مرور 15 عاما على قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية

0 147

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

1

مضى أكثر من 15 عاما علي قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي وجه تهم الإبادة الجماعية للرئيس المعزول البشير الذي تم التماطل في تنفيذه بعد ثورة ديسمبر على يد حكومتي الشراكة وبعد انقلاب 25 اكتوبر وحتى نشوب الحرب اللعينة التي تم فيها خروج مجرمي الحرب والجرائم ضد الانسانية من السجن.. و شجع على الإفلات من العقاب على ارتكاب المزيد من الجرائم كما حدث في مجازر فض الاعتصام والقمع الوحشي المواكب السلمية وجرائم دارفور الأخيرة والتطهير العرقي كما حدث للمساليت وفتح المحكمة الجنائية تحقيق في ذلك بعد المقابر الجماعية التي عثر عليها.

وبهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال حول قرار المدعي العام والظروف التي أحاطت به.

2

في يوم الاثنين: 14 /7 /2008م، وجه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية: اوكامبو في مؤتمر صحفي بمقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، ثلاث تهم للرئيس البشير ادعي انها ارتكبت بحق قبائل الفور والمساليت والزعاوة تتعلق بتطهير عرقي واغتصاب وتعذيب، واعلن أن عدد الضحايا الذين تم تشريدهم من ديارهم يقدر ب 2,5 مليون، وأشار الي أن 35 ألف قتلوا بشكل مباشر ، وان ما بين: 80- 265 الف ماتوا ببطء بعد أن شردهم القتال، وأوضح ان قرار الابادة من الرئيس البشير بدأ في العام 2003م، عندما أمر الجيش بعدم الابقاء علي أى اسير أو جريح بنية الابادة الجماعية. ووصف اوكامبو ان ماقام به البشير، بأنه جريمة ابادة جماعية متعمدة، وطالب بتوقيف البشير وحظر ارصدته وممتلكاته وتقديمه للعدالة.

3
ماهي تداعيات هذا القرار؟.

لايمكن النظر في هذا القرار بمعزل عن تطورات الاحداث في السودان منذ الانقلاب المشؤوم الذي قامت به الجبهة الاسلامية بقيادة عمر البشير في 30/يونيو/1989م، والذي اوقف الحل السلمي الداخلي الذي كان جاريا بعد اتفاق الميرغني – قرنق، واشعل حربا دينية تعدت حرب الجنوب لتشمل الشرق ودارفور، ومع تبع تلك الحروب من مآسي وابادة وقضاء علي الحرث والنسل. اضافة لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتشريد الالاف من اعمالهم واعتقال وتعذيب الالاف من المواطنين، وتعذيب بعضهم حتي الموت مثل: الشهيد د.علي فضل وعبد المنعم رحمة وابوبكر راسخ… الخ، اضافة لاعدامات مثل: اعدام قادة انقلاب رمضان في ليلة عيد الفطر!!!، حل النقابات والاحزاب السياسية وتدمير كل مؤسسات المجتمع المدني. ونهب القطاع العام واموال الدولة، وتحويلها لفئة قليلة من اثرياء الجبهة الاسلامية التي اتخذت اسم المؤتمر الوطني، والذي انشق الي: وطني وشعبي. كما رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة وبقية الخدمات ودمرت القطاعين الصناعي والزراعي، وحتي بعد استخراج البترول لم تذهب عائداته للتنمية الزراعية والصناعية ولخدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات(مياه، كهرباء.الخ)، كما ارهقت الدولة كاهل المواطنين بالضرائب الجبايات، حتي تزايدت حدة الفقر والاستقطاب الطبقي، حيث وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95% من الشعب السوداني، ونشأت رأسمالية طفيلية نهبت اصول القطاع العام وعائدات البترول وركزت السلطة والثروة في يدها، وانتشر الفساد بشكل لامثيل له، حتي تم تصنيف السودان في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم.

4
ونتيجة لضغط الشعب السوداني وضغط المجتمع الدولي، تم توقيع اتفاقات: نيفاشا، القاهرة، ابوجا، والشرق..الخ، ولكن المؤتمر الوطني ماطل في تنفيذ استحقاقات تلك الاتفاقات، واستمر يحكم بالعقلية الشمولية السابقة، وضرب بالاتفاقات وقرارات المجتمع الدولي عرض الحائط، وطغي في البلاد فاكثر فيها الفساد، واتجه للحل العسكري لقضية دارفور بدلا من الحل السلمي حسب توصيات مؤتمر الفاشر 2003م، وكانت النتيجة تلك المأسأة والجرائم، والتي تطلبت المساءلة، علما بان قرار اوكامبو الاخير لم يكن مفاجئا، منذ أن اصدرت الامم المتحدة ممثلة في مجلس القرار 1593، باحالة ملف انتهاكات دارفور الي المحكمة الجنائية.
والواقع أن نظام الانقاذ الذي كون مليشيات الجنجويد هو المسئول عن كل انتهاكات حقوق الانسان في السودان، والمسئول تبعا لذلك عن فقدان البلاد لسيادتها الوطنية.وبالتالي، فان قرار مدعي محكمة الجنايات الدولية هو نتيجة منطقية لممارسات نظام الانقاذ السابقة، فالانسان يحصد في النهاية ثمار عمله، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة.

5
وبدلا من اعلاء صوت العقل والتعاون مع المحكمة الدولية، يهدد نظام الانقاذ بنسف الاستقرار وتحويل البلاد الي صومال ورواندا اخري، اي مواصلة المزيد من ارتكاب الجرائم!!، والتي ايضا سوف تلاحقه المساءلة حولها ، طال الزمن أو قصر، المؤتمر الوطني يحاول ان يصور لنا، انه اما ان يستمر بالبقاء في السلطة او تدمير البلاد، مثلما كان يبشرنا نميري في السبعينيات من القرن الماضي البديل: اما نظامه أو الطائفية التي تدمر البلاد، كانما الشعب السوداني عاجز عن تقديم البديل، وذهب نظام نميري وبقي الشعب السوداني ، وسيذهب نظام الانقاذ ويبقي الشعب السوداني مواصلا نضاله من اجل الحرية والديمقراطية والوحدة والتنمية وتحسين احواله المعيشية.
اى أن التهديد بان قرار المحكمة الجنائية الدولية سوف ينسف استقرار البلاد ويحدث انهيار دستوري لاأساس له.
ولكن الخطر الحقيقي علي وحدة واستقرار البلاد اصبح من وجود المؤتمر الوطني في الحكم.

و يبقي السؤال ماهو الحل؟ الحل يكمن في:

أولا: في الحل الشامل لقضية دارفور باعتبارها مشكلة سياسية قومية تحل في اطار قضايا السودان ككل، وباعتبار أن جوهر القضية ليست قبلية أو عرقية أو صراع حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة يتم حلها في اعتبار دارفور اقليم واحد حسب حدود 1956م، وباعتبار أن لدارفور تاريخ منذ ان كانت سلطنة قائمة بذاتها، واعطاء الاقليم الحق في الحكم الذاتي مع اقاليم السودان الاخري(الشرق، كردفان، الشمالية، الجنوب، الاوسط، الخرطوم)، والتمثيل المتساوى في مجلس الرئاسة، اضافة للحل العادل لقضية الثروة والسلطة والتنمية المتوازنة بين اقاليم السودان المختلفة، ووقف اطلاق النار ونزع سلاح الجنجويد، وتقديم المجرمين عن التطهير العرقي للعدالة، ورجوع النازحين الي قراهم والتعويض العادل لهم.
ان اتخاذ هذه التدابير تسهم في نزع فتيل الازمة، ورجوع شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، عرف الاكتفاء الذاتي من الغذاء ومنتجات الصناعات الحرفية من عهود سلطنة دارفور، وبالتالي يتحرر اهلنا في دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات، رغم تقديرنا للمجتمع الدولي والمنظمات الانسانية التي وقفت مع شعب دارفور في محنته آناء الليل واطراف النهار، ووفرت له احتياجاته من الغذاء والكساء والدواء والماوى. ولكن المهم هو الاستقرار في الاقليم حتي ينعم شعب دارفور بثمرات السلام ويعود الي وضعه الطبيعي كشعب كمنتج.
وهذا يتطلب وحدة كل الحركات حول موقف تفاوضي واحد، والمؤتمر الدارفوري – الدارفوري الجامع حتي يتم الوصول لحل يتراضي عليه الجميع.

ثانيا: التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقانون انتخابات ديمقراطي يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة، تسدل الستار علي الشمولية من الحياة السياسية السودانية.

ثالثا: تنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها، والتخلي عن سياسة نقض العهود والمواثيق التي كانت سببا في اعادة انتاج الازمة بشكل اعمق.

رابعا: ضرورة النهوض الجماهيري الواسع في الشارع، باعتباره الحاسم في قلب الموازين، وفي التحول الديمقراطي، وقطع الطريق امام مؤامرات المؤتمر الوطني لتمزيق وحدة السودان.

خامسا: تحسين احوال الناس المعيشية التي تدهورت بشكل لامثيل له في الآونة الاخيرة حيث ارتفعت الاسعار بشكل جنوني، مع ثبات وتدني الاجور، اضافة الي التنمية وتوفير احتياجات المواطنين الاساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ.
سادسا: رفع المظالم والضرر باصدار قرار سياسي بارجاع كل المفصولين من مدنيين وعسكريين.
ان اتخاذ هذه التدابير يمكن ان تفتح الطريق امام مصالحة وطنية حقيقية، يتم فيها رفع الضرر والمظالم، وتفتح الطريق امام وحدة البلاد وقطع الطريق امام المؤامرات لتقطيع اوصال البلاد وتحويلها لصومال أو رواندا اخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.