ذوالنون سليمان ، مركز تقدم للسياسات
في منشور رسمي , صادر باللغتين العربية والانجليزية , قال مني مناوي , حاكم إقليم دارفور , رئيس حركة تحرير السودان , والمشرف علي القوة المشتركة من الحركات الموقعة علي السلام , “أن هنالك أخبارا متداولة في وسائل الإعلام الاجتماعي تشير إلى أن قوات الدعم السريع تنوي شن هجمات وأعمال عدوانية على القوافل الإنسانية القادمة من كوستي إلى دارفور التي تتحرك تحت حماية قوة الحماية المشتركة للحركات “, الامر الذي يمثل برايه ،تهديدا لحياة ملايين المواطنين الذين يعتمدون علي هذه القوافل ويفرض عليه خيار الخروج عن الحياد , في إشارة لمشاركته الجيش في حربه ضد الدعم السريع .
في المقابل، اكدت قوات الدعم السريع في بيان من مكتب الناطق الرسمي، رغبتها في التعاون والتنسيق مع كافة الجهات خاصة المنظمات الإنسانية وحركات الكفاح المسلح لتوفير الحماية اللازمة لجميع القوافل الإنسانية ، واتهمت عناصر النظام الموجودين في بورتسودان بسرقة المساعدات الإنسانية وإعاقة وصولها لبعض المناطق في السودان لمعاقبة سكانها سياسياً , وان المؤتمر الوطني وعناصره في القوات المسلحة وأذرعهم في الاستخبارات العسكرية يسعون لتوسيع دائرة الحرب .
تحليل:
– قبل اعلان مناوي استعداده للتخلي عن الحياد ومحاربة قوات الدعم السريع دفاعا عن القوافل الإنسانية التي تتحرك من كوستي “ولاية النيل الأبيض” الي دارفور مرورا بولاية بشمال كردفان , تحت حماية القوة المشتركة للحركات الموقعة علي السلام لحماية المدنيين , راجت معلومات مصدرها الدعم السريع عن استخدام استخبارات الجيش القوافل الإنسانية كخطوط امداد للجيش وغطاء للتحرك في ميدان المعركة , وعن عزم قوات الدعم السريع منعهم من الاستفادة منها في تقوية خطوطهم القتالية , ما يدعم فرضيتهم , الدعم والاسناد السياسي الذي يقدمه مناوي وجبريل ابراهيم للجيش وعناصر النظام القديم من خلال استمرارهم في حكومة البرهان ونشاطهم في تحالف الكتلة الديمقراطية المحسوبة علي البرهان والإسلاميين علي الرغم من ادعائهم الحياد ,الذي يعني عدم المشاركة السياسية والعسكرية في الحرب .
– الملاحظة الجديرة بالانتباه , أن مناوي استند في تهديده العسكري علي إفادات لمواطنين مجهولين علي وسائط التواصل الاجتماعي ” الواتساب” , ولم يستند في اتهامه العلني لقوات الدعم السريع على مواقف رسمية صادرة منها أو أفعال عسكرية مباشرة استهدفت القافلة أو القوة المشتركة , ولم يسبق هذه الخطوة بتواصل مباشر مع قيادة الدعم السريع التي يتواصل معها وفق تصريحات سابقة له , ووفق معلومات متداولة عن لقائه بقائدها الثاني في انجمينا , وعن وجود تنسيق مشترك حول خروجه من الخرطوم وتحركاته في شمال دارفور ورحلته الأخيرة الي بورتسودان , ويشير مراقبون الى ان لموقف مناوي خلفيات وأسباب أخرى , لا تنفصل عن تحفظاته غير المعلنة على قوات الدعم السريع وقيادته قبل الحرب لتحالف سياسي يسعي لتقويضها دستوريا , الي جانب قربه من عناصر محسوبة علي النظام القديم ووجود معلومات حول ترشيحه لأدوار تنفيذية عليا في الحكومة القادمة .
– في الجانب الاخر، تحاول قوات الدعم السريع المحافظة علي وضعية الحياد الظاهرية للحركات المسلحة, وعدم التورط معها في قتال عسكري مباشر يدخلها في أتون حرب قبلية تستمد قوتها من إرث الماضي القريب, ويصرفها عن معركتها الرئيسية ضد العناصر الإسلامية في جهاز الدولة , التي تسعي عبر استخباراتها تحويل صراعها مع الدعم السريع لحرب أهلية في دارفور طرفاها الدعم السريع والحركات المسلحة , بحواضنهم الاجتماعية .
– تكتيكيا جمدت قوات الدعم السريع عملياتها الحربية في منطقة الفاشر العسكرية، التي تمثل منطقة ثقل الحركات، تلافيا للصدام المباشر معها، علي الرغم من الهجوم المتكرر علي مواقعها من قبل الجيش, اخرها كان يوم ، السبت التاسع من سبتمبر، بقيادة المقدم الصادق ادم عبدالكريم “فكة “أحد القيادات السابقة بحركة عبد الواحد محمد نور , بغرض استدراجها للحرب , أيضا بيانها يدلل علي رغبتها في عدم الصدام من خلال اقتراح اليات تنسيقية وتحذيرها من وجود مخططات تخص عناصر النظام القديم “الفلول” لإشعال الحرب بينها والحركات المسلحة .
خلاصة:
• مثلما ارتبط تكوين قوات الدعم السريع بحركات الكفاح المسلح في دارفور , ارتبط منشأ الحركات المسلحة بنزاع مسلح بين مجموعتين عرقيتين داخل الزغاوة و الرزيقات ، حيث شكلا القوتين الرئيستين المسلحتين خارج جهاز الدولة ، بكل تضادهم وتنافسهم العسكري الذي تغذيه ثارات التاريخ وقضاياه المؤجلة ، أبرزها قضية الحواكير ” الأراضي ” والقصاص والتعويضات التي لم تحل ، وكذا المخططات الأمنية للدولة العميقة الرامية لخلق صدام دائم بين القوتين من أجل المحافظة علي امتيازاتها في السلطة والثروة التي باتت مهددة بانتفاضات الأطراف ومظاليمهم التاريخية.
• في هذه الثنائية، يتمظهر التنافس السياسي حول السلطة بكل قابليته للتحول لصراع مسلح، صراع يغذيه عقدان من الزمن فشلت خلالها نخبه ” قيادات الدعم والحركات والقوى المدنية والأهلية في إقليم دارفور ” في إيجاد حلول سياسية شاملة ، ليمثل واحدا من المهددات الامنية الكبرى للسلم الأهلي في إقليم دارفور والسودان والدول المجاورة غربا وجنوبا ، وذلك بفضل التداخل القبلي والانتشار الكبير للسلاح .
• في هذا الاطار، لا يمكن استبعاد الطموح السياسي للقائد مناوي، الذي يرى في نفسه الاجدر بتمثيل الإقليم سياسيا , في منصب النائب او رئاسة الحكومة واستعادت تراتبيته السابقة في الدولة حينما كان كبيير مساعدي الرئيس ، بحكم سودانيته ” القحة ” وبوصفه ممثلا لضحايا “الجنجويد “. بحسه السياسي وتجربته الطويلة يدرك مأزق الدعم السريع وتردده في فتح معركة مع اهم العرقيات في دارفور وهي الزغاوة بامتداداتها القبلية في الغرب الافريقي. لكن طموحات مناوي تعتمد بصورة رئيسية على نتائج معركة الخرطوم، الامر الذي يجعل من قطعه لنصف الطريق نحو التحالف المعلن مع قيادة الجيش وفلول النظام السابق وميليشياته الإسلامية اشبه بمقامرة خطرة وغير مضمونة النتائج، وفي كلا الحالتين بانتصار او فشل معركة الدعم السريع في الخرطوم، ستكون معركته المؤجلة مع الدعم السريع وتحالفاته الجديدة قد اقتربت كثيرا.
السابق بوست
القادم بوست