هل هناك أي احتمالات للسلام في السودان؟
قبل أربعة عقود لم تكن الألمانية مارينا بيتر، خبيرة التعليم المشترك بين الثقافات ومدرسة اللغة الألمانية والتاريخ، تعرف الكثير عن السودان، باستثناء طقسه الحار ولاجئيه. لكن حصولها على وظيفة مع وكالة ألمانية تعمل في السودان، كان بداية تجربة من شأنها أن تجعلها واحدة من الخبراء الأكثر شهرة في العالم المسكونين بحب السودان، شماله وجنوبه. وبتاريخ 8 سبتمبر/أيلول الجاري، نُظم في السويد يوما تضامنيا مع السودان قدمت فيه مارينا بيتر ورقة بعنوان «احتمالات السلام في السودان» وتكرمت بمشاركتي الورقة والموافقة على ترجمتها ونشرها.
تقول مارينا «أول لقاءاتي المباشرة مع شعب السودان الرائع كانت في نهاية عام 1986. يومها، اعتقدت أن الوضع لا يمكن أن يصبح أسوأ، مع المناخ الحار والجاف للغاية، ومع الفقر والجوع والتشريد ومحاولات الناس في دارفور التعامل مع آثار مجاعة 1983 الرهيبة، ومع انتهاكات حقوق الإنسان باسم قوانين الشريعة، ومع الحرب المستعرة في أطراف البلاد، ومع كفاح النازحين داخلياً في المخيمات المتاخمة لمكبات نفايات في العاصمة..الخ. لكن، للأسف إزداد الأمر سوءًا بعد انقلاب الجبهة الإسلامية عام 1989. وعندما تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، 2005، كانت النيران قد أُضرمت في دارفور على يد الجيش السوداني والميليشيات العرقية المتحالفة معه. أما النخب، فظلت تنهب ثروات البلاد، سواء ذهباً أو نفطاً أو أرضاً خصبة، دون أدنى اهتمام بحياة الناس، وإنما الاقتران بمصالح لاعبين خارجيين للحصول على حصتها من الثروة أو لتحقيق أهدافها العسكرية الاستراتيجية الخاصة.
والجديد، أن الحرب وصلت إلى عاصمة البلاد محملة بممارسات لا يمكن تصورها من العنف والوحشية، فضلاً عن السرعة التي يتم بها تدمير البلاد. إن أوضاع العالم الحالية، تجعل من غير المرجح أن يسود السلام في السودان قريبا. على العكس من ذلك، أخشى أن الأسوأ لم يأت بعد، ومن الأفضل لنا جميعا أن نستعد له. هنالك أسباب لوجهة نظري المتشائمة هذه، منها:
أي مواجهات عسكرية، إذا لم تُحل في الأيام أو الأسابيع الأولى، فسوف تستمر لفترة طويلة. ومع كل يوم يمر على حرب السودان، تتضاءل فرص التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
كلما طال أمد النزاع، كلما تزايدت أعداد الجهات المسلحة، وخرجت عن سيطرة قياداتها المركزية، وبدأت تتصرف جزئياً مثل قطاع الطرق؛ والبعض يحاول حسم النزاعات القديمة على الموارد في منطقة معينة. ومع الدعم السريع يقاتل جنود من تشاد ومالي والنيجر وليبيا، وهؤلاء قد يرغبون في البقاء إلى الأبد لأن الحرب هي ما يكسبون أموالهم منه. والقاسم المشترك بينهم جميعًا هو تجاهلهم التام لأي قانون أو حقوق إنسان.
كلما طال أمد النزاع، كلما تزايدت أعداد الجهات المسلحة، وخرجت عن سيطرة قياداتها المركزية، وبدأت تتصرف جزئياً مثل قطاع الطرق؛ والبعض يحاول حسم النزاعات القديمة على الموارد في منطقة معينة
تزايدت الطبيعة القبلية الحرب، ومن خلال إساءة استخدام حجة التمييز القبلي/العرقي، تحاول كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع استنفار وتجنيد المدنيين الذين يرون الأفق مسدودا أمامهم.
مخطئ تمامًا من يعتقد أن السلام المستدام يمكن أن يحققه اتفاق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فقط. صحيح أن كل المجموعات المسلحة يجب أن تكون جزءًا من آليات وقف إطلاق النار وجهود بناء السلام. لكنهم يجب ألا يكونوا أبداً جزءاً من أي تسوية سياسية جديدة، فهذه يجب أن يتم التفاوض والإتفاق حولها وتنفيذها، بواسطة المدنيين السودانيين في عملية شاملة، مهما أخذت من وقت.
كلما طال أمد الحرب، كلما ازداد احتمال توسعها وامتدادها إلى مناطق البلاد الأخرى وخارجها. وعاجلاً أم آجلاً، سوف يدعم اللاعبون الإقليميون والدوليون علناً أحد طرفي القتال. ومن دون أن يرفع هؤلاء أيديهم عن السودان، فإن الدولة السودانية حتماً ستنهار، مع الانتباه إلى أن المنطقة بأكملها أصلا قابلة للانفجار.
كل المبادرات الحالية، الدولية والإقليمية، تسير بشكل متواز، وتتنافس بشكل متساوٍ، مما يفسح المجال أمام القوى المسلحة لممارسة ألعابها الخاصة. وإذا كانت هناك مصلحة صادقة في مستقبل سلمي للسودان، فيجب على المجتمع الدولي الاتفاق على منصة واحدة فقط، والتي يجب أن تضم المدنيين السودانيين منذ البداية.
السودان يعاني نزيفا رهيبا للمثقفين والناشطين، وبالنسبة للمهاجرين الأكبر سنا، فهذه هي المرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة التي يجبرون فيها على مغادرة منازلهم. إن الصدمات التي كانت كبيرة بالفعل في الماضي، بما في ذلك العنف المستخدم أثناء الثورة السلمية وبعدها، أصبحت الآن أشد عمقا. وما يمكن أن تسببه هذه الصدمات، ومدى صعوبة بناء بلد يعاني فيه الناس من شروخ نفسية عميقة، يمكن رؤيته في الحالة المحزنة لجنوب السودان، على سبيل المثال.
والآن، ومع أخذ كل ما سبق في الاعتبار، هل هناك أي آفاق للسلام في السودان؟ بطبيعة الحال، لا شيء يدوم إلى الأبد، فنحن جميعاً عبيد للأمل، كما قال ديزموند توتو ذات يوم. الاستسلام ليس خيارًا أبدًا، وهناك الكثير من السودانيين العظماء يواصلون العمل من أجل السلام، كبار السن، وخاصة الشباب العمود الفقري لثورة ديسمبر/كانون الأول السلمية، والذين يبذلون قصارى جهدهم في هذه اللحظة مرة أخرى لمساعدة مواطنيهم بأي طريقة ممكنة. إنهم جميعًا هم الذين سيجدون الحل، وكلما أسرعوا، قل تدخل الغرباء الذين لديهم أجنداتهم الخاصة. ومن المهم أيضًا أن يتوقف الغرباء عن مطالبة القوى المدنية السودانية التحدث بصوت واحد.
كيف بحق السماء يجب أن يفعلوا هذا، ولماذا؟
فقط تخيل أن تطلب من جميع أنواع الناس المختلفين في السويد أو ألمانيا التحدث بصوت واحد، وإلا فلن تتمكن من التعامل معهم! لن ينجح الأمر أبدًا، وليس هناك أي حاجة على الإطلاق. فقط ساعد المجموعات المدنية السودانية على الالتقاء والمناقشة وإسماع صوتها؛ وساعد جميع جهود المصالحة المحلية وبناء السلام حيثما أمكن ذلك، وخذ نفسًا طويلًا، حتى في استضافة اللاجئين.