التبلور في دوائر إقليمية ودولية في حال فشل البرهان في فرض الحل العسكري وهزيمة الدعم السريع ، خاصة بعد انسحاب العربية السعودية من دورها الوسيط وتعليق منبر جدة ، رغم مناشدات دولية وإقليمية باستمرار دورها .

خلاصة:
في السيناريوهات السودانية المحتملة التي تبحث الآن في المراكز السياسية الدولية ، وفي مقدمتها خيار الحسم العسكري ، الذي مهد له انسحاب أصحاب مبادرات التسوية السلمية ، يتوقف النقاش عند تحول في خطاب الجيش وحلفائه في مركز الشمال النيلي حين يوصف الدعم السريع بأنه ” قوة غازية ومحتلة ” ، رغم إنتماء معظمهم الى قبائل عربية من الغرب السوداني الي جانب مجموعات أفريقية أخري ، وهو ذات الوصف العنصري الذي يطلق على السودانيين من أصول افريقية ، بانهم غرابة ، والذين باتو يشكلون كتلة بشرية تعد بالملايين من الذين نزحوا في الثلاثين سنة الماضية من الهوامش جراء الحروب الأهلية المستمرة وشكلوا أحزمة الفقر المحيط بالخرطوم ، وبالتالي فإن خيار الحل العسكري ، وهزيمة الدعم السريع لا ينهي عمليا الصراع ، بل يكرس صيغة دولاتية تمييزية كانت سببا في عدم الاستقرار والحروب الاهلية ودفع الجنوب للاستقلال ، كما أن العقيدة العنصرية التمييزية ضد غالبية سكان البلاد من أصول عربية وغير عربية ، من شأنه إدامة الحرب الاهلية ، ولن تتوقف الا بتطهير عرقي في الخرطوم ذاتها او ما يعرف بدولة البحر والنهر ” او “مثلث حمدي ” .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.