ومتى كان مجلس البرهان شرعياً..؟!
كتب: د. مرتضى الغالي
.
أهلنا (الرباطاب) لهم سخرية لاذعة في الرد على من يحاول شرح الأمور البديهية التي لا تحتاج إلى تفسير.. وكذلك على الشخص الذي يبادر بأسئلة (غبية).. ومن طرائفهم القديمة أن رجلاً رأى أحدهم وهو قادم من النيل وبيده سمكة.. فسأله: (السمكة دي قبضتها)؟ فرد عليه: (لا.. سلّمت نفسها)..!
ومحاولة الإجابة عن البديهيات هي مكان سخرية في كل الشعوب مثلما يسخر الإنجليز عن صاحب (المفتش كولمبو) الذي وجد جماعة من الناس حول جثة في الشارع يتساءلون: من الذي أردى هذا الرجل..؟ فقال بعد أن هرش مؤخرة رأسه: لا بد أنه رجل يحمل بندقية..! ومن سخريات عادل إمام وهو يلعب دور الرجل الساذج في (شاهد ما شافش حاجة) أن القاضي استحثه على تقديم معلومات إضافية عن الراقصة التي تسكن بجواره فقال وهو يظن أنه أضاف معلومة خطيرة (هي رقاصة… وبترقص)..!
اجتهد الهادي إدريس والطاهر حجر نفسيهما في ما طائل وراءه.. فالمسألة لا تحتاج لكل هذه الإطالة والشواهد والحيثيات لتأكيد أن (مجلس السيادة البرهاني) مجلس يفتقر للشرعية..!! فهو قد فارق الشرعية منذ وقت طويل.. وبعد الانقلاب أصبح أوضح كما يكون من فقدان الشرعية.. ومع ذلك بقي هذان الرجلان به إلى أن أقالهما البرهان فطفقا يتحدثان عن عدم مشروعية المجلس وعن عدم حق رئيسه البرهان في الفصل والتعيين.. فهل كان الرجلان يظنان أنهما عضوان شرعيان في هذا المجلس إلى أن فصلهما البرهان..!
البرهان نفسه (غير شرعي) فكيف يكون مجلسه شرعياً.. إنه مجلس نكرة ومسخرة وملهاة وأضحوكة ونكتة.. وجميع أعضائه يعلمون أن رئيس المجلس منذ تأسيسه على منطوق الوثيقة الدستورية لا يملك الفصل أو التعيين أو القرار ولا حق التحدث باسم المجلس.. إنما هي (رئاسة طاولة) لإدارة الجلسات بروتوكولياً لا غير.. ورئاسته دورية بين العسكريين والمدنيين.. فما بالكم بعد الانقلاب حيث أقال البرهان جميع عضويته المدنية وأبقى على الجانب العسكري وممثلي الحركات فقط..! ثم قام بتعيين مدنيين آخرين (من عندياته) أو بأوامر جماعته.. وهو لا يملك حق التعيين على كل حال.. ثم أقال الخمسة الذين قام بتعيينهم واستبدلهم بآخرين.. ثم أقال هؤلاء الخمسة مُجدداً.. ومن 14 عضواً لم يبق (من هذا المجلس الأبتر) غير 3 عسكريين وممثل واحد عن حركات جوبا.. وهذا الحركي عسكري أيضاً ولا يُحسب من المدنيين.. فقادة الحركات لا يزالون يقولون إن قواتنا وإن أسلحتنا وإن جنودنا كيت وكيت..!!
هل في قانون هذا المجلس منصب نائب رئيس..؟!.. أليس هذا المنصب من اختراعات البرهان (أو فلوله) حيث قام بتعيين قائد مليشيا الدعم السريع نائباً له.. ثم جاء بمالك عقار في ذات المنصب في مجلس غير مشروع بدأ بأربعة عشر عضواً وانتهى إلى أربعة بما فيهم رئيس ونائب رئيس.. يرأسان العضوين الآخرين..! هل قام أحد من عضوية هذا المجلس بالاحتجاج على هذا الانتهاك الصريح…؟!
الهادي إدريس ورفيقه حجر انضما الآن إلى الجبهة المناهضة للحرب وهذه حَسنة…! ولكن للسودانيين (مآخذ ومآخذ) على هذه الحركات المسلحة التي عادت للخرطوم ولم تقف في صف الشعب واختارت أن تقف مع البرهان وجنرالاته الانقلابيين.. ولعبت دوراً سالباً في المشهد قاد إلى كثير من المآزق والأضرار الفادحة بل سُفكت بسببه دماء عزيزة.. ولم يهتم هؤلاء القادة الحركيين بالمهمشين وأهالي الأقاليم التي يدّعون أنهم يمثلونها وأنهم حملوا البندقية من أجل حقوقها..! وكان موقفهم أبعد من مناصرة التحول الديمقراطي.. بل أقرب إلى (تعويق وتلغيم الانتقال) وإلى (ملاطفة ومسايرة) أعداء الحُكم المدني..!
هذه حقائق يجب أن تقال من أجل المستقبل ومن أجل مراجعة النفس والنقد الذاتي لبناء سودان جديد.. سودان ترفرف عليه رايات الثورة: حرية سلام وعدالة.. وإغلاق الباب على كل أنواع المتاجرة بآمال الشعوب واللهاث وراء نشب الدنيا.. على منوال مناوي وجبريل وأردول.. وما أكل السبع..! والمجد لشهداء الثورة الميامين..!