ما قالته الحرب.. الدعم السريع (٢)

0 78
كتب: وائل محجوب
……
• نواصل عبر هذه السلسلة رصد ما كشفت عنه هذه الحرب، والتي جسدت كامل شرور تجربة الدعم السريع منذ تأسيسه، وقدمت البراهين على كامل تجربته كقوة عسكرية غير خاضعة لقواعد الضبط والربط وقوانين الحرب الدولية، ومتعدية ومرتكبة لجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
• لقد انهارت في غضون سبعة أشهر كل المحاولات التي بذلها قائده لتقديم نفسه سياسيا، كقائد عسكري لجيش منضبط، طامح للعب أدوار سياسية مستقبلية، وتبدت جرائم حرب دارفور التي لاحقت قواته من جديد على نطاق أوسع وأفدح، وجددت التأكيد على خطل انشاء المليشيات، ورعايتها واطلاق يدها لخوض الحروب الداخلية.
• لقد شهدت هذه الحرب اقتراف كافة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المحرمة بموجب القانون الدولي الانساني، من قتل خارج القانون وتصفية للأسرى، وإجبارهم على تقديم شهادات مسجلة يدينون بها أنفسهم، الى ضرب محطات الكهربا والمياه، بغرض اجبار ملايين السكان المدنيين على الإخلاء القسري لبيوتهم ومدنهم، وإجبار الأخرين بقوة السلاح على ذلك، واغتصاب النساء، والإخفاء القسري، وسلب ونهب المنازل والممتلكات واحتلال بيوت المواطنين، واستخدامها لأغراض السكن وفي العمليات العسكرية، واحتلال المنشآت الطبية ومنع المرضى من الوصول اليها لتلقي العلاج.
• وهذه كلها جرائم محرمة بموجب القانون الدولي الانساني، والقانون الجنائي السوداني، ارتكبتها قوات الدعم السريع بشكل منهجي ونمطي متكرر، في كل المناطق الخاضعة لسيطرتها، أو تلك التي هاجمتها وأحتلتها.
• إذا كانت الانقاذ ورئيسها المخلوع قد ارتكبت أخطأ في حق البلاد، فإن تأسيسها للدعم السريع واسباغ الحماية والحصانة على جرائمه بحق السودانيين، وتجيير موارد السودان لقادته هو خطيئتها الكبرى، التي لو حوكمت عليها لنالت عقابا رادعا يجعلها عظة وعبرة لمن لا يعتبر.
• فعلى مدى سنوات تحول أمير الحرب حميدتي، الى واحد من أغنى اغنياء العالم، بعد أن وضع يده بمباركة البشير ودعمه على جبل عامر واستئثاره بالتنقيب عن الذهب، وفتح الباب على مصراعيه امامه، للوصول لإمداد دائم بالنقد الأجنبي عبر السماح لقواته بالمشاركة في حرب اليمن، ومن خلال اقتصار تنفيذ الشق الأمني لإتفاق عملية الخرطوم، لمواجهة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر على قواته، لينال شهريا ما يزيد عن ٤٥ مليون دولار، نظير قيام قواته بحماية الحدود، ومنع عبور المهاجرين.
• وحينما اندلعت الثورة في البلاد، كانت قوات حميدتي ترابط في الخرطوم، بعد أن قام المخلوع باستدعائها لقمع التظاهرات، غير أن حميدتي وبعدما اقتنع بقرب السقوط أحجم عن تنفيذ الأوامر، وكان حاضرا في محاولات القيادات الأمنية في اللحظات الأخيرة لتدارك الموقف، ورفض المشاركة ودعم انقلاب نائب الرئيس ووزير الدفاع وقتها عوض ابن عوف مما عجل برحيله، واشترط الفريق أول عبد الفتاح البرهان لترأسه للمجلس العسكري بموافقة حميدتي ومشاركته، وأن يكون نائبا له، وبعد موافقة الرجل تم اعلان تشكيل المجلس.
• خلال تلك الفترة وقعت واحدة من أكبر المجازر بحق المدنيين في تاريخ السودان، أن لم يكن أكبرها، وكانت قواته ضمن القوى التي هاجمت وفضت اعتصام القيادة، واعتصامات مدن السودان المختلفة، ليعود لاحقا للتأكيد بانه خدع وتعرض لمكيدة، وقام بالقاء القبض عما يزيد عن الف من قواته وجنوده، قال إنهم من المتورطين في تنفيذ المجزرة، وانهم كانوا دسيسة على قواته.
• وفي يوليو ٢٠١٩م اصدر قائد المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مرسوما بالغاء المادة (٥) من قانون الدعم السريع، التي تخضع هذه القوات لسلطة القائد العام، وتمنحه الحق في حلها في غير اوقات الحرب، ومنذ ذلك التاريخ، عمل حميدتي بجد لتحويل قواته لقوة ضاربة وموازية للجيش، وقام بفتح معسكرات للتجنيد في مختلف انحاء السودان، وشرع في عقد اتفاقيات مع جهات خارجية لتدريب وتأهيل هذه القوات، وتعاقد مع الشركة الروسية فاغنر لتولي هذه المهمة، كما عقد اتفاقيات لتوفير مختلف انواع الأسلحة والعتاد لقواته، ليرتفع عدد جنودها لما يزيد عن ١٠٠ الف مقاتل، واعاد انتشار كثير منها في الخرطوم تحت غطاء حماية وتأمين المواقع السيادية ومرافق الدولة.
• وفي صبيحة ١٥ ابريل، كانت قواته منتشرة حول كافة المواقع العسكرية والسيادية والحكومية، ولم يحتج الأمر لساعات حتى بسط سيطرته على العاصمة، وغالبية مواقعها الاستراتيجية.
هذه الأوضاع المختلة التي أنتجت الدعم السريع وسمحت له بالتمدد هي نتاج تشوهات خلقتها ديكتاتورية الانقاذ، ورعتها من بعدها قيادات اللجنة الأمنية، في سياق محاولاتها للهيمنة والانقضاض على السلطة.
• ولكنها كتجربة ليست مستحدثة ولا بدعة، فيما يخص صناعة المليشيات ورعايتها بواسطة القوات المسلحة، وهي تجربة لازمت تاريخ الحرب الأهلية، منذ اندلاع حرب الجنوب في العام ١٩٥٥م، حيث انشئت قوات دفاع الجنوب، على أساس قبلي كقوة مناوئة لجيش الانانيا، وكانت تخوض القتال الى جانب القوات الحكومية وبالتنسيق معها، وظلت هذه القوات موجودة، حتى بعد احلال السلام عبر اتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢م، وقد تم بعثها والاستفادة منها في الحرب ضد الجيش الشعبي بواسطة الانقاذ، قبل أن يتم تطوير القوى المناوئة عبر التحالف مع القوى الموقعة على اتفاقية الخرطوم للسلام، والتي ضمت قوات تتبع للقادة اروك طون ولام اكول ورياك مشار وكاربينو كوانين، لتخوض الحرب ضد الجيش الشعبي بالتنسيق مع الجيش الحكومي، وقد قال د. جون قرنق في أحد تصريحاته الشهيرة ان عدد ضحايا الاقتتال الجنوبي-الجنوبي فاق عدد ضحايا الحرب بين الشمال والجنوب.
• إن وجود جيش موازي داخل الدولة لن يفضي الإ لاشتعال الحرب، وهذا الوضع الخاطئ كانت القوى الثورية أول من انتبهت اليه، وقد خرجت شعاراتها معبرة عن ذلك “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، حدث ذلك في وقت كان هذا التوجه يجد رفضا ومقاومة من أعلى قيادة المؤسسة العسكرية.
• إن الموقف السليم الذي يجب أن يكون موضع اجماع من كافة القوى السياسية والمدنية، هو رفض وجود أي قوى حاملة للسلاح، سوأ كانت الدعم السريع أو المليشيات الحزبية والجهوية، أو الحركات المسلحة، خارج اطار القوى المخولة بذلك قانونا ودستورا، والمطالبة بمحاكمة كافة المتورطين بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، في هذه الحرب من قبل قوات الدعم السريع، وتفكيك امبراطوريتها المالية، التي بنيت عبر الاستئثار غير المشروع بموارد وثروات البلاد، وانهاء أي محاولة لتمدد هذه القوات للعب أدوار سياسية، وانهاء حقبة انشاء المليشيات في البلاد، والزام القوات المسلحة بذلك نصا وقانونا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.