لأشيء يضعف العزيمة …

0 49

بقلم: د. منى حمدوك

عرفتموه كرئيس لوزراء الفترة الانتقالية وعرفته زوجا، وصديقا ورفيق الدرب وشريك العمر حلوه ومره قرابة الثلاثين عام واتمني ان تطول.
اكثر وصف ينطبق عليه انه رجل مبدئي تحكمه مبادئ عالية في كل خطوة يخطوها لا يتنازل عن مبادئه مهما كان الثمن وحتي لو كان خصمه نزل ووضيع، ولأجل مبادئه يقدم علي أشياء يجبن اكثر الناس شجاعة عنها .
لم يكن سكيرا ولا متهتكا ولا صعلوكا يشهد عليه الأعداء قبل الأصدقاء فهو دائما رزينا متزنا صبورا. يؤمن بالله ورسوله وان لكل اجل وكتاب لا يقدم ولا يؤخر ولذلك تجده عند الشدائد دائم الثبات كالصخرة الصلبة لا يتزحزح ولا يهتز. لا يهلع ولا يهتز لمكروه او حادث، تحدث معي بعد الحادث بدقائق بنفس هدوئه المعتاد و بنفس التون الذي كنا نتحدث به ونحن نشرب شاي الصباح وكأنما يتحدث عن امتحانات ولدينا او حالة الطقس. يرتكز عليه كل من حوله عند المحن، يلجا اليه البعيد والقريب فيجد عنده المشورة والرأي ويجد عنده الدعم والمؤازرة الصادقة. يقف مع اصدقائه وأهله عندما يحتاجونه.. يشجع المرضي ويساند الضعيف وينصف المظلوم تشهد عليه جميع المؤسسات التي عمل بها.

دائما يفكر في راحة ورفاهية الاخرين قبل نفسه. حتي بعد محاولة الاغتيال كان اول ما فكر فيه هو ما يمكن ان يصيبنا من هلع عند سماع الخبر من الاخرين ، فاتصل بي بعد دقائق من وقوع الحادث ليقول لي “أولا انا بخير …والله العظيم انا بخير- ثانيا حدث كذا وكذا قبل دقائق لا تقلقي وطمئني الاخرين انا بخير.. انتي سامعاني”.. ولحظتها خانتني كل قواي السمعية وتعطل النطق عندي الي اجل.

عبدالله يحترم شعور كل الناس حتى الأعداء منهم …يحترم الرأي الاخر مهما اختلف معه. لم اره يعادي أحد حتى من أبدوا له العداء السافر ومهما بلغت درجة الخلاف معهم، بل يركز دائما علي إيجاد نقاط الاتفاق أكثر من التركيز علي نقاط الاختلاف. وله فلسفة قد لا اتفق معه فيها وهو انه بداخل كل انسان -مهما كان شريرا- توجد بعض بذور الخير وأننا يجب ان نعزز ذلك الجانب الخير بقدر المستطاع. اعتقد ان ذلك كان السبب الرئيسي في انه استطاع ان يبني صداقات صلبة حقيقة ومخلصة اختبرتها الظروف وصمدت علي مر الأيام .

تردد كثيرا عندما عرض عليه تولي منصب رئيس الوزراء للفترة الانتقالية بل ورفض. ولكنه قبل بعد جهد جهيد لان هناك من دفع عمره ثمنا للحرية ودفنت آماله الخضراء معه تحت التراب… فمن هو حتى يرفض ان يسهم ولو بقدر قليل.
اتي الي السودان يحمل حلم السودان الموحد والمشروع الوطني الذي يضم الكل تحت لوائه واشهد الله انه لم يفقد الامل او ييأس من تحقيق هذا الحلم رقم قسوة الواقع. عمل كلما ما في وسعه لتحقيق هذا الحلم. لا يطمع في أي مكسب شخصي علي الاطلاق والله علي ما أقول شهيد. تمتد ساعات عمله اليومية من السادسة صباحا حيث يقرأ ملفات الامس ويجهز عمل اليوم قبل الذهاب الي المكتب والانخراط في الاجتماعات الطويلة، ويمتد يوم عمله حتي السادسة او السابعة مساء في الأيام العادية، وكثيرا ما يستمر حتي الثانية صباحا او ما بعدها عندما يكون هناك طارئ.
ليس لديه وقته الخاص او ساعات الراحة الخاصة به ناهيك عن تلك العطلة التي كنا نعرفها في السابق باسم عطلة نهاية الأسبوع، فالأسبوع والشهر والأيام كلها الان أصبحت كالحلقة المفرغة التي ليس لها نقطة بداية او نقطة نهاية ورغم ذلك لم اسمعه يتذمر من ارهاق او تعب اويشكو من احباط. حتي عندما تتعقد الأمور وتصل بنا الي محطات قاتمة، تلك المحطات التي دائما ما تقذف بي الي بئر من الاحباط والتشاؤم أقول له ” هو نحن الجابرنا علي المر ده شنو؟ ” يقول لي: اكيد فيه تفسير او اكيد فيه حل …اكيد يمكن المعالجة خلينا ننجز ما جئنا من اجله رغم العوائق والعراقيل التي يتفنن النظام البائد في خلقها …خلينا ننجز حتي لو شكك البعض في قدراتنا علي فعل ذلك ..ده عهد انا قطعته لا استطيع النكوص عنه”.
عبدالله ليس لديه أي طموحات شخصية في مستقبل سياسي من أي نوع بعد نهاية الفترة الانتقالية لم يكن لديه قبلها ولا اثناءها ولن يكون بعدها. لديه الان واجب وسيسلم الأمانة للحكومة المنتخبة ديمقراطيا (نتمني) قبل ان يمضي . ولولا خوفي من ان اتهم بالتخاذل والخوف لرجوت ان تقصر فترة تولي عبد الله رئاسة الفترة الانتقالية لأقصي حد ممكن.

ليس هناك ما يبهر او يدفع للتمسك بالسلطة. نحسبها باليوم وبالساعة نتمنى ان يركض الزمن بنا ونغمض عيوننا ونفتحها ونحن فيما بعد الفترة الانتقالية. ننعم بأوقاتنا الخاصة معا، يلبس البوبو او القميص نص- الكم وقتما يحب. البس ما أحب وامشي حافيه عندما أحب. نناكف أحلام، نسمع عباس تلودي مع قهوة الصباح يوم الاحد و نلتقي اصدقاؤنا واحبابنا وقت ما نحب. نقرأ اشعار البطانة وطرائف الواتساب والفيس بوك وكتب التراث وتاريخ السودان ونسمع اشعار ود بادي.
ولكن هناك نداء الواجب..
عرفتموه كرئيس لوزراء الفترة الانتقالية وعرفته زوجا، وصديقا ورفيق الدرب وشريك العمر حلوه ومره قرابة الثلاثين عام واتمني ان تطول. ولكن اذا دعا الداعي فروحه ليست اغلي من ارواح الشهداء، وكل مسرات الدنيا ..ودمه ودمي ودم أولادنا فداء للوطن واستقراره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.