أربعة استنتاجات حول حرب السودان
د. الشفيع خضر سعيد
.
مؤشرات عديدة جعلتنا نتوصل إلى أربعة استنتاجات، ليس بالضرورة كلها صحيحة، وأتمنى صادقا أن تكون خاطئة، خاصة وأنها لا تستند إلى معلومات، وإنما تولدت من تلك المؤشرات العديدة.
الاستنتاج الأول، أنه من غير المرجح أن تتوقف الحرب ويسود السلام والأمان في السودان قريبا.
الاستنتاج الثاني، أن دولا في النطاقين الإقليمي والعالمي لا ترغب في وقف حرب السودان سريعا وتريدها أن تستمر لبعض الوقت.
الاستنتاج الثالث، أنه من المرجح أن تصبح حرب السودان إحدى فتائل بدء الإشعال أو التفجير في كل المنطقة، حربا إقليمية إن لم تتوسع وتصبح عالمية. الاستنتاج الرابع، أن تحول الحرب السودان إلى مرتع خصب للمجموعات الإرهابية عابرة القارات. وحتى لا نصنف من ضمن المتشائمين، أو نضاف إلى زمرة الشاطحين، أو نُتهم بأننا نلقي الكلام على عواهنه، نستعرض أدناه بعضا من هذه المؤشرات العديدة، المحفزة لاستنتاجاتنا الأربعة.
من ضمن المؤشرات بأن الحرب لن تتوقف قريبا، وهو استنتاجنا الأول: * غياب الإرادة عند طرفي القتال، أو أن القرار ليس كله بأيديهما. أنظر فقط إلى تعاملهما المتذبذب مع منبر جدة ومنبر الإيقاد. يحدثنا تاريخ النزاعات والحروب في العالم، بأن أي مواجهات عسكرية، إذا لم تتوقف في الأيام أو الأسابيع الأولى، فسوف تستمر لفترة طويلة، وكلما استطالت الفترة كلما تضاءلت فرص الوقف الدائم لإطلاق النار. * كلما طال أمد النزاع، كلما تزايدت أعداد المجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرة قياداتها المركزية، وتبدأ تتصرف جزئياً مثل قطاع الطرق؛ والبعض يحاول حسم النزاعات القديمة على الموارد في منطقة معينة، وهولاء، إضافة إلى المقاتلين من خارج السودان، في الغالب يرغبون في استمرار الحرب لأنها المصدر الذي يتكسبون منه الأموال. * مع دعاوى الاستنفار والمقاومة الشعبية المسلحة، تتزايد الطبيعة القبلية للحرب، ويعلو خطاب العنصرية والكراهية، وينتشر القتل على أساس الهوية والإنتماء السياسي، وهذا يصعب كبحه ويطيل من أمد الحرب أو يجددها إذا توقفت ما لم تعالج الأسباب. تعثر وحدة القوى المدنية وعلو صوت الأجندة الأجنبية وسطها مما يعيق تلمسها الدرب الصحيح والذي يساعد في توقف القتال.
أراضي السودان حبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا. ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا
الاستنتاج الثاني حول أن دولا، في الإقليم والعالم، تريد أن تستمر الحرب ولا تتوقف سريعا تولد من
المؤشرات التالية: استمرار تدفق الأسلحة إلى الطرفين، ومن دول في الإقليم وفي العالم، دون أي نية أو اتجاه لحظر ذلك من الدوائر العالمية ذات القدرة، مما يعني تشجيع استمرار القتال. أراضي السودان حبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا. ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا والتي ستصل القمة بحلول العام 2050. وفي تقرير صادر في العام 2004 عن مركز الدراسات الاستراتيجية العالمية ومقره واشنطن، بعنوان «سودان ما بعد السلام» وُصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، عبر الاستحواذ على أراضيه، ولو بالوكالة. لذلك فإن استمرار الحرب يعني استمرار الفشل حتى يتفتت السودان وتتقاسمه عدة دول. * يحتل السودان موقعا رئيسيا في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أساس مشروع «الشرق الأوسط الجديد». والفوضى الخلاقة هي الآلية الرئيسية لتنفيذ هذا المشروع حتى يتم إعادة تقسيم المنطقة، والسودان، إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة، وعدم الرغبة في توقف الحرب يخدم هذا المخطط. فيما عدا التصريحات والإدانات لا يوجد دعم قوي من الدول والدوائر العالمية المتنفذة، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، لمنبر جدة.
الاستنتاج الثالث، حول إمكانية اتساع القتال وتمدده إقليميا وعالميا، تولد من المؤشرات التالية: موقع السودان الجيوسياسي يهدد بانتشار القتال إلى دول المنطقة، وخاصة بعض الدول المجاورة التي تعاني أصلا من هشاشة البنية التحتية والتوترات وضعف الاستقرار الأمني. الأنظمة المستبدة «المكنكشة» على كرسي السلطة، بعضها يسعى إلى الاستفادة من خدمات المنظمات المسلحة مثل فاغنر لتحقيق أهدافها، وبالتالي من الممكن أن تشتعل المنطقة إذا ما قررت فاغنر الدخول في حرب مع منظمات مسلحة أخرى، في إطار الصراع على السلطة. * إذا استطال أمد الحرب، فبالإضافة إلى تحولها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، قد تنجر إليها بعض دول العالم الأخرى التي لها مصالح بالمنطقة، وذلك في ظل تضارب المصالح الاستراتيجية بين الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، في مواجهة مصالح الصين وروسيا. * كل دول العالم تهتم بأمن البحر الأحمر، والذي تدور فيه حاليا معارك بمشاركة بعض هذه الدول. وتتنافس عدة دول لإقامة قواعد عسكرية في ساحل السودان الطويل مع البحر، وكل هذه الدول لها علاقات مع طرفي الحرب.
وجاءنا الاستنتاج الرابع، حول إمكانية تحول الحرب إلى مرتع خصب للمجموعات الإرهابية عابرة
القارات، من المؤشرات التالية: * أصلا بالسودان ومعظم دول المنطقة خلايا إرهابية نائمة تتحين الفرصة، والفوضى في السودان تحقق لها ذلك. من نتائج الحرب، انتشار الأسلحة الخفيفة والتجارة بها غير المشروعة بسبب إنشاء ممرات تهريب جديدة تعبر الدول المجاورة للسودان. الأوضاع الهشة على الحدود تعزز مخاطر وقوع الأسلحة داخل المناطق المتنازع عليها في الأيدي الخطأ، وقد تشجع هذه الحالة منظمات مسلحة أخرى ذات أهداف سياسية وأيديولوجية متشابهة على استنساخ التجربة. استمرار تفاقم النزوح واللجوء داخل بيئة ينتشر فيها الفقر وغياب الرعاية الأساسية، يوفر الظروف المثالية للتنظيمات المسلحة لتجنيد عناصر من الفئات الهشة.
الإشارة الى هذه الاحتمالات والاستنتاجات وتداعياتها السالبة، لا يعني أبدا الاستسلام، فهذا ليس خيار شعب السودان. بل يمكنها أن تمثل وقودا ودافعا قويا للقوى المدنية السودانية لتجترح الرؤية السليمة لوقف الحرب.