كيف أدي الخضوع لشروط الصندوق للتدهور؟ (1 / 2)

0 118

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

أشرنا سابقا الي أن التعامل مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين لا يعني الخضوع لشروط الصندوق القاسية في فرض سياسة التقشف وتخفيض العملة، ورفع الدعم عن الوقود والدواء والعلاج والتعليم، وخصخصة قطاع الدولة، والقروض التي تكرّس للمزيد من التبعية وفقدان السيادة الوطنية ، الخ، فدول كثيرة رفضت هذه الشروط القاسية وتحسنت أوضاعها الاقتصادية والمعيشية، أما الدول التي خضعت لشروط الصندوق القاسية فقد عانت من التدهور الاقتصادي والمعيشي مثل : السودان حيث أدي الخضوع لشروط الصندوق القاسية الي الآتي:

– انتفاضة أبريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2018، بعد سياسة الخضوع لشروط الصندوق في رفع الدعم وتخفيض الجنية السوداني التي سار فيها نظام مايو الانقاذ.

– مقاومة سياسة رئيس الوزراء السابق حمدوك الذي رفض توصيات المؤتمر الاقتصادي وخضع لشروط الصندوق القاسية التي خفضت الجنية لأكثر من 600%، وزادت اسعار الوقود والكهرباء والدواء، والأسعار عموما. الخ.

– عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 ازداد الوضع تدهورا عندما سار وزير المالية جبريل في سياسة التقشف وتخفيض الجنية، ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء ، ومدخلات الإنتاج مما أدي لتدهور الإنتاج الزراعي والصناعي، وارتفاع الأسعار المستمر والجبايات والضرائب، واستمرار نهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج حنى اصبحت الحياة لا تطاق.

– بعد الحرب اللعينة التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 ازداد الوضع تدهورا، حيث استمر الاتخفاض في الجنية السوداني الذي فقد حوالي 50% من قيمته بعد الحرب حتى وصل الدولار الي 1100 جنية مقارنة مع 600 جنية فبل اندلاع الحرب، مما أدي الي أن تتآكل موجودات البنوك السودانية المقدرة بتحو 45 تريليون جنية بمقدار حوالى النصف خلال الفترة الأخيرة بعد الخرب، فضلا عن نعرض المصارف للنهب والتخريب منذ بداية الحرب، مما أدي لتدهور البنوك وتشريد الموظفين ( راجع تقرير سكاى نيوز: 25 يناير 2024).

أدي ذلك لارتفاع معدلات الفقر الي أكثر من 65%، وقُدرت الخسائر الاقتصادية بأكثر من 100 مليار دولار، كما توقف أكثر من 400 مصنع عن العمل تماما بعد الحرب،

عموما فقد الجنية السوداني جراء التخفيضات المستمرة حوالي ( 70% – 80 %) من قيمته.

كما استمرت سياسة النظام البائد في حل الأزمة على حساب الجماهير، كما في القرار الأخير بزيادة الدولار الجمركي من 650 جني الي 950 جنية، لتمويل الحرب اللعينة، أي بزيادة حوالى 45 %، مما يؤدي للمزيد من الزيادات في أسعار السلع، وتفاقم الأوضاع المعيشية المتدهورة اصلا بعد الحرب.

للمزيد من تسليط الضوء على هذا الموضوع، نعيد نشر هذه الدراسة عن تجربة صندوق النقد الدولي في السودان

2

كان الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي القاسية كارثة علي الاقتصاد السوداني، منذ تنفيذها في العام 1978.

كما هو معلوم تبلورت فكرة صندوق النقد الدولي في يوليو 1944 أثناء مؤتمرللأمم المتحدة في يريتون وودز، وتأسس فعليا عام 1945، بعد أن وقعت عليه 29 دولة تحت شعار ” العمل علي تعزيز سلامة الاقتصاد الدولي”، بعد تجربة الأزمة الاقتصادية والكساد في الثلاثينيات من القرن الماضي.

الصندوق مع البنك الدولي أداتان من أدوات الدول الرأسمالية الكبري للسيطرة الاقتصادية، ونشر الرأسمالية والدفاع عن قواعدها في العالم، وخدمة مصالحها باسترجاع ديون الأغنياء، مما يزيدهم غني، والفقراء فقرا، ودمج البلدان المتخلفة بالنظام الرأسمالي العالمي بفرض شروط التبعية علي البلد المقترض مثل:

– إلغاء الدعم علي السلع الضرورية، ورفع أسعار المحروقات ووحدات الطاقة الكهربائية ووقف دعم القطاع العام للأسعار” توازن التكاليف والأسعار”.

– التوسع في اقتصاد السوق والقطاع الخاص.

– تخفيض قيمة العملة.

– برامج التكيف الهيكلي بالخصخصة وتشريد العاملين، وسحب الدولة يدها من تعيين الخريجين بحجة تخفيض النفقات الحكومية.

– فتح السوق المحلي أمام الواردات الأجنبية تحت شعار تحرير التجارة، مما يضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وربما يؤدي لتوقفها.

حصيلة هذه السياسات التي يفرضها البنك والصندوق الدوليين كانت وبالا علي الدول التي طبقتها ،وادت لتعميق الفقر وزيادة تكاليف المعيشة، وتدهور القوى الشرائية، والمزيد من التصخم والعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، والفشل في تحقيق الاصلاحات المطلوبة ، واستفحال المديونية ، مما أدي للثورات مثل : ثورات الشعوب في المنطقة العربية ” الربيع العربي”، ودول أمريكا الجنوبية، وبعض البلدان الأوربية والآسيوية.

3

ويمكن أن نشير الي تجربة وآثار سياسات الصندوق الاقتصادية والاجتماعية في السودان في الآتي:

بعد انقلاب 22 يوليو1971 الدموي اتجه نظام مايو نحو مؤسسات الرأسمالية العالمية، وفُتحت الأبواب للشركات متعددة الجنسيات والبنوك الأجنبية ( التي عادت منذ بداية النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي بعد قرارات التأميم عام 1970 ) لدخول السوق السوداني مثل : شركات: لورنرو – شيفرون – ترياد .. الخ ، التي أنهكت الاقتصاد السوداني بارتفاع تكلفة إنشاء المشروعات ( مثال : كنانة ارتفع من 120 مليون دولار إلى حوالي مليار دولار )، إضافة للفوائد العالية للقروض التي وصلت أحيانا إلى 16 % وما تبعها من فساد وعمولات، كما ساعدت على نمو طبقة رأسمالية طفيلية استفادت من الارتباط الكثيف بالسوق الرأسمالي العالمي، كما نالت الشركات والبنوك الأجنبية امتيازات عديدة متمثلة في قوانين تشجيع الاستثمار الصناعي والزراعي والخدمي .

 

* في العام 1977 ، فشلت الخطة الخمسية المعدلة ( 1970 /1971 – 1976/ 1977)، وتعمقت الأزمة الاقتصادية جراء الفساد والصرف الضخم علي جهاز الدولة والأمن والدفاع ، وفشل ما يسمي بمشاريع التنمية، وأصيح النظام لقمةً سائغة لشروط صندوق النقد الدولي التي اعترض عليها وزير المالية الشريف الخاتم يومئذ، واقترح معالجة الأزمة باجراءات تخفيض مصروفات الدولة، وتمّ اعفاؤه من منصبه، وجاء بدر الدين سليمان الذي نفذ شروط الصندوق التي تتلخص في ( تخفيض الجنية، وايقاف مشروعات التنمية،وسياسات التقشف. الخ).

4

منذ ذلك الوقت تدهور الاقتصاد السوداني علي النحو التالي:

– تدهور في الميزان التجاري والعجز المتزايد والمستمر فيه، تفاقم العجز في ميزان المدفوعات ولجأ النظام إلى الاستدانة لتلبية حاجات الاستهلاك والتنمية، وفي نهاية هذه الفترة بلغت ديون السودان 9 مليار دولار .

– تم إجراء خمسة تخفيضات في قيمة الجنية السوداني، ورغم ذلك تدهور الميزان التجاري ، كما زادت حدة التضخم (بلغ المتوسط 37 % في الفترة: ( 78 / 1979 – 84 / 1985) ، بينما كان المتوسط 22 % في الفترة : (70 / 71 – 77 / 1978 ) . ( د . عبد المحسن مصطفي صالح : صندوق النقد الدولي في السودان ، الكويت فبراير 1988 ) .

– شهدت الفترة:( 78 / 1979 – 84 /1985) أكبر عملية تهريب لروؤس الأموال السودانية إلى الخارج (تصدير الفائض الاقتصادي للخارج). وتم تقدير رأس المال الهارب بحسابات مختلفة 19 مليار دولار ، 16 مليار دولار ، 11 مليار دولار، ومهما يكن من أمر إذا أخذنا المتوسط 15 مليار دولار ، نلاحظ أن رأس المال الهارب للخارج كان ضخما . وحسب د . على عبد القادر ً إن القطاع المصرفي السوداني يقف متهما بتمويل عملية تهريب رأس المال من خلال تمويله لعمليات السوق السوداء للنقد الأجنبي، ونلاحظ سريعا، أن القطاع المصرفي مملوك للدولة بنسبة 60 % !!! . ( د . على عبد القادر على: حول سياسات التصحيح وهروب رأس المال، الكويت فبراير 1988 ).

نواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.