الموسيقار محمد الأمين تجربة انسانية كاملة

0 137

كتب: وائل محجوب

.

• هذه الأيام هي أيام الزلزلة، وأيام تكاثر الزعازع وقلة الأوتاد بحق، وهذه الفواجع العاتية المتلاحقة لا يملك الناس معها سوى اصطبار وتسليم، تتهدم اركان الوطن، وتخرب معالمه، ويهرج تحت سمائه وفوق أرضه كل معتد أثيم، ويرحل حداته وشائدي حيواته وملهمي فنونه وجماله واحدا تلو الأخر، في صمت وتحت أرض وسماء غريبة، متلفعين بوحشة المنفى والآم الوطن.
• يسلمنا الحزن الى الحزن، ولا ندري متى تستكين هذه الأرواح المجروحة المتألمة، ورب ميلاد تدخره الليالي، ورب فجر يخرج من مجاهل الغيب ليبدل الأحزان فرحا.
• إن فقدنا عظيم ومصابنا جلل، إذ لم يك محمد الأمين فنانا أو موسيقارا، بقدر ما كان تجربة انسانية كاملة انطبعت في حياة أهل السودان، وتقلبات بلادهم في صعودها للذرى بالثورات والعلم والآمال العراض المشرعة، وهبوطها للقاع تحت سنابك العسكر، قمعا وبطشا وإستبدادا وحروب.
• تجربة انسانية بنيت بصبر ودأب، تقاطعت دروبها ما بين الإذاعة والتلفزيون وسجن كوبر، ومسارح السودان المختلفة، يوم أن كانت مسارح الناس دور السينما، وفي العواصم القريبة والبعيدة، والأف بيوت الأفراح وساحاتها، التي جمل ليلها وانطبع في ذاكرة أهلها بأجيالهم المختلفة للأبد.
• تجربة ملهمة لكل فرد على حدا، عميقة الجذر لارتباطها بالناس، بنشأتهم وبعواطفهم وأحلامهم، عشقهم وجراحهم، وخيباتهم، وانتصاراتهم، وذاكرتهم الجماعية التي أرهقتها صروف الزمان.
• ود الأمين هو نموذج عالي المقام للتفوق في الحرفة والصنعة، وحذق أسرارها وتجويدها بعقل جبار وروحا ملهمة خلقت لتنافس ذاتها، ولا ينافسها في مضمارها أحد، تفردا في إنتقاء الأشعار تنقل عبره في حقول شتى، وألسن نضاحة بالفريد من المعاني والجمال، قدرة على تفكيكها وإعادة بنائها وتحريرها باللحن لتجري مجرى الدم في الشرايين والأوردة عند الناس.
• لقد سمق محمد الأمين ليصير معلما للبلاد، هرما من أهراماتها، وإمتزج بروح أهلها وكانت له في القلوب منزلة لا تدانى، في كل انحاء واصقاع البلاد، متربعا على مكانة عالية ومستحقة، بعدما نثر عبير روحه الحانا واشعارا وفتوحات على العود، ما سبقه عليها سابق، والحان ما من مثيل لجمالها وعبقريتها.
• سيبقى محمد الأمين في ذاكرة الشعب، وستخلد أغانيه جيلا فجيل، سيبقى مثلما ستبقى بلادنا مهما أدلهمت عليها الخطوب، لتنهض من بعد الضيم والمقتلة، مصداقا للوعد الرباني، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
• إن حزنا عظيما ألم بقلوب أهل السودان، حتى استحال الفضاء الرحب لبيت عزاء كبير، وتقازمت الكلمات وتقاصرت عن التعبير عما إعترى النفوس من ألم ممض، فأجبر اللهم كسرنا في فقدنا الجلل، وأفرغ على قلوبنا صبرا، وتغمد محمد الأمين حمد النيل بواسع رحمتك ومغفرتك، وأكرم نزله، وجاز إحسانه للناس بكريم إحسانك.
وفي الخالدين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.