مناورات غير ضرورية في السودان
كتب: حمّور زيادة
.
اختارت السلطة العسكرية في السودان، هذه المرّة، الهيئة الحكومية للتنمية (ايقاد) خصماً توجّه إليه الهجوم. مثلما فعلت من قبل مع بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس). اتهمت الهيئة الأفريقية بالعمل على تقويض سيادة الدول الأعضاء، ورعاية الإرهاب، وتشجيع قوات الدعم السريع على التمرّد! لم تكتف السلطة العسكرية ببيان وزارة الخارجية السودانية بتجميد التعامل مع “الإيقاد” بشأن ملف السلام، بل سمحت بوقفة احتجاجية صغيرة تحمل لافتات التنديد بالمنظمة، وتصفها بالفساد. وقفة احتجاجية أمّها الذين كانت تجمعهم السلطة العسكرية للهتاف ضد مبعوث الأمين العام السابق في السودان، واتهام البعثة الأممية بالعمالة! وهو اتهام وجّهته لاحقاً السلطات العسكرية بخطاب رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يدّعي أن البعثة عملت على تحريض نائب الفريق أول عبد الفتاح البرهان وحليفه القديم الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ودفعه إلى إشعال الحرب.
وفي السياق، وجّه قائد الجيش انتقادات حادّة إلى المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، بعد اتصال الأمين العام بقائد الدعم السريع، حميدتي، لمناقشة عملية السلام ووقف إطلاق النار. أخبر قائد الجيش المبعوث الجديد بأن الاتصال “أغضب الشعب السوداني”. بعدها غادر المبعوث مدينة بورتسودان ليلتقي بقائد الدعم السريع في العاصمة الأوغندية كمبالا. لم يصدُر بعد رد فعل عن السلطة العسكرية على هذا اللقاء، لكن المتوقع أن تبدأ الخلافات الحادّة مع المبعوث الجديد قريباً، وأن يصبح اسم “الشيطان” هو لعمامرة بعد أن كان فولكر!
رغم هذا الموقف العدائي، ذكرت قمّة “الإيقاد” (غاب عنها السودان) في بيانها الختامي التزام قائدي الجيش والدعم السريع بعقد اجتماع مباشرٍ خلال الاسبوعين المقبلين، وأعلنت العمل على عقد عملية سياسية بقيادة سودانية لتشكيل حكومة ديمقراطية في السودان في غضون شهر.
نحن هنا أمام صورتين متناقضتين، فالسلطة العسكرية تجمّد التعامل مع “الإيقاد”، وتوجّه إليها الاتهامات، وتصفها الأقلام التابعة للإعلام العسكري بمنظمة الجراد وتجمّع الفساد. وقائد الجيش يلقي الخطابات الحماسية على جنوده، مؤكّداً الاستمرار في الحرب، ومهاجماً القوى الديمقراطية والمدنية. والولاة العسكريون في عدة ولايات يحظرون عمل تنسيقيات أحزاب الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وتعتقل الشرطة منسوبين في الكيانات المحسوبة على ثورة ديسمبر (2018).
على الجانب الآخر، تعلن “الإيقاد” عن لقاء مباشرٍ بين قائدي الحرب، وعملية سياسية لتشكيل حكومة خلال شهر، وتصرّح تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) أنها تلقّت موافقة رسمية من الجيش لعقد اجتماعٍ مشابهٍ للذي عقد بين “تقدّم” وقائد الدعم السريع. وهو اجتماع دعا إليه رئيس التنسيقية ورئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك. ووافق عليه سريعاً قائد الدعم السريع، بينما صمت عنه قائد الجيش، تاركاً “تقدّم” في وضع سياسي حرج، بعد توقيعها إعلان مبادئ لوقف الحرب مع الدعم السريع.
وفي الخلفية، تنشط أصوات الحركة الإسلامية السودانية، ومن يرددون رؤيتها، مهدّدة قائد الجيش بأن أي لقاء مع قائد الدعم السريع أو “تقدّم” يعني الانقلاب عليه. بل إن أصواتا تدفع في اتجاه عقد اتفاق بين الجيش والدعم السريع بمعزل عن القوى المدنية الديمقراطية، وهو اتجاهٌ يحقّق للحركة ما تريده من هذه الحرب، أن تدمّر القوى المدنية وثورة ديسمبر، فهذه هي حربها الرئيسية. يمكن للحركة الإسلامية أن تقبل بعودة حميدتي إلى طاعتها، ولو مؤقتاً، إذا كان ثمن ذلك إقصاء قوى الحرية والتغيير والنقابات ولجان المقاومة وكل القوى المدنية التي تدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية ووقف الحرب وتجريد الحركة الإسلامية من نفوذها داخل مؤسّسات الدولة.
مع استمرار هذه المناورات، تتواصل الانتهاكات ضد المواطنين، وتتوسّع رقعة الحرب. ورغم محاولة قائد “الدعم السريع” التملص من غزو عاصمة ولاية الجزيرة وما صاحبها من جرائم وانتهاكات، إلا أن قواته تواصل التقدّم نحو ولايات شرق السودان وشماله. فهل ستنجح الهيئة الحكومية للتنمية في الجمع بين الرجلين خلال الأسبوعين المقبلين، وبدء تنفيذ خريطة طريق لإنهاء الحرب وتشكيل حكومة؟ … ينتظر أكثر من سبعة ملايين نازح لمعرفة ما سيحدُث.