كورونا والدرس الصيني

0 113

كتب د. النور حمد:

ربما تفتح جائحة فيروس كورونا، التي اجتاحت العالم، مسارب جديدة، لتطور الوعي البشري. وربما تجني البشرية، من هذه التجربة، غير المسبوقة، قفزةً مفاهيميةً، تعوض الخسائر الفادحة، في الأرواح، وفي الأموال، التي فُقدت. فالمعنى غير المسبوق، الذي أكدته هذه الجائحة، هو ما غفلت عنه مفاهيم الحداثة الغربية. وهو، أن مصير البشر مترابطٌ عضويا. فالبشر، في نهاية المطاف، إما أن ينجوا معًا، أو يهلكوا معا. فمفهوم المنعة الجزئية، والصراع والتدافع القديم، العنيف، اللذان جعلا تاريخ البشرية حربًا، ضروسًا، بين منتصرٍ ومندحر، يوشك على الزوال. أكد فيروس كرونا أن النصر، إما أن يكون للجميع، أو لا يكون. وأن الأغنياء، والأقوياء، لن يستأثروا بالعافية الجسدية، والعافية الاقتصادية، بمفردهم، تاركين البقية، ليواجهوا مصيرهم، وفقًا لمفهوم البقاء للأصلح، الذي روج له مبتدعو الدارونية الاجتماعية.

أعاد فيروس كرونا التأكيد، من جديد، على الرابطة الأممية، التي نشأت مع قيام المنظمة، في أربعينات القرن الماضي. كما حفز الأقطار، كل واحدٍ بمفرده، على إعادة النظر في النزعة القطرية، الفردانية، الأنانية، التي رسختها مفاهيم حقبة الحداثة، وعقلية الغالب والمغلوب. ولعل من أهم ما أكده هذا الفيروس، من الناحية العملية، هو أن هناك، أمورًا تقع خارج نطاق السيطرة. وهذا أمرٌ يفتح الباب لنقلةٍ، مفاهيميةٍ، جديدةٍ، في فهم الترابط العضوي بين الإنسان، والطبيعة، وبين الإنسان والإنسان. لقد ترابط العالم، بصورةٍ تجعل من المستحيل أن تستطيع دولةٌ ما، مهما أوتيت من الجبروت، أن تحد من اختلاط الناس. فلا الجيوش، ولا الحدود القطرية، ولا ما يتصل بها، من ثغورٍ محروسةٍ بموظفي الهجرة، والجمارك، قد عادت قادرةً على صد المهاجرين. وقد وضح الآن، أنها أكثر عجزًا عن صد فيروسٍ قاتلٍ، لا يملك الأقوياء، الأغنياء، سيطرةً عليه، تمامًا، كما الضعاف، الفقراء.

لقد قدمت الدولة الصينية، للعالم أجمع، وخاصة للعالم الغربي، درسًا غير مسبوق. فالروح الجماعية، والاقتدار، والتصميم، التي واجه بها الصينيون هذه الجائحة، أذهل العالم، وانتزع إعجابه. حظرت الصين سكان مدينة كاملةٍ، ذات كثافةٍ سكانية ٍعاليةٍ، من الخروج من دورهم. وقام الجيش بتوصيل حاجاتهم من غذاءٍ، وماءٍ ودواءٍ إلى عتبات دورهم. واجهت الدولة الصينية، مسؤوليتها مباشرةً، وسقطت عوامل الفردية، وقُمعت شهوة القطاع الخاص للتربُّح من الأزمة. في تقديري، يفتح النموذج الصيني، الباب، الآن، لإعادة التفكير في مفهوم الديمقراطية. فهل الديمقراطية هي الهيكل التنظيمي لعملية الاقتراع، غض النظر عما يناله الشعب؟ أم هي ما يعود للشعب، من منافع، غض النظر عن الهيكل، والإجراءات؟ أليست قيمة الديموقراطية هي ما تثبته النتائج العملية؟، Evidence-based لمعرفة الفرق، بقي أن نقول: تولت الحكومة الصينية، مواجهة الجائحة بنفسها، في حين لا يزال الأمريكيون يتطلعون إلى أن تنظر حكومتهم، وهي الأغنى في العالم، في إمكانية جعل فحص وعلاج فيروس كرونا مجانًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.