الحزب الشيوعي السوداني: “ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي”
الحزب الشيوعي السوداني
اللجنة المركزية
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
مقدمة:
تجلت بوادر الصراع الطبقي، السياسي، الاجتماعي مع بواكير اندلاع الثورة واستمر محموماً وما زال ليومنا هذا بين قوى التغيير الجذري وبين قوى التسوية السياسية والهبوط الناعم – بأطرافها المحلية والإقليمية والدولية – الساعية لإجراء تغييرات فوقية وتنصيب حكومة مدنية شكلاً مبقية على سلطة تحالف الرأسمالية الطفيلية مستوعبة فلول النظام المدحور وحلفائهم الذين سقطوا معه فى ابريل 2019 تحت دعاوى تحقيق الوحدة الوطنية لمواصلة التبعية للخارج، اتباعاً لمنهج الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) وأعمال آليات السوق الحر فى الإقتصاد، وهى سياسات خبرها شعبنا منذ العام 1978 فى القرن الماضي، لم يجنِ منها شعبنا غير التخلف والفقر والانقلابات العسكرية والغرق في ديون لا فكاك منها توارثتها الاجيال رهناً للسيادة الوطنية والإرادة وتبعية للخارج.
بانتهاج حكومات الفترة الانتقالية لثورة ديسمبر 2018 اقتصاد السوق الحر تكون قد فارقت عملياً مواثيق الثورة التى قضت باتباع الإقتصاد المختلط والتخطيط الاقتصادي الاجتماعي وريادة القطاع العام، في إحداث تنمية متوازنة قطاعياً وجغرافياً منحازة لقوى الإنتاج وتوفير الخدمات الضرورية للشعب، كما تكون قد جانبت توصيات المؤتمر الاقتصادي الإسعافي التى دعت للاعتماد على الذات لسد حاجات الشعب والاكتفاء من الغذاء ومجانية التعليم والصحة.
باتباع نهج الليبرالية الجديدة صارت حكومات الفترة الانتقالية بمختلف تركيباتها غير مؤهلة لتحقيق مرامي الثورة في الحرية والعدالة والسلام وتكون قد نحت بعيداً عن طريق الثورة لتأسيس دولة المساواة فى المواطنة وعن المضي على طريق التحول الديمقراطى وترسيخها وتحقيق العدالة، واستدامة السلام. بل تكون قد دفعت البلاد لعلاقة الدائن والمدين التى تختل فيها الموازين لصالح الدائنين وتتفاقم فى ظلها تباين التوازنات الطبقية، فيزداد الأغنياء ثراء والفقراء فقراً!.
بالطبع لا تملك ذات القوى السياسية الاجتماعية وحلفاؤهم الخارجيون الذين صنعوا الازمة – الانقلاب والحرب – حلاً جذرياً لتحقيق السلام واستقراراً سياسياً وعدالة اجتماعية وديمقراطية شاملة، ما دامت تطرح ولا تملك حلاً الا فى نطاق الليبرالية الجديدة وآليات السوق الحر، مما يعيد تواصل تراكم الازمة العامة مهددة السيادة ووحدة الوطن وتكرار تجربة فصل جنوب السودان فى أقاليم السودان الأخرى.
الاستعداد للفعل يمكن ان يعبر عنه بطريقتين:
1- فى الحالة الأولى العالم قد تحدد واكتمل. كل شئ تم اعطاؤه من قبل ومن ثم يكون فعلنا هو فى حدود ما هو قائم. اذ لا يمكن القفز على ما هو قائم من قبل وما علينا الا الانتظار لنتقولب و تتواكب مع مساره والدوران فى ذات الحلقة (نهج القوى المحافظة).
2 – فى الحالة الثانية العالم لم يكتمل بعد فهو غير مكتمل وغير محدد، وعدم الاكتمال وعدم التحديد يستدعيان قوتنا على الفعل وثقتنا فى قدرتنا على التغيير (نهج قوى الثورة). ما هو مطلوب منا الخلاص من الخوف السلبي وكسب الثقة فى قدرتنا على تحويل الامكانات الكامنة بالقوة فى الحاضر الى فعل لتحقيق المستقبل التقدمى.
الليبرالية الجديدة ( النيوليبرالية) وصناعة الدين وابتزاز الدول والمجتمعات:
تبنت حكومات الفترة الانتقالية توصيات معهد شاتم هاوس البريطاني التي اعدت اساساً لشراكة بين انجلترا والنظام المدحور قبل سقوطه لإيقاف التدهور وتحقيق إصلاح اقتصادى. لم يتوقف عقد ورش شاتم هاوس عند اندلاع ثورة ديسمبر 2018 بل امتدت لعقد اخر اجتماع لها بعاصمة السودان، الخرطوم، في أكتوبر 2019 وترأس ذلك الاجتماع د.عبدالله حمدوك – مباشرة عقب تعيينه، رئيساً للوزراء فى حكومة الفترة الانتقالية، ونشط فى أروقة الاجتماع وزير ماليته د.ابراهيم البدوى وحضره أشخاص من قوى الحرية والتغيير ومنظمات من المجتمع المدني ورجال أعمال سودانيون مبعوثون دوليون وممثلون عن البنك وصندوق النقد الدوليين وآخرون. بذلك يكون د.حمدوك وحكومتاه قد تنكروا للثورة وتبنوا ذات سياسات النظام المدحور واعتمدوا منهج الليبرالية الجديدة وآليات السوق لتحكم مجمل مناحي الحياة وأعمال علاقة الدائن والمدين، ورجعوا الى ذات المسار السياسي الاجتماعي الذى راكم الأزمة العامة طوال أكثر من ستة عقود من الاستقلال متمظهرة في التخلف والفقر والحرب وشرعت الأبواب من جديد للبرنامج الذى يستهدفه رأس المال العالمي فى تطبيق وتنفيذ شروطه فى التكيف الهيكلي، المتمثلة فى تعويم العملة وخصخصة مرافق الدولة الانتاجية والخدمية والخدمات العامة لصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي وفتح حدودنا لحركة رأس المال والأرباح والسلع والخدمات دون ضابط او كابح مواصلة للدوران فى فلك رأس المال العالمي لينعم بموارد وثروات السودان على ما ينتجه السودانيون من فوائض اقتصادية ومراكمتها فى البلدان الدائنة للسودان، فعادت الازمة العامة بمظاهرها فكان الانقلاب العسكرى فى 25 اكتوبر 2021 وحرب 15 ابريل 2023 والدوران فى فلك الرأسمالية العالمية.
علاقة دائن مدين تنتج ميكانيزمات الاستغلال والهيمنة الشاملة، تجعل الدولة والمجتمع مدينين ومسؤولين امام رأس المال الذي يتبدى بمثابة الدائن الكلي، فعلاقة دائن مدين تعبر عن علاقة قوة بين المالكين وغير المالكين للرأسمال وتتفاقم فى ظلها التوازنات الطبقية وتتباين بشكل مخل دخول المواطنين، هكذا يختل ميزان القوى ويصبح غير متوازن بين الصناديق المانحة للقروض والدول والمجتمعات المدينة لها، فالدين له دور اقتصادي وسياسي متحكم على قرارات تصنع مصير الدول والشعوب المدينة، فاصل صناعة الديْن وتطويرها ثم تصميمها وبرمجتها بوصفها القلب النابض الاستراتيجي لسياسات الليبرالية الجديدة التي منذ ولادتها فى نهاية السبعينيات من القرن الماضي تمحورت حول الديْن، الذي شكل نقطة انطلاق لانقلاب ميزان القوى بين الدائنين والمدينين لممارسة الديْن دوره السياسي على المجتمع عموماً، فالديْن يعمل كآلية للاستيلاء والافتراس ولإستنزاف المجتمع والدولة ويعمل كأداة تعليمات وتدبير اقتصادي وجهازاً لاعادة توزيع الدخل، علما أن سلطة الديْن لاتتمثل بوصفها سلطة عبر القهر، ولا عبر الايديولوجيا ؛ فالمدين حر، لكن تصرفاته وسلوكه يجب أن يسير فى إطار محدد بالديْن يستوعب فيه شروط الدائن. هكذا تدفع مؤسسات النقد الدولية الدول المَدِينة لتبني التكيف والتقشف والحد من النفقات على الاجهزة والخدمات العامة للمواطنين وتحديد الاستهلاك وفي الشغل والضرائب وفى كل ضروب الحياة.
ويمارسون كدائنين سلطتهم على المدينين ويدفعونهم للتصرف بما يمكنهم من الوفاء بسداد ديونهم، فسداد الديون يتناسب مع تطبيع السلوك والتطابق مع معايير الحياة التي تسنها المؤسسات الدائنة لصيانة الفعل المستقبلي للمدين وبناء السلوكيات والممارسات المقبلة فى سياق الليبرالية الجديدة. هكذا تدفع مؤسسات النقد الدولية وسياسيو الدول الدائنة وحلفاؤهم من الحكام المحليين الشعوب فى الدول المدينة للارتهان لسياسات اقتصادية تعزز الديْن واخضاعهم لميزان قوى الدائن والمدين الذى يلازم مواطني الدولة المدينة طوال حياتهم ويورثون الديْن للأجيال لتصبح مدانة للرأسمال العالمي. أصل المقصود من الديْن هو مراقبة وترويض الشعوب وإخضاعها لنفوذ رأس المال العالمي لتتحكم فى مصائرها عبر الديْن. هكذا يعمل البنك وصندوق النقد الدوليين على اعادة هيكلة مجتمعاتنا لمصلحة استمرار تراكم رأسمال الدائنين وبذلك يحبس ممكنات شعبنا ويخنق إمكانيات المستقبل في إطار مقرر سلفا مفرغا الحاضر من قدرات وارادة تتجه نحو تحرر وطني جذري واستقلال اقتصادي وديمقراطية شاملة، فالديْن كرأسمال يستبق المستقبل، فهو بالنسبة للمالية الديْن ليس إلا مجرد استباق للهيمنة والاستغلال المالي المتواصل والتحكم في مصير الدول والمجتمعات المدينة التي بدورها تسعى حثيثا لكسب ثقة الدائنين للحصول ونيل القروض لسد عجوزاتها المالية؛ فمفهوم الثقة في منهج الليبراليين الجدد مرتبطة بأجهزة السلطة القادرة على اعادة وإدارة علاقات الاستغلال والهيمنة الراسمالية على موارد وثروات بلادها واخضاع مصير وخداع شعوبها بالتمني بوعود عطف الامبرياليين بتخفيض الديون على الدول والشعوب الأكثر فقراً (هيبك).
أن تخفيض الديون لا تتناقض مع مصالح الراسمالية الدائنة فهي تقوم بمتابعة البرنامج الليبرالي الجديد وتعميقه فى البلدان المدينة واستئناف مراقبة التحكم على قيود الحدود وفتحها دون كوابح من الدول المدينة والتدخل في الأجور والنفقات الاجتماعية للدولة تنفيذا لإملاءات التقشف والتكيف ومواصلة الخصخصة لصالح القطاع الخاص المحلي والأجنبي مما يؤكد ان الديْن ليس مشكلة اقتصادية فحسب، بل ايضا رافعة وآلية تسلط وسلطة تعمل على افقارنا ودفعنا نحو كارثة وطنية وتمارس ابتزاز الأجيال.
إن تدبير الاقتصاد لمصلحة شعبنا يتطلب قرارات شجاعة و حلولاً جذرية، تتجه نحو ديمقراطية شاملة وتقليصاً حاداً لانتظارات الشعب عطفاً على إعفاء الديون بدلاً عن النضال للخلاص منها. لقد حولت الديون الحكومات والبرلمانات في بلادنا الى مجرد أدوات اجازة وتنفيذ قرارات وآجال مقررة خارج ما يسمى الارادة والسيادة الوطنية، اذ أن الخيارات والقرارات التي تؤثر على مصير شعبنا يحددها البنك وصندوق النقد الدوليين ومركز التجارة ومؤسسات نقد عالمية خارج البرلمانات، تعاونهم على انفاذها النخب المتعطشة للثراء الفردى، وما حوارات التسوية لقوى الحرية والتغيير او تحت اسمها الجديد” تقدم” برعاية من دول اقليمية واجنبية وما يصحبها من ” دعوات لوحدة وطنية ” لضم من اطلق عليهم الإسلاميون المعتدلون ولاستيعاب الاحزاب وقوى اجتماعية سقطت مع النظام المدحور في 11 ابريل 2019 بحجة نجاح احتواء الازمة الراهنة وايقاف الحرب تصب وتتوجه نحو تجميع القوى المعادية للمشروع الثورى للاجهاز على مبادئها وأهدافها ومن ثم المضى على طريق الليبرالية الجديدة وتكرار الازمة وتجلياتها فى السودان.
أن الليبرالية الجديدة معادية للديمقراطية الشاملة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ولا تحدث تنمية ولا نمواً يرتقيان بحياة الشعب، إنما تنمي الفساد والنفاق والجشع للثراء الفردانى وبيع الموارد والأرض وافقار منتجي بلادنا والشعب، فظاهر الفساد والممارسات والقيم التى تصحبها ليست مرتبطة بسوء التدبير لضبطها والسيطرة عليها إنما هى شرط بنيوي لسياسات الدائن والمدين، علاوة على ان الليبرالية الجديدة تضع مسافة وقدر من الاستقلال بين مجتمعاتنا والدولة اذ تتخلى الدولة عن مهامها نحو المواطنين وترفع يدها عن الخدمات العامة الضرورية لمصلحة الاقثصادويين فى المجتمع وحلفائهم الخارجيين (القطاع الخاص).
عمل الليبراليون الجدد على ردم المسافة الناتجة عن آليات السوق بين المجتمعات والدول عبر منظمات المجتمع المدني التى يمولها الاقتصاديون (الليبراليون الجدد) للحفاظ على سابق ولاء وانصياع المواطنين الاعتباريين للدولة فقد بهتا بتخلي الدولة عن توفير الرعاية للمواطن ثم عمد الليبراليون لاحقا الى علاقة الدائن والمدين لضمان التحكم وللهيمنة والمراقبة وإدارة تصرفات المواطن الفرد والمجتمع واستغلال دور الدولة لخدمتهم فى ضبط المواطنين المدينين، مجمل السكان.
زملاء/ت أعضاء الحزب الشيوعي المنخرطون فى منظمات المجتمع المدني الممولة من قبل الليبراليين الجدد يقعون تحت مراقبتهم ويسمحون لهم بالتحكم فى سلوكياتهم وتوجهاتهم واستغلالهم فى إضعاف المواطن بفردنة جهوده في مواجهة مصاعب الحياة الناتجة عن سياسات السوق الحر وضبط السكان بدلا عن تحريضهم ودفعهم للتعاضد والنضال المشترك لاستعادة وانتزاع حقوقهم المغتصبة ولتحقيق المساواة في المواطنة وعملياً يتخلى الزملاء/ت طوعاً عن مهامهم ودورهم الثوري والحزبي في تكوين و بناء التنظيمات الديمقراطية حول الهيئات والفروع الحزبية التى يعملون بها فى مجالات العمل والسكن والدراسة مسكاً بقضايا الجماهير في مجالاتهم المعينة والعمل معهم وبهم وحيث هم لرفع وعيهم ودفعهم للنضال للارتقاء بحياتهم وهزيمة سياسات وتداعيات الليبرالية الجديدة عليهم وتوجيه الوطن نحو تغييرات جذرية بنيوية تؤسس للثورة الوطنية الديمقراطية وبناء الاشتراكية فى بلادنا، بالتالي مهم عقد سمنار وإدارة نقاش ثر حول منظمات المجتمع المدني.
نخلص ان سلطة الليبرالية الجديدة تستخدم الديون والازمة لدفع الدول نحو الإفلاس مما يتيح لليبرالية الجديدة المزيد من التحكم لفرض السياسات الاقتصادية وتحديد معدلات الأجور والتدخل في السياسات الاجتماعية للدول التي تعاني العجز وبما انه ليس هناك بديلاً فلا بد لهذه الدول من أن تسدد استحقاقات الدائنين الذين اغتنوا فى الفترات السابقة وتملكوا الموارد وفرضوا الحكومات التي تضمن لهم استمرار مكاسبهم فى الدول والمجتمعات المدينة.
هكذا تبقى المهمة والوظيفة الأساسية للديْن/القرض هي عملية لتوجيه سلوك الدول المدينة بحيث يتطابق مع معايير الحياة التي تسنها المؤسسات النقدية على نهج الليبرالية الجديدة لتصبح الدول على أتم الاستعداد، وقابلة للتعبئة فى تقسيم العمل الدولي والاندماج فى السوق الرأسمالي العالمي وليس للتنمية والارتقاء بحياة المواطن فى الدول المدينة، هذا ما يجرى فى بلادنا السودان اذ يجعلون المجتمع والدولة قابلة للاستغلال والهيمنة على الموارد.
يقوم بهذا العمل موظفو البنك وصندوق النقد الدوليين تحت دعاوي الإشراف لتأهيل اقتصادنا وحوكمة التنمية للنمو وسداد ديوننا. يصمت اقتصاديو وسياسيو وحكام بلادنا بل ويعملون على قمع الرأى المختلف الرافض للاعتماد على الديون في الإصلاح الاقتصادى ودمغ المعارضين بالتطرف وعدم المواكبة مع الواقع وقلة المعرفة، مع انهم يذهبون ابعد من ذلك فى سبيل الحصول على القرض اذ يقر اقتصاديونا أمام ممثلي الدائنين بضعف قدراتهم وعجزهم عن الإصلاح ويسمحون لهم بالتدخل والتجسس على اقتصادنا وتوجيهه بل ويشتغلون على الذات لمواكبة املاءات وتنفيذ سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين الرامية للهيمنة على الوطن والموارد باتباع بلادنا سياسات السوق الحر والبقاء منتجاً للمواد الأولية بأيدى رخيصة وسوقاً للرأسمال العالمي والدوران في فلكهم وهكذا يبقى أي قول عن تنمية بلادنا لمصلحة شعبنا بالإعتماد في الأساس على قروض خارجية وتحت إملاءات البنك الدولي مجرد لغو حديث، امنيات لا تتحقق. معلوم ان منح وتقدير مبالغ الغرض تحتسب على أساس سلوك وأداء الدولة المدينة وسماحها بصياغة الفعل المستقبلي لها بمراقبة لصيقة لتوجه الدولة وتقييم مدى قدرتها على فرض امتثال الشعب لسلطة الدائن والمدين.
الديمقراطية فى ظل آليات السوق تنتفي فالسوق يخضع المدين للدائن الذى يحدد بشكل شبه مستقل تقييم الأشياء ويكره المدين للامتثال لتقييمه والا فقد ثقة الدائن وبذلك يفقد المدين حرية التصرف والاختيار، ليضمن الدائن سداد المدين دينه يكبله بجانب السياق الأخلاقي والاجتماعي بسياقات قانونية ورقابية غير عادلة ويحاصر خياراته وبذلك يفقد الحرية والاستقلال ويصبح المدين تابعا للدائن لا يتحكم فيما يريد فعله بل وخارج التصرف والحرمان من فرصة تقييم ماتم من إنجازات الدين.
هكذا يفرض البنك وصندوق النقد الدوليين خياراتهما واملاءتهما على الدول المدينة كالسودان لصالح الرأسمال العالمى المدين، وتصبح املائتهم ونظرياتهم الاقتصادية والمالية أس الأزمة العامة فى بلادنا. وصدق الرئيس البرازيلي الحالى” لولا دا سيلفا” حين قال: (ان مشاريع الانقاذ الممولة من أوروبا وصندوق النقد الدولي تفرض شروطا تضاعف المشاكل أكثر مما تحل) وغني عن القول الي “انه الى جانب الضمانات الأخلاقية للدائن على المدين ضمانات وقيود قانونية فضلا عن ضمانات اخرى اكثر او اقل حقيقية” حسب ماركس.
نخلص الى أن الليبرالية الجديدة لا تسعى فقط الى إخضاع دولة السودان بل تعمل بجانب ذلك الى استعبادنا كمجتمع وأفراد ونهب مواردنا.
بعض نتائج الليبرالية الجديدة على مجتمعات بلادنا 2010-2022 :
نستعرض عدد من التقارير أمثلة لمآلات اتباع نهج الليبرالية الجديدة وسياسات السوق الحر فى قطاعات ومجالات مختلفة قادت الى :
– تدهور الوضع المعيشي والحياتي للمواطنين.
– تفكك النسيج الاجتماعي والأسري.
– انفلات أمني مريع وتصاعد فى الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان وازدياد معدلات النزوح واللجوء.
– تدهور مريع فى قدرات المزارعين على اعادة الانتاج الزراعي و بوار مساحات واسعة في عدد من المواسم وعروات الصيف والشتاء دفعت البلاد نحو المجاعة وإلى تدهور أوضاع العمال الزراعيين فى المشاريع المروية القومية وشبه الآلية المطرية.
– تكبد المزارعون خسائر مدمرة لارتفاع تكلفة الانتاج الزراعي ورفع الدولة يدها عن العمل الإنتاجي وإهمال تأهيل المشاريع المروية القومية وخصخصة الوحدات الفنية التابعة لإدارات المشاريع لمصلحة القطاع الخاص.
– تراجع الدولة عن تمويل الانتاج الزراعي وتوفير المدخلات الزراعية والتنكر لحماية أسعار التركيز للمحاصيل المنتجة التي تعلنها وترك المزارعين تحت رحمة البنوك التجارية والشراكات الذكية وجشع التجار وسماسرة سوق المحاصيل.
– تولت البنوك التجارية تمويل عمليات الانتاج الزراعي بذات ضمانات الائتمان التجاري، فكانت ظاهرة الشراكات الزراعية بين المزارعين ورجال أعمال وتجار للتمويل مقابل احتكار واستلام المنتج الزراعي عند الحصاد وفرض علاقة الدائن والمدين فى الإنتاج الزراعي (إعادة علاقة الشيل).
– تعدد الرسوم والضرائب وفرض جبايات كثر على الانتاج الزراعي والمغالاة في العنف لتحصيلها من المزارعين والمنتجين لسد عجوزات الموازنات العامة للحكومة التى توالت، نتج عنها تراجع مزاولة مهنة الزراعة وهجر فقراء المزارعين والعمال الزراعيين الارض بحثا عن مهن أخرى تسد رمق أسرهم، والاضطرار للسكن في أطراف العاصمة القومية والمدن الكبرى فى الولايات ممتهنين أعمال هامشية مشكلين أحزمة الفقر حول المدن السودانية.
– فتح الدولة الحدود لحركة رأس مال والسلع والأرباح تنفيذاً لإملاءات البنك الدولي واعتماد الدولة على استيراد الغذاء من الخارج وتوقف اغلب المصانع وتواصل العاملة منها بطاقة إنتاجية اقل من النصف وتشريد العاملين .
– أشارت التقارير الى فشل المواسم الزراعية – الصيفية والشتوية – 2023/2022/2021 واعتماد الدولة على الاستيراد. أشارت التقارير الدولية الى ان أكثر من ربع سكان السودان يعانون من قلة الطعام، وتزامن مع هذا ان رفعت الدولة يدها عن دعم السلع والخدمات الضرورية لحياة الإنسان تحت نهج الليبرالية الجديدة.
– يعاني القطيع القومي من الأمراض والأوبئة لشح اللقاحات والأمصال الطبية البيطرية وتضاعف أسعارها بعد تحويل عملية استيرادها من الإمدادات الطبية التابعة لوزارة الثروة الحيوانية الى القطاع الخاص.
– كشف تقرير دولي عن مبادرين في 15 يونيو 2022 عن تعرض ما يقارب 8ملايين طفل للخطر، يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة في السودان اذ يتعرضون للخطر اكبر من جراء تزايد الازمات الاقتصادية، والجوع، والصراع، والممارسات الضارة. دعا التقرير المنظمات الإنسانية للتضامن مع الطفل السوداني.
– احصاءات وزارة التربية والتعليم السنوية للعام 2022 تشير الى ان 6.9 مليون طفل فى سن الدراسة خارج مؤسسات التعليم وان 12 مليون طفل يواجهون عدم الاستقرار فى التعليم.
– أعلنت جامعة الخرطوم فى العام الدراسي 2023/2022 انها مضطرة لرفع نسبة القبول الخاص فى كليات الجامعة بما في ذلك الطب والهندسة لسد عجز ميزانية تسيير الجامعة.
– السودان فى صدارة الدول التى تموت فيها النساء اثناء الحمل والولادة نتيجة للفقر ولغياب الرعاية والصحة الإنجابية فى اغلب مناحى السودان.
– شكت مصادر طبية عن تردي الأوضاع داخل المؤسسات الصحية وقالت إن أغلبها تحتاج لمعدات وأجهزة طبية. كما حذرت كوادر طبية فى مارس 2023 من كارثة انسانية وشيكة نسبة لشح أكياس الدم فى كافة مستشفيات السودان.
– كشف وزير الصحة المكلف ووكيله فى مارس2023 ان 36% من أطفال السودان دون الخامسة من العمر يعانون من سوء التغذية الحاد وان سوء التغذية من أبرز المشكلات التى تواجه النساء والأطفال فى السودان، وان 36% من الأطفال مصابون بالتقزم و14% من الهزال، وان 38% من حالات الوفاة بسبب سوء التغذية لمفاقمته الأمراض.
– كشف وزير الصحة المكلف عن بروز بعض الحالات المرضية كالضمور والشلل الرعاشي فى مناطق التعدين العشوائي.
– إحصاءات لإدارة الإحصاء القضائي تحدثت عن تزايد حالات الطلاق فى البلاد لأكثر من ربع مليون حالة (271,939) في الفترة 2016-2020 نتجت عن التدهور الاقتصادي والتشريد من العمل والبطالة وفقدان سبل كسب العيش والغيبة. سجل العام 2021 لوحده عدد 64,315 حالة طلاق.
– سبعة الف حالة ولادة خارج إطار العلاقة الزوجية بولاية الخرطوم فى الفترة بين 2011-2022 بأسباب التفكك الأسرى.
– ماطلت وسوفت حكومات الفترة الانتقالية ( تكنوقراط – محاصصات حزبية – وبالطبع المكلفة من انقلابيي 25 أكتوبر 2021) في اجازة مشروع قانون النقابات الموحد المقدم من قبل النقابيين السودانيين القائم على تقاليد الحركة النقابية السودانية وتجربتها الثرّة في نقابة الفئة وضمان ديمقراطية واستقلالية ووحدة الحركة النقابية. أصرت الحكومات على وضع قانون نقابي مغاير يعيد نقابة المنشأة التي أسس ووضع لبناتها النظام المدحور منحازا لأصحاب العمل وبغية استقطاب وإغراء المستثمرين الأجانب على حساب حقوق العاملين ومكتسباتهم السابقة حيث تفقد النقابات تحت قانون المنشأة الفعالية وقدرة العاملين على التعاون والتضامن والنضال المشترك لنيل الحقوق وحفظ المكاسب التى تحققت لهم بنضالهم النقابي بجانب وضع العراقيل أمام حركة المزارعين لاستعادة تكوين اتحادات المزارعين التى حلها النظام المدحور والإبقاء على الجمعيات ومنظمات أصحاب المهن الزراعية والحيوانية وقانونها 2011 المعدل 2014 القائم على منوال قانون الشركات 1925 في اتجاه مواصلة خصخصة المشاريع المروية القومية وتمكين أثرياء المزارعين على مقومات المشاريع في ( الجزيرة والمناقل وحلفا الجديدة والرهد والسوكي ) تمهيداً تحويلها لاستثمارات تملك فيها الاراضي للمستثمرين الاجانب واغنياء المزارعين وبغية الاستيلاء على اراضي ومراعي السودان البكرة وبيعها.
– مواصلة حكومات الانتقال لثورة ديسمبر 2018 في التصرف بالبيع او الشروع فى ايجار مساحات واسعة من أراضي السودان الزراعية الخصبة لأجانب تحت دعاوي الاستثمار لفترات طويلة تقارب القرن من الزمان خارج مهام الفترة الانتقالية وصلاحيات حكومة الانتقال؛ وكذلك التصديق على إقامة وتنفيذ مشاريع اطلقت عليها استثمارية غير مخول اجازتها الا لحكومات وبرلمانات منتخبة من الشعب :
أ- مشروع شركة الهواد الدولية المحدودة حيث تبلغ المساحة الكلية لمشروع الهواد الزراعي الحيواني خمسة مليون فدان تمتد على طول خمس ولايات ” نهر النيل، و الخرطوم، والجزيرة، والقضارف وكسلا، ” استقطع من هذه المساحة 2.4 مليون فدان لدولة الإمارات فى ولاية نهر النيل.
ب- تنفيذ ميناء ابو عمامة وملحقاتها على الساحل السوداني في البحر الأحمر لصالح دولة الإمارات بشراكة مع رجل أعمال سوداني الجنسية دون مراعاة لمقتضيات السيادة الوطنية.
ج- الإعلان عن الشروع فى بناء طريق السكة حديد القاري الممتد من أدري في تشاد الى بورتسودان.
هكذا ذهبت حكومات الفترة الانتقالية للثورة الى تنفيذ مخرجات اجتماعات شاتم هاوس مواصلة لسياسات النظام الشمولي وعقد الاتفاقيات مع جهات ودول أجنبية والتصرف في موارد السودان من وراء ظهر شعب السودان، على نهج الليبرالية الجديدة والسوق الحر وأصدرت قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص لمواصلة الخصخصة وسلعنة الخدمات الضرورية واتجهت للخارج للاستجداء وطلب المنح والقروض والسير على مسار التبعية للخارج وعلاقات الدائن والمدين مما أعاد دوران عوامل الازمة العامة وتجلي مظاهرها والعودة للدائرة الشريرة في الفترة الانتقالية فكان انقلاب 25 اكتوبر 2021 واندلاع الحرب في 15 ابريل 2023.
رأس المال العالمي لا يمانع في استبدال نظام انقلابي شمولي مرفوض من شعبه بحكومة مدنية ديمقراطية شكلاً تتبنى ذات السياسات ومنهج الليبرالية الجديدة وآليات السوق الحر تخضع لها خادمة لمصالحها.
رفض ومقاومة شعب السودان الانحراف عن مبادئ الثورة ونضالاته لاسترداد الثورة قبل الحرب:
– عندما تكتسب الجماهير الوعى والتنظيم تصبح طاقة مادية لا تقهر ولا تهزم ولا تقف أمام تحقيق إرادتها أي قوة مهما كان جبروتها ومهما تدججت بالسلاح واستخدمت عنفا مفرطاً.
– حزبنا عمل على استثارة الطبقات والشرائح الاجتماعية صانعة ثورة ديسمبر لمواصلة النضال والاصطفاف فى جبهة جماهيرية عريضة وبناء تحالف التغيير الجذري الشامل لاسترداد ثورتهم ومشروعها الرامي لتغيير واقع الشعب المزري الذي استطال ولصد وهزيمة ما يجري ويحاك من مؤامرات داخلية وخارجية ضد الوطن والثورة، فليس قدراً على شعب السودان ان تجهض القوى السياسية الاجتماعية الرجعية ثوراته وانتفاضاته الرانية دوماً للخلاص من التخلف والفقر وتحقيق استقرار سياسي مفارق للدائرة الشريرة وترسيخ ديمقراطية شاملة ترتقي بحياة الشعب.
– صقلت التجارب شعب السودان وايقن ان المخاطر تحيق بالسودان وتهدد سيادتها الوطنية ووحدته حين ينكص الشعب عن حراسة وحماية الثورة ومبادئها من الأعادي والمؤامرات التى تحاك ضدها داخلياً وخارجياً. عقد الشعب العزم على المضي قدما فى النضال لاسترداد الثورة ومداومة النضال لتحقيق مشروع وأهداف ثورة ديسمبر عميقة المحتوى وتفادي تكرار تجربتى اكتوبر 1964 وانتفاضة ابريل 1985 ومداومة الحراسة وضمان مسار الثورة نحو تحرر وطنى جذرى، واستقلال اقتصادي يعمل على سد حاجاته ويرتقى بحياته وينهض بالوطن محققا ديمقراطية مجتمعية تكون السيادة فيها للشعب بالكامل صانعة للقرار.
هكذا واصلت الجماهير النضال فى الفترة الانتقالية:
– صعدت موجة من الاضرابات ووقفات احتجاجية واسعة شملت شرائح اجتماعية واسعة فى مناطق مختلفة في السودان أرعبت الانقلابيين وقوى الهبوط الناعم المحليين والداعمين لهم من قوى إقليمية ودولية.
– شملت الاضرابات ووقفات الاحتجاج التجار فى عدد من مدن السودان: الدمازين، وسنار، والقضارف، والابيض، وتمبول، ومدن اخرى، رفضاً للضرائب الباهظة والجبايات الكثر المفروضة على أعمالهم اتحادياً وولائياً وما اصاب السلع من جرائها من غلاء وبوار وكساد البضائع والأسواق لضعف القوة الشرائية للمواطنين.
– ارتفعت معدلات اضرابات العاملين مطالبين بدفع اجورهم ومتاخرات مرتباتهم وتحسينها لتواكب غلاء السوق ومستنكرين رفع الدولة الدعم عن السلع الضرورية للحياة ولتحسين بئية العمل وشروط الخدمة. طالت اضرابات تلك الفترة قبل الحرب: شركات الكهرباء، ووزارة الحكم المحلي والداخلية والزراعة والغابات والتجارة والتموين، والعاملين بالحجر الزراعي في الموانئ والمطارات، مما عطل حركة الصادر والوارد، واضرابات الأطباء والمعلمين، ومفوضية اللاجئين، واضراب هيئة السكة حديد، والعاملين وسائقي البصات السفرية.
– فزعت قوى الهبوط الناعم من توجه العاملين في عدد من المهن الى عقد الجمعيات العمومية، بعد اليأس من اجازة الحكومة الانتقالية قانون العمل النقابي المقدم من قبلهم، وشرعوا في انتزاع حقهم فى تكوين النقابات التي تمثلهم وتعبر عنهم عبر عقد الجمعيات العمومية لنقابتهم وسحب الثقة من القيادات المنسوبة للنظام المدحور. هكذا انتظمت نقابة الصحفيين/ات، وتكونت لجنة تسيير منتخبة لنقابة اطباء السودان للإعداد لانتخابات النقابة وكذلك المحامين كونوا لجنة تسيير بعد ان سحبوا الثقة من قيادات فلول النظام المدحور الذين سيطروا على النقابة طوال سنوات الانقاذ. تمدد التحضير لعقد جمعيات عمومية لعدد من النقابات المهنية.
– اعتصامات محشودة للمواطنين فى مناطق التعدين العشوائي مناهضة لآثاره الضارة على البيئة والإنسان والحيوان وتلويث مياه الشرب والنيل.
– مقاومة المزارعين إهمال الدولة المتعمد في توفير مقومات الإنتاج الزراعي وعدم الالتزام بتوفير التمويل ومدخلات الإنتاج من مواد بترولية وأسمدة ومبيدات وخيش الخ وإسناد هذه المهام للقطاع الخاص وجشعه لتحقيق أعلى الأرباح وتنصل الدولة ممثلة فى وزارة المالية والبنك الزراعي من حماية اسعار تركيز المحاصيل المنتجة المعلنة من قبلهم وجعلهم فريسة للسماسرة والرأسمالية الطفيلية.
– مقاومة طلاب الجامعات رفع رسوم التسجيل فوق طاقة أسرهم وإهمال إدارات الجامعات توفير بيئة دراسية جامعية مستحقة للاحتجاج على السكن غير المريح والمطالبة بإعادة تبعيتها لإدارات الجامعات ورفض توسيع للقبول الخاص بحجة سد فجوة عجز موازنات الجامعات الحكومية.
– ملحمة اعتصام نرتتى الذي ألقم العنصريين الفاشيين حجراً حيث توافدت المجموعات السكانية من مختلف الإثنيات المتساكنة في المنطقة تتقدمهم لجان المقاومة ورجالات الإدارة الاهلية، وأمّت الاعتصام مجموعات اخرى من خارج منطقة نرتتى والتوافق والتواثق على التعايش السلمي والمساكنة الآمنة وعدم الاستجابة للدعوات والممارسات العنصرية لتاجيج الفتن والحروب القبلية ورفض الاعتداءات وانتهاكات حقوق المواطنين الآمنين ورفع شعارات ضد الحرب المصطنعة لقسرهم واجبارهم على هجرة الأرض والمرعى طمعا فى ثروات ظاهرها وباطنها . هكذا أعاد وجدد المؤتمر شعار الثورة العظيم ” يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور”.
– حملات الأسر ونشطاء حقوق الإنسان والشباب لإطلاق سراح الموقوفين لنشاطهم الثورى وممارسة التعذيب داخل المعتقلات وضد ممارسات الاغتصاب لكسر همة وصلابة الكنداكات والتنديد بالانتهاكات الفظة فى مناطق العمليات ومعسكرات النزوح مطالبين بتيسير الظروف لعودتهم لديارهم وأرضهم كرماء وتعويضهم لإيقاف الاعتداءات الجديدة وحرق المزارع والقرى.
– انتفاضات الأحياء والمدن فى العاصمة القومية والولايات لتوفير خدمات مياه الشرب والكهرباء واصحاح البئية ونقل النفايات.
– مواكب الجاليات السودانية فى المهاجر ضد انقلاب 25 اكتوبر 2021 ومحاصرة رموزه عند زياراتهم للخارج ودمغهم بفسادهم وفضح ممارساتهم العنف المفرط والقتل ضد المواكب المليونية السلمية الرافضة للانقلاب والمناضلة لاسترداد الثورة واستنكارا لتعاون بعض الدول الأوروبية والإقليمية مع مليشيا الدعم السريع المتورطة في نهب وتهريب الذهب وضد عودة الانتهاكات لحقوق الانسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية فى مناطق النزاع وللمطالبة بتسليم المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية.
مهام الحزب والحركة الجماهيرية في وقف الحرب واسترداد الثورة :
أولا: انفجار الحرب، آثارها وأهدافها:
مضت تسعة أشهر على الحرب اللعينة، وتدخل شهرها العاشر، وهي تحمل المزيد من الخراب والدمار وجرائم الحرب، وتدهور الوضع الإنساني، ومخاطر تقسيم البلاد، وتدمير البنيات التحتية ومرافق الدولة الحيوية، كما حدث اخيراً لمصفى الجيلي، وجريمة الحرب بالهجوم من الجيش على قافلة الصليب الأحمر في خرق واضح للأعراف الدولية، وتدمير كبرى شمبات الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري، وتبادل الاتهامات حول قصف جسر جبل أولياء من الجيش والدعم السريع، اضافة لخطورة إطالة أمد الحرب وتمددها لتشمل ولايات جديدة كما في احتلال الجنجويد لأربع عواصم من ولايات دارفور الخمس ووصول الحرب كردفان وقرى من ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني ونهر النيل والنيل الأبيض، وخطورة تأثيرها على استقرار المنطقة والبلدان المجاورة بحكم التداخل القبلي مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي، ويزيد من حدة الصراع الإقليمي والدولي لنهب موارد السودان وافريقيا، والصراع من أجل إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر من قواعد عسكرية وموانئ، باعتبار أن الحرب الجارية لا يمكن عزلها عن الحرب الروسية الاوكرانية وحرب غزة والقصف الأمريكي البريطاني لليمن والصراع من أجل نهب الموارد والسيطرة بين أمريكا وحلفائها وروسيا والصين لنهب الموارد وإعادة تقسيم العالم، مع تشديد سباق التسليح وميزانية الحرب الكبيرة على حساب احتياجات الجماهير الأساسية في التعليم والصحة والأمن الخ.
إضافة لإصرار “الفلول” على استمرار الحرب كما في بيان وزارة الخارجية الذي تنكر لبيان “الايغاد” في التزام الفريق البرهان بوقف الحرب ومقابلة حميدتي، بعد أن وافق الفريق البرهان عليه، مما يعد فضيحة دبلوماسية، و يفتح الباب للتدخل، وأخيراً انسحاب السودان من الايغاد.
أعربت بيانات “الايغاد” عن القلق لأثر الحرب على المدنيين والنساء والأطفال، ودعت لوقف فوري غير مشروط للحرب، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وادانت التدخلات الخارجية التي تمد المتحاربين بالسلاح ودعت لوقفها، وانه لايوجد حل عسكري للأزمة، وأشارت إلى تنظيم حوار مدني سوداني شامل يفضي لحكم ديمقراطي، وان السودان ليس ملكا لطرفي الحرب وإنما ملكا للشعب السوداني.
لكن ذلك يتطلب مواصلة الجهود الجماهيرية لوقف الحرب ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.
نتائج حرب أبريل 2023 :
أدت الحرب إلى دمار وخراب غير مسبوق في الوضع الإنساني والبني التحتية كما في الآتي:
– نزوح أكثر من 7.6 مليون شخص داخل وخارج البلاد، وتجاوز عدد القتلى 13 ألف شخص واصابة ما لايقل عن 26 الف في جميع أنحاء السودان حسب اخر بيانات الأمم المتحدة في 21 يناير 2024.
– تدمير المنشآت والبنى التحتية والمنازل جراء قصف الجيش واحتلال المنازل من الدعم السريع، ونهب عربات وممتلكات المواطنين، وحالات التطهير العرقي في غرب دارفور كما حدث لقبيلة المساليت كما في اتهام الولايات المتحدة الأمريكية للدعم السريع والمليشيات المتحالفة معه التي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية، اضافة لحالات الاغتصاب والعنف الجنسي والاعتقالات والتعذيب للمعتقلين بواسطة الدعم السريع والجيش، وحل لجان المقاومة ولجان التغيير والخدمات، وتنسيقيات قوى الحرية والتغيير واعتقال الصحفيين، والاعتداء على الكوادر الطبية مما أدي لمقتل بعضهم.، وجدت تلك الإجراءات القمعية مقاومة ورفضا واسعا من الجماهير والتي أكدت ان الحرب تهدف لتصفية الثورة.
– جلبت الحرب معها كل أشكال المعاناة والأمراض في ظل غياب الرعاية الصحية وخروج أكثر من 70% من مستشفيات العاصمة من الخدمة، وأن هناك 9600 حالة اشتباه بالكوليرا، و65% من السكان يفتقرون للوصول للرعاية الصحية حسب احصاءات الأمم المتحدة، إضافة للنقص في الدواء وتدهور صحة البيئة جراء الجثث المتراكمة في الطرقات، وعدم فتح المسارات الآمنة لوصول الإغاثة لمناطق النزوح والحرب، فانتشرت الأمراض مثل: حمى الضنك والكوليرا والملاريا..الخ. كما يحاصر الجوع نحو 25 مليون من سكان البلاد حسب بيانات الأمم المتحدة.
– إضافة لأثر الحرب على المواقع الأثرية والثقافية والتراثية وتدمير ونهب بعضها، كما تدهورت الأوضاع بسبب القطع المستمر للكهرباء والماء والاتصالات.
– إضافة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، فحسب توقعات صندوق النقد الدولي أن يتراجع نمو الاقتصاد في العام 2023 إلى 18% بسبب الحرب. إضافة لاستمرار التدهور في قيمة الجنيه السوداني.
– أدت الحرب الى تدهور الإنتاج الزراعي بخروج المزارعين من الإنتاج بسبب مشاكل الري وزيادة الضرائب ونقص التمويل اللازم وشح الوقود وارتفاع أسعاره، وتقلص المساحات المزروعة، مما يزيد من مخاطر المجاعة والنقص في الغذاء.
– فاقمت الحرب الأوضاع المعيشية وأدت لارتفاع الأسعار وقيمة النقل والخدمات و خروج 90% من المصانع عن العمل حسب وزارة الصناعة بسبب تدمير ونهب المصانع، اضافة لنهب الأسواق والبنوك، وعدم صرف العاملين لمرتباتهم، وفقدانهم لمقومات معيشتهم بعد إخلاء منازلهم وأصبحوا نازحين. وقدر بعض الاقتصاديين خسائر الحرب بأكثر من 100 مليار دولار.
– عطلت الحرب الدراسة في المدارس والجامعات التي يتطلب فتحها وقف الحرب وتوفير الأمن وخروج الجيش والدعم السريع منها والإصلاح العاجل لما دمرته الحرب.
هذا فضلا عن عدم فتح المسارات الآمنة لوصول الإغاثات للمواطنين تحت وابل الرصاص والقنابل، وجرائم الجنجويد في الإبادة الجماعية.
لا لتكرار الإفلات من العقاب:
أوضحنا سابقا الدمار الكبير الذي أحدثته الحرب التي اندلعت في 15 أبريل الماضي، فهي مواصلة للانتهاكات ومجازر ما بعد انقلاب 25 أكتوبر التي هي امتداد لمجازر اللجنة الأمنية بعد انقلابها في 11 أبريل 2019، مثل مجزرة فض اعتصام القيادة العامة التي مازالت تنتظر القصاص العادل للشهداء، اضافة للمجازر الأخرى في اطلاق الرصاص على المظاهرات السلمية كما حدث في الأبيض وغيرها.
فضلاً عن مجازر النظام البائد ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية في دارفور التي تتطلب تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، التي استمرت بعد الحرب كما حدث في جرائم الابادة الجماعية في الجنينة، وزالنجي، نيالا، والابيض، جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ومدينة مدني.الخ، في محاولة لتحويل الحرب الي عرقية واثنية، وما تبعها من سلب ونهب واغتصاب للنساء.
بالتالي لا يمكن تكرار التسوية مع طرفي الحرب بحيث يتم الإفلات من العقاب الذي يشجع على المزيد من ارتكاب الجرائم والانتهاكات كما حدث في تجربة بعد ثورة ديسمبر، وتجارب ما بعد الاستقلال.
الأزمة والحرب:
الحرب هي نتاج الأزمة العامة التي نتجت بعد الاستقلال، ودخول البلاد في الحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية التي أخذت 57 عاماً من عمر الاستقلال البالغ 67 عاماً، فلم تنعم البلاد بالاستقرار السياسي والاقتصادي والسلام، اضافة للقمع الوحشي من تلك الأنظمة الديكتاتورية والمدنية، وما نتج عنها من انتهاكات ومجازر لم يتم فيها المحاسبة مما أدي لتكرارها.
انفجرت الحرب بعد الانقلاب على ثورة ديسمبر في 25 أكتوبر 2021، وبعد الخلاف بين الجيش والدعم السريع حول مدة دمجه في الجيش في الاتفاق الإطاري، وما نتج عن الحرب من أزمة إنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، مما فتح الباب للتدخل الدولي، كما يجري في مفاوضات جدة وفشلها الأخير، وكما جاء في البيان الصحفي لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بيلنكن الذي أشار لجرائم الحرب التي ارتكبها الجيش والدعم السريع، وأن أعضاء من قوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم ضد الانسانية وتطهيرا عرقيا، كما أشار الى أن تدفق السلاح الى الطرفين يؤدي الى إطالة أمد الصراع الذي ليس له حل عسكري، وان كل الأدوات متاحة لانهاء هذا الصراع، اضافة لقمة “الايغاد” الأخيرة التي أشارت لوقف الحرب والمأساة الإنسانية.
بالتالي أصبح التدخل العسكري واردا في ظل الصراع، الإقليمي والدولي لنهب موارد السودان، وحول الحصول على القواعد البحرية.، مما يتطلب أوسع نهوض. جماهيري لوقف الحرب ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها.
المؤامرات والثورة:
ظلت ثورة ديسمبر شامخة رغم المتاريس ضدها مثل مجزرة فض الاعتصام التي مازالت تنتظر المحاسبة، وضد اختطاف الثورة من قوي “الهبوط الناعم”، وما خاضته الجماهير من نضال ضد تدهور المعيشة والاقتصاد والخدمات والأمن والتفريط في السيادة الوطنية ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية، وضد الابادة الجماعية والعنف الجنسي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، بمختلف الأشكال من مواكب مظاهرات ومليونيات واعتصامات ووقفات احتجاجية، وضد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أدى للحرب اللعينة بهدف تصفية الثورة، وتقديم المزيد من الشهداء.
في ذكرى ثورة ديسمبر الخامسة من المهم أوسع احتفال بها بمختلف الأشكال حسب ظروف كل منطقة، وأن تقف جماهير الثورة وقواها الثورية لمراجعة تجربتها السابقة التي أدت لاختطاف قوى “الهبوط الناعم” للثورة، تلك القوى التي راهنت على الحوار مع النظام البائد والمشاركة في انتخابات 2020 كمخرج بديلاً لإسقاط النظام التي رأت أنه من رابع المستحيلات، وتسعى هذه القوى بعد الحرب اللعينة لتجريب المجرب بتكرار تجربة الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري، كما هو جارى في حصيلة اجتماعات وبيانات الجبهة المدنية (تقدم)، وقوى الحرية والتغيير، وفي إعلان أديس ابابا السياسي بين ” تقدم” والدعم السريع، مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب ويهدد بتمزيق وحدة البلاد.
أولا: جاء انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد لقطع الطريق أمام الثورة، الذي اتخذ الخطوات التالية:
تحالفت قوى” الهبوط الناعم” مع العسكر و تآمرت على الثورة، بعد مجزرة فض الاعتصام، بدعم خارجي خليجي وأمريكي وأوربي وأفريقي، انقلبت على ميثاق قوى الحرية والتغيير، ووقعت على “الوثيقة الدستورية” التي كرّست حكم العسكر، وقننت قوات الدعم السريع دستورياً.
تمّ الانقلاب على الوثيقة الدستورية نفسها، بالسير في خط “الهبوط الناعم ” الذي أعاد إنتاج سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية، والاتفاقات الجزئية للسلام، كما في اتفاق جوبا، والتفريط في السيادة الوطنية، وأبقت على مصالح الرأسمالية الطفيلية مع تغييرات شكلية.
وجاء انقلاب 25 أكتوبر ليطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية، ويعيد التمكين والأموال المنهوبة التي تم استردادها من الفاسدين، بعد المقاومة الجماهيرية الواسعة التي وجدها الانقلاب وفشل حتى في تكوين حكومة، تدخلت المحاور الاقليمية لفرض الاتفاق الإطاري، الذي فجر الصراع بين الجيش والدعم السريع حول السلطة والثروة بدعم خارجي الذي وصل قمته بعد الاتفاق الإطاري وطرح قضية دمج الدعم السريع في الجيش، مما أدى لانفجار الحرب الجارية حالياً، بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الإقليمية والدولية المتصارعة على موارد البلاد، وقيام القواعد العسكرية والموانئ على البحر الأحمر.
ثانياً: حصيلة سياسات حكومات الفترة الانتقالية بعد الثورة التي قادت للأزمة و انفجار الحرب :
– تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والارتهان للخارج بالخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي، مما أدى لتدهور قيمة الجنية السوداني، وسحب الدعم عن السلع الأساسية مثل: الوقود والكهرباء والدواء. الخ والاستمرار في سياسة النظام البائد في نهب اراضي وثروات البلاد.
– في الحقوق والحريات الأساسية والعدالة، ابقت الحكومات على القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النقابات 2010 ” قانون المنشأة”، وعدم اجازة القانون الديمقراطي للنقابات الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
– اضافة لعدم تسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، والخرق المستمر” للوثيقة الدستورية” وتأخير تكوين المجلس التشريعي، ورفض المحاصصات في تكوينه لمصلحة “الهبوط الناعم” وعدم إعلان نتائج التقصي في مجزرة فض الاعتصام، والانتهاكات باطلاق النار على المواكب والتجمعات السلمية ومحاسبة المسؤولين عنها، والخرق لـ “الوثيقة الدستورية” المستمر، اضافة لتزوير توصيات المؤتمر الاقتصادي، كما واجهت السلطة الحراك الجماهيري بالمجازر والقمع الوحشي واطلاق النار على تلك الاحتجاجات السلمية مما أدى لاستشهاد وإصابات لبعض المواطنين، كما حدث في مجزرة فض الاعتصام التي لم تظهر حتى الآن نتائج لجنة التقصي فيه، المواكب السلمية.
– عدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن، وحل كل المليشيات (دعم سريع، الكيزان وجيوش الحركات)، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعدم إصلاح القضاء والنيابة العامة وقيام المحكمة الدستورية، والبطء في تفكيك النظام واستعادة أموال الشعب المنهوبة ،وعدم تكوين التشريعي والمفوضيات.
– اتفاق جوبا الذي جاء على خطى السير في سياسات النظام البائد في السلام الجزئي القائم على المحاصصات الذي يعيد إنتاج الحرب ويفتت وحدة البلاد.
– التفريط في السيادة الوطنية، وربط البلاد بالأحلاف العسكرية الخارجية، لنهب أراضي ومياه وثروات البلاد الزراعية والمعدنية، والسيطرة على الموانئ، والاتفاقيات لقيام قواعد عسكرية بحرية لروسيا وأمريكا، والتفريط في أراضي البلاد المحتلة ( الفشقة، حلايب، شلاتين. الخ)، وزج السودان في الحروب الخارجية ( اليمن. الخ)، مما يهدد أمن البلاد، بدلا من التوازن في علاقاتنا الخارجية لمصلحة شعب السودان، والخضوع للابتزاز الأمريكي بالرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع مع اسرائيل الذي من مهام الحكومة المنتخبة القادمة، وإلغاء قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب، ودفع مبلغ 335 مليون دولار عن جرائم إرهابية ارتكبها النظام البائد وشعب السودان غير مسؤول عنها، وهو يعاني المعيشة الضنكا جراء الارتفاع المستمر في الأسعار، والنقص في الوقود والخبز والدواء والعجز عن طباعة الكتاب المدرسي. الخ، فضلا عن المراوغة وعدم الشفافية في التطبيع، باعتبار ذلك استمرار في أسلوب النظام البائد القائم على الأكاذيب ونقض العهود والمواثيق، و الخضوع للاملاءات الخارجية، مثل فصل البشير للجنوب مقابل وعد برفع السودان من قائمة الإرهاب، .الخ، تم فصل الجنوب وظل السودان في قائمة الإرهاب.
ثالثاً: طريق الحركة الجماهيرية لوقف الحرب واسترداد الثورة:
اشرنا سابقاً إلى حصاد سياسات الفترة الانتقالية التي قادت للحرب، وضرورة تجاوزها والخروج منها حتى لا نعيد إنتاج الأزمة والحرب. فمن خلال رصد النشاط لتلك القوى التي نفذت تلك السياسات في الفترة الانتقالية كما هو الحال في قيادة الجيش والدعم السريع.، ونشاط “الفلول” لتأجيج نار الحرب، واجتماع تجمع القوى المدنية ( تقدم )، وتوقيع الإعلان السياسي مع الدعم السريع الهادف لتكريس الشراكة والاتفاق الإطاري والإفلات من العقاب مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب، واجتماع قوى الحرية والتغيير الأخير في القاهرة، وَجولات قادتها في دول جنوب السودان واثيوبيا وكينيا وغيرها، كل هذا النشاط المتزامن مع محادثات جدة التي انضم لها الاتحاد الأفريقي و”الإيغاد”، والمدعوم من أمريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين بهدف تصفية الثورة، اضافة لحصيلة قمة دول “الإيغاد” الأخيرة، كما تم الإعلان، لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول لتسوية سياسية من خلال حوار بمشاركة واسعة. اي أنها تعيد الاتفاق الإطاري بشكل أو آخر.
لكن كعب اخيل في أن ما يجري يقود للسياسات نفسها التي تعيد إنتاج الحرب والازمة، وتعصف بوحدة السودان التي اصبحت في مهب الريح.
بالتالي مع أهمية وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، من المهم الخروج من هذه الحلقة الجهنمية، باسترداد الثورة والسير قدما في التغيير الجذري الذي يرسخ الحكم المدني الديمقراطي والسلام، فما هو المخرج؟!
المخرج من تلك السياسات:
أوسع تحالف قاعدي جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، يستند التحالف على تجاربنا السابقة، ويسير قدماً بعد إسقاط حكومة الأمر الواقع الانقلابية نحو اقامة البديل المدني الديمقراطي الهادف للتغيير الجذري، ومواصلة الثورة حتى تحقيق الأهداف التالية:
– وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تدهورت، وصرف مرتبات العاملين، وتركيز الأسعار مع زيادة الأجور التي تآكلت.
– رفض توصيات صندوق النقد الدولي في تخفيض العملة والخصخصة، ورفع الدعم عن التعليم والصحة والدواء، وزيادة المحروقات التي ترفع أسعار كل السلع.
– دعم التعليم والصحة والدواء، وتغيير العملة، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع، وخروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وتخفيض منصرفات القطاعين السيادي والحكومي، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والدواء والتنمية، وضم كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات وشركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية.
– زيادة الصادر وتقليل الوارد الا للضروري، وتقوية الدور القيادي للقطاع العام والتعاوني إضافة للمختلط والخاص، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي والنقل لتوفير فرص العمل للعاطلين، وتقوية الجنية السوداني، سيطرة بنك السودان على العملات الأجنبية. الخ، والغاء قوانين الاستثمار 2021 وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص 2021، وقانون التعدين الهادفة لنهب ثروات البلاد وأراضيها الزراعية.
– تقديم مجرمي الحرب للمحاكمة، إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، القصاص لشهداء مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء، وإجازة قانون ديمقراطي للنقابات يؤكد ديمقراطية واستقلالية العمل النقابي، وإصلاح النظام القانوني والعدلي وتكريس حكم القانون، وإعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات النظامية، وحل كل المليشيات وجمع السلاح وفق الترتيبات الأمنية، وعودة المفصولين من العمل مدنيين وعسكريين، وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، ورفض المحاصصة في تكوين التشريعي.
– اضافة لتحقيق أوسع تحالف للدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية، ومراجعة كل الاتفاقات السابقة حول الأراضي التي تصل مدة إيجارها الى 99 عاماً!!، ومراجعة اتفاقيات التعدين للذهب التي تنال فيها 70% .
– إلغاء القانون الجنائي لعام 1990 ، والعودة لقوانين 1974 مع تطويرها، الموافقة على “سيداو” بكل بنودها، قومية ومهنية الخدمة المدنية.
– تمثيل المرأة بنسبة 50% في كل المواقع الحكومية والتشريعية، ومساواتها الفعلية مع الرجل.
– وثيقة دستورية جديدة تؤكد النظام الديمقراطي البرلماني والحكم المدني الديمقراطي ، وتضمن الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية.
– تحقيق السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة وينجز التحول الديمقراطي، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وتفكيك التمكين، والتنمية المتوازنة، وتحديد نصيب المجتمعات المحلية من عائدات الذهب والبترول.الخ لتنمية مناطقها، والعدالة والمحاسبة علي جرائم الحرب والابادة الجماعية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية الذي يحدد شكل الحكم في البلاد، وهوّية البلاد وعلاقة الدين بالدولة..الخ، والتوافق على دستور ديمقراطي قانون انتخابات ديمقراطي، يتم على أساسه انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وعودة النازحين لقراهم وتوفير الخدمات لهم ” تعليم، صحة، مياه، كهرباء، خدمات بيطرية.الخ”، حل كل المليشيات وجمع السلاح، وقيام المؤتمر الجامع الذي يشارك فيه الجميع من حركات وقوى سياسية ومنظمات مدنية وجماهير المعسكرات، للوصول للحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، ووقف التدخل الخارجي.
– تحقيق السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة بإلغاء كل الاتفاقات العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، وقوات الأفريكوم، واستعادة كل الأراضي السودانية المحتلة “الفشقة، حلايب، شلاتين”، الغاء الاتفاقيات لقيام القواعد العسكرية البحرية لروسيا وأمريكا، والحلف العسكري مع مصر ، الغاء التطبيع مع اسرائيل ، والابفاء على قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب، وحماية منشآت السودان المائية واراضيه من خطر سد النهضة، واتفاق ملزم لمد السودان بالكهرباء والمياه الكافية لمشاريع السودان الزراعية والعمرانية، ووقف المخطط لتأجير الميناء ، وقيام قاعدة لتركيا في سواكن. وقيام علاقاتنا الخارجية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
رابعاً: تصعيد جماهيري لوقف الحرب:
التصعيد الجماهيري لوقف الحرب لاينفصل عن مطالب الجماهير اليومية:
أشرنا سابقاً أن مطلب وقف الحرب لا نبحث عنه في الخارج رغم أن الخارج عامل مساعد في الضغط والمساعدات الانسانية، لكن ما نبحث عنه موجود في الداخل، فقد فتحت الحرب الطريق لنهوض جماهيري واسع يجب أن يرتبط بمطالب الجماهير اليومية العاجلة كما في الآتي:
-وقف الحرب واسترداد الثورة.
– مواصلة الاهتمام بالنازحين في دارفور، وبقية المناطق بعد الحرب الذين زاد عددهم ومعسكراتهم، وضرورة تنظيمهم ودعم مطالبهم في توفير الخدمات ووصول الإغاثة والخدمات لهم، و العودة لقراهم و مناطقهم ومنازلهم.
– وقف العنف الجنسي والاغتصاب وخطف البنات.
– مقاومة ورفض تصفية الحسابات السياسية من “الكيزان” والدعم السريع بحملات الاستهداف والاعتقالات لاعضاء الأحزاب السياسية والنقابات ولجان المقاومة، واعتقال الصحفيين، ولجان الخدمات كما حدث في سنار وعطبرة وسنجة والدمازين، والخرطوم. الخ، والرفض الواسع لذلك، ورفض قرارات حل لجان المقاومة ولجان التغيير والخدمات، وتنسيقيات قوى الحرية والتغيير، ووقف التعذيب الوحشي للمعتقلين في سجون الجيش والدعم السريع، وإطلاق سراح المعتقلين، وتوفير العلاج للمصابين، وعودة المفقودين لاسرهم.
– مقاومة اقتحام الدعم السريع للمنازل وضرب السكان، ومقاومة ورفض قصف الجيش لمرافق الخدمات والمؤسسات الصحية والتعليمية والمصانع، ولمنازل المواطنين، والآثار التاريخية.
– مقاومة استمرار اغتيال الكوادر الطبية، وقف قصف المستشفيات.
– تقوية لجان المقاومة ولجان الخدمات والتغيير في الأحياء ورفض حلها، ورفض حكومة الأمر الواقع التي يحاول الدعم السريع والجيش فرضها في أماكن سيطرتهما، وتكوين لجان الأحياء لتكون حكومات الأحياء وتطويرها لتكوين لجان حكومات المدن والولايات.
– وقف الابادة الجماعية في مدن دارفور والابيض، ومدني التي نزح منها حوالي 500 الف بعد احتلال الدعم السريع لها. الخ، وتشريد النازحين من مراكز الإيواء دون تقديم بديل لهم وخروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات ومرافق المياه والكهرباء، والمؤسسات التعليمية، ومن الأحياء وعدم اتخاذ المدنيين دروعا بشرية، وتقديم المساعدات للمتضررين من الحرب.
– ضرورة التوثيق الجيد لجرائم الحرب الجارية، ورفع قضايا للمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الابادة الجماعية لطرفي الحرب، فهي حرب استهدفت المدنيين والنساء والأطفال، وتهجير المواطنين من الخرطوم ودارفور، ومدني وبقية المناطق وتهدف لتصفية الثورة وتغيير موازين القوى لعودة “الكيزان” والدعم السريع للسلطة ، لكن هيهات.
إضافة للمطالب الأخرى مثل:
– خروج الدعم السريع ومعسكرات الجيش من المدن والأحياء، وخروج العسكر من السياسة وحل الدعم السريع ومليشيات الفلول وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد، ورفض إعادة العسكر والجنجويد للمشاركة في السلطة، كما في المحاولات الجارية للعودة للانفاق الإطاري أو العودة لما قبل 25 أكتوبر، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، تقديم مجرمي الحرب للمحاكمات.
– تحسين مستوى المعيشة التي تدهورت بعد الحرب، وعدم صرف مرتبات العاملين لأكثر من ستة أشهر، ومواصلة قيام النقابات لتحسين أوضاع العاملين، وتوفير خدمات الصحة والدواء والتعليم، إصلاح شبكات المياه والكهرباء التي دمرتها الحرب اللعينة، وإنقاذ العام الدراسي في التعليم العام والعالي، وإصلاح النظام المصرفي الذي زاد تدهورا بعد الحرب. الخ، واصلاح ما خربته الحرب، وعودة الحياة لطبيعتها، والنازحين لمدنهم ومنازلهم وقراهم، وتعويض المتضررين من الحرب، وصرف مرتبات العاملين.
– قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وتحقيق السيادة الوطنية وحماية ثروات البلاد من النهب، وعدم شرعية الحكومة الحالية في عقد اتفاقيات جديدة للتعدين في الذهب كما في زيارة مالك عقار لروسيا، في استمرار لتدخل روسيا لنهب ثروات الذهب، وتدويل الحرب الجارية مع امريكا وحلفائها لنهب ثروات البلاد والوجود العسكري فيها على البحر الأحمر، وإعادة النظر في كل اتفاقات الأراضي والتعدين المجحفة التي تمت في غياب الشرعية، واستعادة أراضي السودان المحتلة.
لقد أدت الحرب لتغييرات عميقة وخلقت وعياً بخطورة الدعم السريع و”الكيزان” مما يتطلب مواصلة الثورة، وتعمير ما خربته الحرب، وتحقيق أهداف الثورة التي حاول طرفا الحرب طمس معالمها، ولكنها زادت توهجا، وتأكد ضرورة مواصلتها وتحقيق مهام الفترة الانتقالية..
خامساً: تأهيل الحزب سياسياً تنظيمياً وفكرياً:
الواجب العاجل هو المزيد من التنظيم ليواصل الحزب نشاطه بفعالية في الحركة الجماهيرية بإنجاز المهام الآتية:
– استقرار العمل القيادي من المركز الى لجان المناطق والمكاتب والقطاعات والمدن والفروع، وحسم حالات الاسترخاء والبطء في العمل، وترسيخ مناهج عملنا الثوري.
– استكمال عملية التوصيلات للنازحين داخل وخارج البلاد.
– استقرار الصلة ووصول الوثائق للمناطق والمكاتب والفروع ومتابعة مناقشتها ورفع حصيلة المناقشات لنشرها في الشيوعي والمنظم.
– مواصلة عملية بناء الحزب باعتبار ذلك عملية ثابتة في كل الظروف مدها وجذرها، وتأهيل المرشحين والإسراع في استيعابهم وقيام دورات المعلمين والكادر.
– تقوية عملنا الدعائي وقيام أدواته.
– بناء التنظيمات الديمقراطية حول الفروع في مجالات العمل والسكن والدراسة.
– مواصلة التحضير للمؤتمر السابع واستكمال وثائقه.
– تقوية تأمين وحماية الحزب وبناء أدوات العمل السري وتوفير كادره وقيام أجهزة الطباعة.
– اصدار مجلتي الشيوعي والمنظم ويمكن البداية بصدورهما اسفيريا مثل الميدان.
– تحسين جبهة العمل المالي بتسديد الاشتراكات وحملات التبرعات.
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي السوداني
23 يناير 2024م.